البنك الدولي.. وما يخبئه للبنان
في 28 -11- 2021، نُشر خبرعن توقف شبكة كهرباء لبنان مرتين عن العمل بسبب الأعطال الناتجة عن الضغط الكبير الذي تنوء به الشبكة. وأدى شح الإعتمادات إلى عدم قدرة المؤسسة على القيام بأعمال الصيانة. ويبدو أنه وبحسب معلومات صحفية لن يقوم البنك الدولي بتمويل شراء الكهرباء من الأردن والغاز من مصر ما لم يعالج موضوع التعديات على الشبكة وتحسين الجباية وبالتالي الهدر الحاصل، إضافة إلى شروط أخرى منها رفع التكلفة لتصل على الأقل إلى حد كلفة الإستجرار وهي 12 سنتاً للكيلو وات.
الشروط المتعلقة بتحسين الجباية ومنع التعديات على الشبكة، باتت أملاً لبنانياً، لكل من كان يشهد انقطاع الكهرباء الموسمي الحاد في فصلي الشتاء والصيف بسبب كثافة التعديات، وهي واضحة للعيان، اذ تتدلى الكوابل الكهربائية في الهواء في أكثر المناطق اللبنانية وخاصة في بيروت. ولكن أن يدفع اللبناني 12 سنتاً ثمناً للكيلو وات فهو مبلغ كارثي! فإذا كان متوسط استخدام أي منزل عادي هو بين 75-80 كيلو واط في الساعة، وبحسابات بسيطة ستبلغ تكلفة الكهرباء في أي بيت عادي، لم يستخدم غسالة الصحون أو التدفئة والتكييف ولا حتى ماكينة لصنع القهوة، ما بين 150- 200 دولاراً شهرياً، ويلحق بذلك الزيادات الملحقة بالفاتورة اللبنانية، وحينها لن يستطيع معظم اللبنانيين إيصال الكهرباء إلى بيوتهم، خاصة مع انخفاض سعر الليرة اللبنانية. أي أن المواطن اللبناني سيدفع ما تصل قيمته حتى الآن، على سعر صرف السوق السوداء ما بين 4-5 ملايين ليرة لبنانية تكاليف للكهرباء، وعلى سعر الصرف الرسمي ما بين 250-300 ألف ليرة لبنانية. الرقم كارثي اذا بقي الحد الأدنى للأجور بـ 600 ألف ليرة لبنانية، ومصيبة حتى لو وصل الحد الأدنى للأجور إلى مليوني ليرة.
اذا البنك الدولي يطالب بإنهاك المواطن اللبناني قبل أن ينهي الدولة بأكملها. وفي دراسة علمية نشرت في العام 2017 على موقع روا-الاقتصادية، أشارت النتائج إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر له تأثير سلبي على الناتج المحلي الإجمالي في البلدان قيد الدراسة، وكما أشارت النتائج إلى أن إنتاجية الاستثمار الأجنبي المباشر تبقى ثابتة فقط عندما يكون لدى البلد المضيف حد أدنى من مخزون رأس المال البشري، وحد معين من الانفتاح التجاري ومعدلات التضخم. ومن قام بالإستثمارات الأجنبية في دول المغرب العربي(حسب الدراسة) كانا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. الأول، عمل على تقديم القروض، والثاني أشرف على السياسات الإقتصادية للدول المقترضة بشكل مباشر.
بالطبع في أية منطقة يدخلها صندوق النقد الدولي، يلجأ إلى إخضاع البلاد التي يعمل بها إلى سلسلة من الشروط الإقتصادية والسياسية. فعدا عن سياسة الإنفتاح الرأسمالي الكامل، يطالب صندوق النقد الدولي لبنان، على سبيل المثال، بنقاط تتعلق بأمن الكيان الإسرائيلي وتحديد الحدود النهائية: وهي ترسيم الحدود مع الكيان برياً وبحرياً بحسب التسوية المفروضة أميركياً و”اسرائيلياً، وترسيم الحدود البرية مع سوريا، من أجل إنهاء قضية مزارع شبعا تحديداً. لأن البنك الدولي لا يمكن أن يقدم أية أموال لمناطق النزاعات.
بحسب الصفحة الرئيسية للبنك الدولي: تأسس البنك بعد اتفاق مع صندوق النقد الدولي على إنشاء “البنك الدولي للإنشاء والتعمير في العام 1944″، في مؤتمر دعت إلية هيئة الأمم المتحدة في بريتون وودز في الولايات المتحدة، لإعادة بناء أوروبا التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، وحضر المؤتمر 44 دولةً. ومقره اليوم في واشنطن، ويبلغ عدد أعضاءه 189 دولة. ثم أطلق عليه اسم البنك الدولي بعد أن تضمن خمس مؤسسات إنمائية هي البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومؤسسة التنمية الدولية، ومؤسسة التمويل الدولي، وهيئة ضمان الإستثمار المتعدد الأطراف، والمركز الدولي لتسوية نزاعات الإستثمار. وحتى تستفيد أي دولة من القروض أو المساعدات التي يقدمها البنك الدولي يجب أن تكون عضواً في المؤسسات الخمس.
