قالها مهاجر… «البحر أكثر أماناً من الوطن»!
} علي بدر الدين-البناء
نجحت الطبقة السياسية والمالية في استدراج الشعب اللبناني إلى مسرح عملياتها، التي تضخ منه إعلامها ووعودها وألاعيبها وتوزيع الأدوار، وإطلاق الوعود الكاذبة وبيع الأوهام وشراء الوقت والذمم، بهدف إضاعة «طاسة» الحقيقة وطمس معالمها، حتى لا تنكشف حقيقة ارتكاباتها وما اقترفته بحق الوطن والدولة والشعب والمؤسسات، ولا تزال تمعن في ممارساتها وسلوكياتها المشينة واللاوطنية، التي اعتادت على فعلها منذ اتفاق الطائف الذي «لزمها» البلد ظاهره وباطنه، مقدراته وموارده وقراره، كما شعبه التائه المنقسم على نفسه وعلى وطنه، وعلى دولته ومؤسساتها، وهو الذي «أجاد» قتال بعضه البعض، «دفاعاً عن حق» طائفته ومذهبه ومنطقته ومرجعياته السياسية في الداخل والخارج، حيث سقط منه ضحايا ومصابون ومعوقون، وخطف بعضه الكثير ولا يزال مجهول المصير، وهاجر بعضه الآخر، والوطن لا يزال ينزف شبابه وطاقاته، وتشرّد أخرون بعد ان خسروا كلّ شيء كرمى لعيون ومصالح وحصص أمراء الحرب وسفاحيه وجلاديه، الذين كافأهم عرابو الطائف، بترقيتهم الى رتبة أمراء السلام، لاستكمال مشروعهم التدميري لهذا البلد، الذي ظلّ صامداً في مواجهة ما أطلق عليها، زوراً «الحرب الأهلية»…
صحيح أنّ وقودها كان بعض الشعب اللبناني، ولكنها كانت حرب المحاور والسياسات الإقليمية والدولية. والصحيح أيضاً أنّ «الطائف» أسكت صوت المدافع، وأوقف القتال وقتل الناس المجاني، ولكنه كمَن دسّ السمّ بالعسل، حيث استبدل ثياب الحرب، بثياب أنيقة وعصرية، لغاية في نفس يعقوب بهدف التمويه.
واقع لبنان الحالي، اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً وقضائياً، لا يسرّ صديقاً ولا حتى خصماً أو عدواً، حيث الانهيارات تتوالى، والفقر المدقع الذي يعانيه الشعب لم يعد يُخفى على أحد، الواضح منه والمقنع والمخفي، وبات مادة دسمة لمنظمات حقوق الإنسان والجمعيات الدولية الرسمية والأهلية التي تنصح وتحذر وتناشد مساعدة هذا الشعب المسكين، في بلد نكبه حكامه وأمعنوا فيه جلداً وفساداً وجشعاً ونهباً، لأنّ استمرار انزلاقه السريع، يعني بكلّ بساطة الوصول عاجلاً أم آجلاً إلى المجاعة والاحتضار البطيء.
السلطة السياسية الحاكمة في لبنان، المسؤولة أولاً وأخيراً عن الحال الكارثية التي بلغها الشعب، غير آبهة بكلّ التقارير الدولية التي دقت ناقوس الخطر القائم والداهم، وقد أدارت أذنها الطرشاء لها ولصرخات الناس وأنينهم ووجعهم وفقرهم وجوعهم، وتركتهم فريسة سهلة لطمع وجشع وفساد واحتكار تجار المحروقات والدواء والغذاء والرغيف والدولار، ومافياتها، بل أكثر من ذلك وأشدً إيلاماً وذلاً وقهراً، أنها وفرت مظلات الحماية وزنّرتهم بالخطوط الحمر لمنع الاقتراب منهم، أو مساءلتهم ومحاسبتهم، مما زادهم طغياناً وشراهة وغزوات على حقوق الناس ولقمة عيشهم.
وبعدما أفرغت هذه الطبقة السياسية لبنان من كلّ مقومات الحياة والعيش، وانعدم الأمن الاجتماعي والغذائي والصحي، وانكشفت ألاعيبها واستبدادها وتسلطها وفسادها، الذي وصل إلى العالمية، تحاول اليوم الهرب والتنصّل مما أنتجته عقولها المتحجّرة وأياديها الملوّثة وكان وبالاً على اللبنانيين، باللجوء إلى أوراقها المستورة، وهي إغراقهم بمزيد من المناورات والألاعيب والتمويهات والمصطلحات الغريبة عنهم تماماً ولم يسمعوا عنها شيئاً في الماضي، ولم يكونوا بحاجة اليها، مع أنها موجودة في قواميس اللغات الأجنبية، وفي متناول «النخب» السياسية والسلطوية والمالية والمصرفية، على سبيل المثال لا الحصر، «الكابيتال كونترول» و»الهيركات» وغيرهما الكثير من المصطلحات التي لم يتصوّر المواطن اللبناني أن يسمعها لا من قبل ولا من بعد، ولا يمكن أن نغفل التدقيق الجنائي، ورفع السرية المصرفية، والإثراء غير المشروع، ومن أين لك هذا، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ما همّه وفائدته من كلّ هذا الكلام، وهو يزداد فقراً ويجوع ويمرض وعاطل عن العمل، وقد أهدرت كرامته ويذلّ كلّ يوم، وعملته الوطنية باتت بلا قيمة، وقد سرقت أمواله المدّخرة في المصارف، والتلاعب بالدولار يبحث عما بقي لديه من عملة أجنبية في بيته.
الشعب اليوم يصارع لوحده حتى طواحين الهواء، عبثاً يحاول مداواة جراحه وآلامه، والبحث عن لقمة عيشه ودوائه كمن يبحث عن إبرة في «كومة قش» لأنّ الحكومة التي ولدت بعد مخاضات ومعاناة لا تجتمع، واللجان الوزارية البديلة، قد تطفئ محركاتها في أية لحظة، ومجلس النواب يجتمع ويقرّر ولا تنفذ قراراته، كما قال رئيسه نبيه بري، وسبقه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي اعترف أمام الملأ أنّ القضاء ليس بخير.
ويتعجّبون لإقدام البعض، على الهجرة غير الشرعية عبر البحر هرباً من نار بلدهم وحكامهم! يقول مهاجر «غير شرعي»، «أخبروا حكام لبنان، بأن لا أحد يضع أطفاله في قارب موت، إلا إذا كان البحر أكثر اماناً من الوطن».
إنه ينطق بألسنة حال اللبنانيين، لأنها أقلام الحق، رغم مرارة الوسيلة ورفض اللجوء إليها وفاجعيّتها وعدم التشجيع عليها. يقول المثل «من رماك على المرّ، قال الأمر منه».