وطن الطّوابير حدّق .. اللبنانيون هنا!…
سفير الشمال- عبد الكافي الصمد
عندما كتب الشّاعر اللبناني الشهير إيليا أبو ماضي قصيدته الشّهيرة: ″وطن النجّوم أنا هنا″، وكان يقصد به بالطبع وطنه لبنان على سبيل الإستعارة الشّعرية، لم يكن يخطر في باله يوماً أنّ “وطن النّجوم” قد ساوته طبقة سياسية فاسدة بالأرض بعدما دمّرت جميع مقوماته ومقدراته.
كان يكفي رؤية مشهد إصطفاف عناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي وبقية الأجهزة الأمنية والموظفين الإداريين، بشكل فوضوي ومذلّ، أمام أبواب المصارف في مختلف المناطق اللبنانية بهدف قبض رواتبهم الشّهرية القليلة والبسيطة، حيث امتدت طوابيرهم عشرات الأمتار، حتّى يخرج المرء بانطباع لا يساوره الشّكّ أبداً أنّ وطن النجوم هذا قد أضحى، في نهاية المطاف، وطن الطوابير.
خلال السنتين الأخيرتين تحوّل مشهد الطوابير إلى حدث يومي في مختلف الشّوارع وفي أغلب المناطق، كانت بدايتها مع مشهد طوابير السيّارات الطويلة في كلّ الشّوارع والسّاحات تقريباً بسبب الإضرابات وقطع الطّرقات من قبل محتجّين على تردّي وضع البلاد إقتصادياً ومعيشياً، ولكن بدل توجّههم بتحركاتهم نحو المسؤولين فعليّاً عن تردّي هذه الأوضاع، ذهب المحتجّون نحو الوجهة الخطأ وهي المواطنين، الذي يعانون مثل المحتجين من تداعيات الأوضاع العامّة.
مشهد الطوابير التالي كان أمام المصارف التي ارتكبت بحق المودعين، الصغار منهم على وجه التحديد، جريمة سرقة موصوفة بكلّ معنى الكلمة، بعد منعهم من ان يسحبوا ودائعهم وجنى عمرهم، سواء لمصاريفهم اليومية أو لتعليم أبنائهم أو لأعمالهم وموارد رزقهم أو لمعالجة أوضاعهم الصحّية، فأجبروهم على الوقوف ذلّاً وهواناً بهدف سحب مبلغ بسيط من أموالهم بشكل شهري، بينما كان كبار المودعين يأخذون جزء أو كلّ ودائعهم ويهرّبونها إلى الخارج، معزّزين مكرّمين.
شيئاً فشيئاً، ومع توالي إنهيار وتحللّ مؤسّسات الدّولة والإقتصاد الوطني، وغياب أيّ رقابة أو حسّ وطني وأخلاقي، بدأت طوابير المواطنين تتزايد كمّاً ونوعاً. من طوابير أمام محطات المحروقات التي كانت تشهد يومياً إشكالات وسقوط قتلى وجرحى، إلى طوابير أمام الصيدليات والمستشفيات، وأخرى تشبهها أمام الأفران، ومثلها أمام محال السوبرماركت وبيع المواد الغذائية، وطوابير أمام مراكز توزيع المساعدات، وصولاً إلى طوابير أمام مراكز الأمن العام من أجل إنجاز مواطنين معاملات جواز سفر بهدف الهجرة، والهروب من “وطن النّجوم” الذي أضحى جحيماً ومعاناة بالنسبة لهم.
بعد كلّ هذه الخسائر التي أصيب بها اللبنانيون، يبدو أنّ من يمارسون هواية إذلالهم لم يشفوا غليلهم بعد، فاخترعوا لهم “فيلم” تبديل رواتبهم البسيطة من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي، وأعادوهم إلى الوقوف طوابيراً طويلة أمام المصارف مجّدداً، لكي يربحوا جرّاء هذه العملية المذلّة مبلغاً بسيطاً نتيجة الفارق بين سعر الدولار وفق منصّة مصرف لبنان وسعره في السّوق السّوداء، وهو فارق لا يسدّ رمقاً ولا يُعوّض خسارة، ولا يُخرج البلاد من الهوّة العميقة التي سقط فيها.