عادة ما يشار إلى البنك الدولي للإنشاء والتعمير ولمؤسسة التنمية الدولية بـ”البنك الدولي” اختصاراً. ومع مرور الوقت انسحب عمل البنك ليطال التنمية إلى جانب الإعمار. وتركز عملية التنمية على البنية التحتية في الدول مثل السدود وشبكات الكهرباء وشبكات الري والطرق. ومع إنشاء مؤسسة التمويل الدولية في العام 1956، أصبحت مجموعة البنك الدولي قادرة على تقديم القروض لشركات القطاع الخاص والمؤسسات المالية في الدول النامية، وبدأ في العام 1960 التركيز على الدول الأشد فقراً. وبدأت مجموعة البنك الدولي بتقديم المشورة بشأن السياسات والمساعدة الفنية للحكومات إلى جانب التمويل، وبالتركيز على تدعيم القطاع الخاص، فبرأي القائمين على البنك أن التنمية غير ممكنة في أي بلد دون تمكين القطاع الخاص.
وتأتي الاحتياطياتالمالية للبنك من عدة مصادر: من الأموال التي يتم جمعها في الأسواق المالية، الأرباح على الإستثمارات، ومن الرسوم التي تدفعها الدول الأعضاء، وعادة ما تكون المساهمات من الأعضاء الأكثر ثراءً ومن البلدان المقترضة نفسها عندما يسددون قروضهم، ومن دفع الإشتراكات. وعند استلام أي دولة من الدول الأعضاء للقرض الممنوح يحتفظ البنك لنفسه بقيمة 18% من القرض كرأس مال للبنك بما يعادله ذهباً، او بالدولار الأميركي، أو ما يعادله من عملة الدولة المستدينة الخاصة. وبإمكان البنك المطالبة بأمواله في أي وقت لمواجهة التزاماته. أي أن لبنان سيدفع 18% من قيمة أي قرض ذهباً اذا لم يستطع الدفع بالعملة الصعبة.
يحاول البنك الدولي اليوم توسيع عمله ليطال مسألة تخفيف حدة الفقر، ولذا يتم تركيز جهوده على تحقيق الأهداف الإنمائية في الألفية الثانية من أجل إيجاد حل مستدام لمشكلة الفقر. وأكثر ما يثير السخرية أن جميع الدول التي دخلها وباء البنك الدولي أصابها بلاء الفقر ووصلت حد انهيار مؤسساتها، مثل الصومال والأرجنتين وتونس وغيرها. وما يثير السخرية أكثر أنه إذا سألت من يملك البنك الدولي فسيأتيك الجواب بأنها الأمم المتحدة. ولكن في الحقيقة، هم شركة مساهمة من الحكومات والشركات الخاصة وخاصة عائلة روتشيلد، التي تستفيد من وضع اليد على عقارات المتخلفين عن الدفع، وامتلاك البنى التحتية للبلدان المنهارة اقتصادياً بعد تخلفها عن دفع ديونها.
وتركز كل من مؤسسة التمويل الدولية، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار على تقوية دور القطاع الخاص في البلدان النامية. ومن خلال هذه المؤسسات، تقدم مجموعة البنك الدولي خدمات التمويل، والمساعدة الفنية، والتأمين ضد المخاطر السياسية، وتسوية المنازعات لمؤسسات القطاع الخاص، وأهمها المؤسسات المالية.
صحيح أن من أهداف البنك الدولي هو تشجيع استثمار رؤوس الأموال وتنمية الدول المنضمة إليه والتي تحتاج “لمساعدته” في إنشاء المشروعات المكلفة والضخمة والهامة في تنمية اقتصاد الدولة، التي لا تستطيع مواجهة العجز الدائم في ميزان مدفوعاتها عبر إقراضها من أموال البنك الخاصة أو عبر سندات قروض للإكتتاب الدولي، إلا أن البنك الدولي انتقائي في المساعدات والقروض التي يقدمها. فهو مثلا لم يقبل تمويل بناء السد العالي في مصر، فقط لأن رئيسها آنذاك رفض الصلح والإعتراف والتفاوض مع الكيان الصهيوني ووقف إلى جانب الحق الفلسطيني. فهل سيقدم التمويل للبنان دون شروط سياسية مسبقة؟
الكاتب: عبير بسّام