الإتصالات جارية لدعوة ميقاتي الحكومة الى الاجتماع قبل نهاية العام الجاري
بات واضحاً حتى الآن أنّ «حكومة معاً للإنقاذ» لن تتمكّن من معالجة الأزمات التي يتخبّط فيها الشعب اللبناني، إنَّما ستكتفي بالعمل على بعض الملفات من دون التوصّل الى حلول نهائية لها، حتى موعد إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة. وإذ بات الشارع مخدّراً لا يهتزّ رغم وصول سعر صرف الدولار الأميركي الى 26 ألف ليرة لبنانية، وينتظر البطاقة التمويلية التي تصلّ في حدها الأقصى الى 126 دولاراً للعائلة الواحدة من الأكثر حاجة، فإنّ اللجوء الى عمليات الاحتيال والنصب والسرقة، مع الأسف، بات خيار العديد من المفتقرين في البلد، والدليل ارتفاع نسبة الجرائم والسرقات بشكل كبير، بحسب معلومات قوى الأمن الداخلي.
وإذ تتواصل المشاورات السياسية لدعوة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الحكومة الى الإجتماع، تجد مصادر سياسية مطّلعة أنّ الطريق ليس مسدوداً على ما يعتقد البعض. علماً بأنّ الشعب يدفع ثمن سياسة الفاسدين الذين أوصلوا البلاد الى ما تعانيه اليوم من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وأدّت الى أن يصبح الحدّ الأدنى للأجور الذي كان يساوي 450 دولاراً، الى الأكثر تدنياً في العالم مع وصوله الى نحو 26 دولاراً في الشهر. والأخطر هو أنّ الحكومة لا تقوم بأي عمل من شأنه وقف هذا التدهور في القيمة الشرائية للعملة اللبنانية، بل تكتفي بترقيع هذا الخلل بإقرار البطاقة التمويلية، غير الدائمة بطبيعة الحال، والوعد ببدء الدفع للعائلات المحتاجة قيل موعد إجراء الإنتخابات النيابية في ربيع العام المقبل.
وتقول المصادر انّ عوامل عديدة ترافقت مع تشكيل الحكومة الحالية أثّرت سلباً في بدء عملها الفعلي نحو الإنقاذ، رغم قيام الوزراء بعمل يومي مستمرّ حتى مع تعليق الجلسات الحكومية، من قضية القاضي طارق بيطار وأحداث الطيّونة ، ومن ثمّ تصريحات الإعلام جورج قرداحي وصولاً الى تقديم استقالته بعد الأزمة بين لبنان والسعودية ودول الخليج، غير أنّه آن الأوان لتخطّي هذه العقبات وإيجاد حلول لها. فالأزمة اللبنانية – الخليجية، تمكّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من فرملة تصعيدها أكثر فأكثر، ووصلت الى تهدئة المناخات. وينتظر لبنان انتهاء السعودية ودول الخليج من ورشتها الداخلية لتتفرّغ لإعادة التطبيع مع لبنان والى دعوة ميقاتي لزيارتها لفتح صفحة جديدة.
أمّا في ما يتعلّق بقضية القاضي بيطار، فأشارت المصادر نفسها الى أنّه يتمّ، مع الأسف، عرقلة العمل القضائي من قبل القضاء ذاته، كما من قبل السياسيين الذين يتدخّلون فيه، لهذا فإنّ حلّ هذه المسألة التي تعرقل اجتماع الحكومة، يكون بمبادرة يقوم بها مجلس القضاء الأعلى، ومن ثمّ يوافق عليها مجلس الوزراء لدى انعقاده. فوزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى هما الجهة المخوّلة إيجاد الحلّ لهذة الأزمة، وهذا الأخير يكون من خلال إعادة النظر بأولويات التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بدءاً من رسو باخرة نيترات الأمونيوم في المرفأ، مروراً بمن أين جاءت، ومن أدخلها، ومن أبقاها كلّ السنوات الماضية حتى لحظة الحريق ووقوع الانفجار الكبير، فلا بدّ من استدعاء كلّ الوزراء والمسؤولين السابقين لمعرفة حقيقة ما جرى، وعدم الاكتفاء بمحاسبة بعض المقصّرين قبل وقوع الانفجار.
وفيما يرى البعض أنّ الطريق بات مسدوداً أمام عودة الحكومة الى الاجتماع قريباً، خشية أن تنفجر من الداخل وتصبح حكومة تصريف للأعمال، أشارت المصادر عينها الى أنّ وجود حكومة، وإن مستقيلة، في ظلّ فراغ سياسي قد يحدث في حال لم تجر الانتخابات النيابية، ولم تُشكِّل حكومة جديدة، ولم يحصل الاستحقاق الرئاسي، يمكنها إدارة البلاد، لهذا ليس عليها أن تخشى من هذا الأمر، ولا أن تقوم بمثل هذه الحسابات.
وأكّدت المصادر أنّ الاتصالات جارية لعقد تسويات داخلية ستؤدّي الى انعقاد مجلس الوزراء في نهاية العام الحالي، على أبعد تقدير، فيكون هذا الأمر ك «عيدية» للبنانيين الذين يريدون أن يلمسوا أنّ الحكومة تعمل فعلاً على حلّ مشاكلهم المتفاقمة والتي بلغت حدوداً غير مسبوقة، ليبدأ العام الجديد المقبل (2022) مع عقد اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، ومن شأن هذه الاتفاقية أن تمهّد الطريق أمام إنجاز الإصلاحات المطلوبة، وإن كانت لن تحقّق الأحلام التي تراود الشعب اللبناني بإعادة الدولار الى سعر ال 1500 ل. ل. الذي لا يزال السعر الرسمي له حتى الآن.
من هنا، تتوقّع المصادر أن تتمكّن حكومة ميقاتي من وقف الانهيار الحاصل، وإن كان الدولار يرتفع بشكل كبير في السوق السوداء، سيما أنّ التسويات الإقليمية والدولية ستصبح حقيقة واقعة خلال أشهر، ما سينعكس بالطبع إيجاباً على الوضع في لبنان.
وأوضحت المصادر أنّ حكومة ميقاتي قد تشكّلت لتنفيذ خارطة الطريق التي نصّت عليها المبادرة الفرنسية، والخطة الاقتصادية التي تحتاج اليها البلاد بإلحاح، ومن الطبيعي أن تقوم بتنفيذها قبل مغادرة ماكرون، الداعم الأكبر لها، لقصر الإليزيه. فالانتخابات الرئاسية الفرنسية ستحصل في نيسان المقبل، على مرحلتين، وعلى حكومة ميقاتي أن تسعى الى وقف الانهيار الحاصل في لبنان قبل هذا الموعد.
وعن استياء العدوالإسرائيلي من أي تسوية إقليمية ودولية، لا سيما مع إمكان عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي الإيراني من خلال محادثات فيينا، وبالتالي محاولته تفجير الوضع الأمني في المنطقة الجنوبية، تقول المصادر نفسها، إنّ أي اتفاقية لإيران مع أميركا والدول الغربية، وحتى الخليجية، ستجعل العدو الاسرائيلي مستاء. وقد بدأنا نسمع تهديدات بعض المسؤولين فيه عن ضرب إيران عسكرياً، غير أنّ هذا الأمر يبقى من باب التهويل إذ بإمكان أي إتفاق جديد أو تسوية دولية وضع حدّ لما يخطّط له من خلال اعتماد الخيار العسكري. كذلك فإنّ المنطقة الجنوبية لن تكون حالياً متاحة سوى للمناورات والتدريبات التي يقوم بها عند حدودها ليس أكثر.