خنجر بهاء… وخاصرة سعد
لماذا يحاول بهاء الحريري أن يغزو ساحة النجمة من البوابة الشمالية، لا من البوابة الجنوبية، وحيث صيدا التي مثلما هي مسقط الأب، هي رمز العائلة، ولا من بوابة بيروت التي لها الأولوية في انتاج رؤساء الوزراء. أيضاً، لها الأولوية في انتاج… التاريخ!
من زمان توقفت بيروت عن انتاج التاريخ. منح الصلح قال «من يقتل بيروت كمن يقتل الشرق الأوسط». يا استاذنا الرائع، هذا الشرق الأوسط الذي كان، يوماً، ملاذ الآلهة وملاذ الأنبياء، بات اليوم (والى يوم الحشر) ملاذ العروش الخشبية، والايديولوجيات الخشبية.
سياسي بيروتي عتيق قال لنا «لن يكون هناك شيء يدعى بهاء الحريري، الا اذا كان على يمينه فؤاد السنيورة وعلى يساره نهاد المشنوق. الأثنان قطبان كهربائيان يلعبان ضد بعضهما البعض، ويكرهان بعضهما البعض، لكن الأول وديعة أميركية، والثاني وديعة أنكليزية». نسأله أين الوديعة السعودية؟ «قصر اليمامة لا يثق الا بسمير جعجع، هيئة البيعة طوّبته خليفة على مسلمي البلد»!
لكن بهاء الحريري يطرح نفسه البديل. تصوروا أن الآتي على عربة مطهمة، وبقدمين ذهبيتين، نسخة عن مهاتير محمد، على كتفيه بطلان من أبطال الأمة جيري ماهر وسعيد صناديقي، يشقان أمامه الطريق، ويضيئان أمامه الطريق. يا لبهاء… بهاء الحريري!!
قيل له ان الشمال الخزان البشري لـ «تيار المستقبل»، وهو يتمثل بالعدد الأكبر من النواب السنّة. أحد عشر نائباً. الجنوب يتمثل بثلاثة نواب سنّة، أحدهم يصادره الثنائي الشيعي، والثاني ابن معروف سعد، وتبقى الست بهية بقلبها النقي مثل قلب ابنها أحمد، الضنين (وحده) بابن الخال، وبارث الخال، لكأنه الآن يقبض على الريح…
ثم ان الشمال الأكثر بؤساً، والأكثر قابلية للتفاعل، والأكثر غضباً. لأيام، ظن رجب طيب اردوغان أن باستطاعته أن يجعل من البوابة الشمالية البوابة التركية، أو أن يجعل من باب التبانة بوابة تورا بورا، قبل أن يكتشف أن اللبنانيين هناك لبنانيين منذ الأزل، وأن العروبيين هناك عروبيين منذ الأزل.
بهاء الحريري ظهر في الوقت المستحيل، وفي المهمة المستحيلة. دولة عالقة بين الموت والحياة. حكومة في غرفة العناية الفائقة.
لو همس أحدهم في أذن نجيب ميقاتي، لماذا أنت باق على ذلك الكرسي الكهربائي لقال همساً «لا انتخابات نيابية، ولا انتخابات رئاسية اذا ما تعثرت مفاوضات فيينا، وضربت الأعاصير المنطقة. لنتصور لبنان، والحال هذه من دون رئيس جمهورية، ومن دون مجلس نيابي، ومن دون مجلس وزراء». على الأقل مجلس للوزراء وان بمواصفات أطباق «الهوت دوغ»…
هل المشكلة في طارق البيطار؟ وهل الرجل يسند ظهره الى القانون؟ ألا يسأل السائلون متى كان القضاء في لبنان مع القانون، ومتى كان القانون مع القضاء؟ هنا لا قانون سوى قانون المغارة، ولا شريعة سوى شريعة الغاب.
لماذا يهدد الأميركيون، ولماذا يهدد الأوروبيون، بالويل والثبور اذا ما أزيح المحقق العدلي؟ ليس تشكيكاً بمهنية الرجل، ولا بنزاهة الرجل. ولكن من يصدق أن الأميركيين الذين كرّسوا الثقافة التوتاليتارية، وثقافة الفساد، وثقافة التبعية، وحتى ثقافة القهر، في المنطقة تعنيهم العدالة في لبنان، ولا يضعون السكين على عنق هذا وذاك ممن لا يتماهون مع سياساتها، وممن يرفضون أن يكونوا القهرمانة على أبواب الأمبراطورية؟
هذا مع اقتناعنا بأن هذه فلسفة الأمبراطوريات، سواء أكانت الأمبراطورية بقدمي الفيل أم بقدمي الدجاجة…
قانون محاكمة الرؤساء والوزراء والنواب بتلك النصوص السريالية، صيغ للمريخ لا لبنان. هؤلاء، وكما قلنا سابقاً، فوق الشبهات. هكذا مثل امرأة القيصر حتى لو ضبطت عارية في فراش حوذي القصر. لكنه لبنان… لا قانون ولا عدالة.
كل شيء مسيّس. حتى القداس مسيّس، وحتى الصلاة مسيّسة. بهاء الحريري يريد أن يكون من رجال المغارة. لن يعثر هناك سوى على عظامنا المطحونة.
من أتوا به انما أتوا به ليكون الخنجر. الخنجر الأخير، في خاصرة أخيه!!