ماذا بعد الانتخابات؟ إنْ حصلت…
} حسن الدّر-البناء
يختلف المتابعون حول إمكانية حصول الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، فمنهم من يجزم بحتمية حصولها، مهما كانت الاسباب ومحاولات التطيير، ومنهم من يجزم بالعكس، ولكلّ فريق قراءته ومقاربته للاستحقاق المصيري في تاريخ لبنان الحديث.
في دردشة مع أحد القياديين البارزين في حركة «أمل» استعرض الأسباب الموجبة، برأيه، لضرورة إجراء الانتخابات النيابية، وفي قراءته لسياق الأحداث في لبنان، بالأخص منذ ما بعد حراك 17 تشرين 2019 وربطها بما يختزنه من تجارب، بدأت أوائل ثمانينات القرن الماضي، يعتبر بأنّ الهدف من الأساس هو الإطاحة برأس المقاومة، هذا الهدف ثابت واستراتيجي بالنسبة لأميركا و«إسرائيل» وحلفائهما، وإنْ اختلفت طرق محاولات الوصول إليه.
فبعد محاولات عدّة من حروب مباشرة فاشلة، ومحاولة إشعال فتنة سنية شيعية عبر داعش وأخواتها، والفشل، إلى الآن، في جرّ المقاومة إلى مواجهة داخليّة، الطّريق المتاح، حسب الرؤية الأميركية، يكمن في الانتخابات النيابية ومواجهة المقاومة من داخل مؤسسات الدولة.
وعند سؤاله عن احتمال حدوث تفجير أمني، أو ربّما تدحرج الأمور إلى مواجهة ما مع العدوّ «الإسرائيلي»، يقول: حتّى لو… الانتخابات حاصلة حاصلة!
في المقابل، يرى متابعون للحركة الديبلوماسية في العواصم المعنية بالشأن اللبناني بأنّ المهلة الفاصلة من اليوم إلى موعد الانتخابات ليست كافية لبلورة تصوّر حول شكل التسوية، أو «ميني» التسوية المحتملة، خصوصاً بعد تعثر المفاوضات في «فيينا» واحتمال استمرارها لأشهر طويلة، وربما سنوات آتية.
إضافة إلى استمرار الحرب على اليمن، وعدم حسم نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية وتداعياتها، وكذلك واقع الحال في سورية. ما يؤشّر إلى بقاء الحال على حاله في مختلف ملفات المنطقة، بانتظار وضوح ملامح خارطة النفوذ الإقليمي والدولي.
بالعودة إلى لبنان، ماذا لو حصلت الانتخابات النيابية في موعدها، وما هي الاحتمالات المترتبة على النتائج المتوقعة؟
بعد فشل محاولات عديدة وطويلة لضرب المقاومة من داخل بيئتها الخاصّة عبر فكّ الارتباط بين ثنائي حركة أمل وحزب الله توجّه خصومها إلى خطّة بديلة تقضي بعزلها عن محيطها الوطني، فجرى العمل على تصوير المقاومة وبيئتها كحالة شاذّة عن الإجماع اللّبناني، وفي هذا السياق أتت ثلاثة أحداث متلاحقة تخدم هذه الخطّة.
الأولى حصلت في 6 آب 2021 في بلدة «شويّا» ثمّ كمين «خلدة» في 27 آب نفسه، ثمّ كمين «الطيونة» في 14 تشرين الاول 2021.
ثلاثة كمائن في أقلّ من ثلاثة أشهر في مناطق ذات غالبيات طائفيّة (درزيّة سنّيّة ومسيحيّة) تمثّل بقيّة النّسيج الوطني اللبناني إلى جانب المكوّن الشيعي.
من السذاجة الاعتقاد بالمصادفة في اختيار اماكن الكمائن وطبيعة أهلها وعزلها عن سياق الأحداث، ثمّ تأتي التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت وما سبقها من ضخّ اعلامي أدّى إلى تطييف الانفجار وتداعياته لفرض مزيد من الضغوط على حزب الله وتحميله، إعلامياً، مسؤولية الانفجار.
والخوف الأكبر لدى الحزب أن يصدر قرار ظني يحمّله، بشكل مباشر أو غير مباشر، مسؤولية انفجار المرفأ، وهذا الخوف مبرّر نتيجة سلوك القاضي طارق البيطار والفريق الدّاعم له، خصوصاً بعد ما نقل عن البيطار بأنّ القرار الظني سيصدر بعد ثلاثة أشهر، أي قبيل الانتخابات النيابية بأسابيع، ما يعيد إلى الأذهان سيناريو انتخابات 2005 وتوظيف اغتيال الرئيس رفيق الحريري في صناديق الاقتراع.
في ظلّ هذه الأحداث المتراكمة والمترابطة، وفي ظلّ احتقان اجتماعيّ غير مسبوق بعد تخطي سعر صرف الدولار أرقاماً قياسية، مرشّحة للزيادة، ومع اقتراب اتخاذ قرار رفع قيمة الدولار الجمركي وما سيحمله من تداعيات خطيرة على ارتفاع أسعار السلع المستوردة، ومع حكومة مشلولة؛ إذا حصلت الانتخابات النيابية وفازت القوى المناهضة لـ حزب الله بأكثرية برلمانية، من المرجّح، حسب مصادر الثّنائي، اعتماد الفريق الدولي والإقليمي المشغّل للقوى الفائزة نمطًا جديداً في الحكم ينسف فكرة «الديموقراطية التوافقية» في محاولة لفرض أمر واقع جديد داخل مؤسسات الدولة العميقة تقوم بها حكومة ذات لون واحد، من خلال تعديلات جذرية حسّاسة بمعزل عن الثنائي «الشيعي».
خطوات كهذه، تعتبر بمثابة إعلان حرب بالنسبة لحزب الله، وستؤدّي حتماً إلى مواجهة مباشرة تبدأ بالسياسة ولا أحد يعلم أين تنتهي، وهذا ما دفع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد إلى استباق نتائج الانتخابات بالتأكيد على مبدأ «الديموقراطية التوافقية» وقال: الذي يريد أن يحكمنا غداً بأكثرية مدّعاة عليه أن يدرك بأنّ الأكثرية التي حكمت لم تستطع أن تحكم… ولا تراهنوا على أكثرية عددية في الانتخابات، بل راهنوا على وحدة الموقف بين أبناء الوطن الواحد…
اعتبر خصوم الحزب كلام «رعد» التفافاً على نتائج الانتخابات وتسليماً مسبقاً بخسارة حلفائه، فيما يضع مصدر قريب من الحزب كلام رئيس كتلة الوفاء للمقاومة في خانة الإنذار المبكر قبل فوات الأوان.
فهل تسبق الانتخاباتُ المواجهةَ أم العكس؟
الجواب يأتي من «فيينا» مروراً بالرياض وما فوقها من عواصم القرار الدولي والاقليمي وما على اللبنانيين سوى الانتظار في قلب الانهيار!