التضامن الوزاري على المحكّ
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
هَل يذهب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال الأيام المقبلة بإتجاه اتّخاذ قرارٍ بالخروج طوعاً من الحكومة على شكل استقالة أم يمضي مُعتكفاً؟ لا يبدو الأمر قابل للحصول “حتّى الان” على ذمة النائب علي درويش، طالما أنه لا زال يستحوذ على دعمٍ دولي متعدّد الإتجاهات، مع الإشارة إلى أنّ الفرضية الثانية أقرب إلى إحتمال الحصول. و “حتى الآن” المصطلح الذي زرعه درويش حمال أوجه وذات أفق مفتوح يقارب وضع رسالة في صندوقة بريد.
الأمرُ المهمّ الذي يجب طرحه ما دام رئيس الحكومة يعتقد أنه بات نقطة تقاطع مصالح دولية – داخلية مشتركة هو: هل يستمرّ التضامن الوزاري وإلى متى؟
يوم أمس، ظهرت صورةٌ سياسيةٌ سلبيةٌ جداً ، على شكلٍ أوحى أن الحدّ الأدنى الموجود من التضامن قد أنتهى أو يكاد، نتيجة محاولة رئيس الحكومة ممارسة فائض قوة واسقاطه في عمق المؤسسات الدستورية. نحن نتحدث هنا عن محاولةٍ مستجدّة لتعديل صلاحيات الرئاسة الثالثة بالممارسة، كمحاولة فرض موعد جلسة وزارية من خارج التشاور بين مكوّناتها، وعبر شيءٍ يوحي بالقوة، وهذه المرّة من خلفية الشروحات السياسية التي قدّمها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في بيروت، على قاعدة “يحقّ للسياسيين اللبنانيين ولا يحقّ”، ما أدى إلى إسقاطه بطريقة مأسوية في عين التينة على شكل مناورة بالذخيرة الحيّة أجراها ميقاتي ومن جملة ما أدت إليه، انتفاضة قادها رئيس مجلس النواب نبيه بري بوجهه، وهي علامةٌ تُنذر بالسوء حيال المستوى الذي وصلت إليه العلاقة بين المرجعيات الرئاسية.
بدا للوهلة الأولى أن ميقاتي يحاول فرض معايير جديدة على عين التينة، لا تتناسب وطبيعة العمل السياسي، كفرض موعد انعقاد جلسة مجلس الوزراء من دون حلّ الأسباب التي تحول دونها، وهو مكمن خطر وغير مدروس حيث أن رئيس المجلس الذي تنازع ورئيس الجمهورية من أسباب ذات ارتباط بمحاولة الاخير فرض صلاحيات بالممارسة في الاداء، لن يقلبها من ميقاتي ولن يتوان عن مواجهتها. وعلى ما يظهر من معلومات، شعر بري بأن رئيس الحكومة، يحاول التصرف بفائض قوة مستمدّ من المواقف الخارجية، وليس آخرها ما صدر عن أمين عام الأمم المتحدة، وكان يوحي خلال حديثه بأضرارٍ قد تلحق بالمعرقلين على شكل “عقوبات”.
إلى جانب ذلك، ينمو شعور منذ مدة بأن رئيس الحكومة يتصرف وبملء إرادته وفي أحيانٍ كثيرة، بطريقة توحي بأنه يخضع لوصاية ما، وإن صفّينا النية لقلنا إنه يستفيد من أجواء دولية محددة، ليمارس مزيداً من الضغط على المرجعيات السياسية الرئيسية أو شركائه في الحكومة، ما يُنتج في العادة نزعةً تجاه رفض ما يطرحه، وهو ما تكرسّ إلى حدٍ ما يوم أمس في عين التينة، حيث بدا أنه يتلقّف إشارةً خارجية ما، ويسعى إلى تطبيقها على الواقع السياسي اللبناني على شكل دعوةٍ لمجلس الوزراء، بمعزلٍ عن حلّ الأسباب التي تعرقل انعقاده، ومن دون الأخذ بتبعات السير في هذه الخطوة، ولو أن الإشارات المتصاعدة من جانب رئيس الحكومة، كانت توحي بأنه يبحث عن تفاهمات ولا يفرض حلولاً.
كانت سبقت هذه المحاولة، لفتةٌ خطابية من جانب ميقاتي، حين كرّر القول بأنه “لن يذهب باتجاه سيناريو يضعنا أمام استقالات من الحكومة” ليحضر مناقضاً كلامه تماماً من عين التينة، التي واجهت تحت عنوان “رفض انعقاد الجلسة”، وردّت على الإصرار بالتلويح بورقة الإستقالة في حال عُقدت الحكومة من خارج التشاور معها.
وهكذا هل يكون ثمة توجّه لإبطال مفاعيل الحكومة من الداخل؟ تبدو القضية مُقبلة على ذلك، في حال بالغ ميقاتي في الرضوخ للمطالب الدولية وعدم الإلتفات إلى القضايا الأساس التي تسبّبت بعرقلة عمل الحكومة، وفي أحيان كثيرة يناقض كلامه، حين يتنقّل ما بين رفضه الإستقالة من الحكومة وتجنّب الدعوة إلى جلسةٍ من خارج التفاهم، ثم ينبري فجأةً وبطرقٍ غير مفهومة، نحو الدفع باتجاه حصول جلسة “بمن حضر” من خلال اعتماد لغة التلويح، ما قد يؤدي إلى فرضه لاستقالات تخالف الرغبة الدولية التي يقول بأنه وكيلها في الداخل، والساعية في الأساس إلى المحافظة على هذه الحكومة لقضايا سياسية عدة رأس هرمها الإنتخابات.
يحدث كل ذلك في وقتٍ يُشاع أو للدقة أكثر، ثمة من أشاع في الداخل بنوداً تحمل على الظنّ بوجود صفقةٍ ما قائمة على مشروع المقايضة بين نتيجة قرار الطعن في البنود المعدّلة من قانون الإنتخاب وانعقاد الحكومة، غسل الجميع يدهم منها وبدا إلى حدٍ ما انها لقيطة وكأن لا أب لها، وحملت على المزيد من الشحن السياسي في الداخل، بحيث أخذ الجميع يبحث عن مصدر الخبر، وفي طليعتهم رئاسة الجمهورية التي أبدت، بحسب معلومات خاصة، عدم علمها بما يجري أو علاقتها بأي صفقة، ووضعت ما يدور في خانة “الشُبهة”، وهو ما تعامل معه “التيار الوطني الحر” بصفته “مشتبهاً به بالتطور” عبر نفي صحة وجود مقايضة أو تسوية للإطاحة بتحقيق المرفأ أو القاضي بيطار، وكان موقفاً قريباً من موقف “حزب الله”، الذي استغرب الزجّ به في “مشروعٍ” لا يعبّر عن وجهة نظره من الملف، بحيث يرى أن مسألة البيطار معزولة عن أي ملفٍ آخر وهو لا يخفي مطالبته بالإطاحة به نظراً للإلتواء الحاصل في مسار التحقيقات.
هذه الأجواء المشحونة تدفع إلى مزيدٍ من التعقيد السياسي، لا بل تضع التفاهمات التي تمّ الوصول إليها خلال فترة تأليف الحكومة ، على المحكّ، ناهيك عن الدولار الذي تحرك الى أمام متأثراً بالحراك الذي طرأ عند “الفوالق السياسية”.