كيف تكون شرعية السلاح؟!
هكذا تدور الدنيا من حولنا، وتتغير الدنيا من حولنا، وهكذا ندور حول أنفسنا، دون أن يتغير شيء فينا، كما لو أننا وجدنا لنكون الحطب البشري في لحظات التقاطع، التقاطع الدموي، بين الاستراتيجيات المجنونة وبين الايديولوجيات المجنونة.
حتى لو كنا لا نتفق مع كل سياسات حزب الله، ومع كل رجالات حزب الله، وحتى لو كنا على افتراق ثقافي وافتراق تاريخي مع النموذج الايراني، وهذه مسألة طبيعية في اللعبة السياسية، أياً كان شكل هذه اللعبة.
ألا يعني ارغامنا «اسرائيل»، بدماء أبنائنا، لا بالأوراق الديبلوماسية لأصحاب الياقات الفاخرة، على أن تغادر أرضنا تحت جنح الظلام، أكثر من دليل على أن باستطاعتنا أن نجترح المعجزات ليكون لنا دورنا في المنطقة، وفي صناعة مستقبل المنطقة، بدل أن نتوسل نصف التكشيرة، بدلاً من التكشيرة، من هذا البلاط أو من ذاك البلاط؟
الخليجيون أشقاؤنا، سواء اختلفنا في الرؤية أم لم نختلف . ولكن لو كانت عندنا دولة، حتى بالمعايير الكلاسيكية للدولة، هل كان يمكن أن ننتظر ايمانويل ماكرون (الآتي من عالم سايكس ـ بيكو) ليفتح أمامنا كوة، مجرد كوة، في البوابة الملكية الموصدة في وجوهنا؟
ما شاهدناه من أحد شبابيك قصر اليمامة لم يكن بالدخان الأبيض. العبارات الملتبسة، ومن انتظار الاصلاحات، الى حصر السلاح، شروط مستحيلة في الحالة الراهنة. وحيث تعيد الطبقة السياسية انتاج نفسها ان بالتأجيج الطائفي، أو بالرهان على نتائج انتخابات تطبخ وراء أبواب السفارات، أو وراء البحار ووراء الصحارى.
وليذهب الرئيس نجيب ميقاتي الى اقصى حدود التفاؤل، ولنذهب نحن الى اقصى حدود التساؤل. أي اصلاحات، والعهد يلفظ أنفاسه الأخيرة، بعدما وصل رجل «الاصلاح والتغيير» الى القصر بصفقة مع قوى موغلة في نهب المال العام، واذا كانت الحكومات، ككوكتيل عجيب، لا تتشكل الا بتوافق بين من وضعوا عظامنا بالمزاد العلني؟
حصر السلاح في يد الشرعية؟ دعوة منطقية لو كنا في دولة منطقية، ولو كان بيننا رجال دولة يمتلكون الحد الأدنى من منطق رجال الدولة. لكن هل يتذكر الأشقاء أن «الدبابات الاسرائيلية» دخلت الى عاصمة عربية وحيدة هي بيروت، وأن «وزير الدفاع الاسرائيلي» رح يدق، بحذائه، على باب القصر الجمهوري؟
أولئك البرابرة (وأمامنا التراجيديا الفلسطينية اليومية) بقوا على أرضنا لنحو عقدين من الزمن. قتلوا أهلنا، ودمّروا مدننا، وقرانا، وحقولنا. ونكّلوا بكل من قاوم سلام الذئب والحمل، وحيث يفترض بنا أن نكون حملة الأخشاب، وحملة الحجارة، لاعادة بناء الهيكل.
كنقطة أولى، نرفض، بالصوت العالي، أن نكون حالة ايرانية، لأن من قاتلوا قاتلوا من أجل تراب لبنان لا من أجل تراب ايران، ولأن من سقطوا، سقطوا للدفاع عن سيادة لبنان لا للدفاع عن سيادة ايران.
نسأل دعاة نزع سلاح حزب الله، ومقاتلوه ابناء هذه الأرض، لماذا لم يقل أحد بنزع سلاح المخيمات التي هي عبارات عن كانتونات منفصلة، وان كان ارتباطنا بالقضية ارتباط الدم، ما لم تكن هناك نوايا معينة للتفجير، ولاحداث تغيير بنيوي في التركيبة اللبنانية؟
نعم لحصر السلاح في يد الشرعية اذا وضعت خطة مبرمجة زمنياً، لبناء جيش يوازي بالعديد، وبنوعية الأعتدة «الجيش الاسرائيلي»، وبتمويل من الحكومات العربية اياها، ما دامت امكانات دولتنا المنهوبة لا تكفي حتى لتأمين أطباق الحساء لجنودها وضباطها.
للأشقاء العرب، مثلما نقول اننا لن ندخل في صفقة القرن كي لا نكون الدولة ـ الحانة، ولا الدولة ـ القهرمانة، وهم الذين يعلمون، أن أحد أهداف الصفقة اقامة دولة مركبة وتضم اللاجئين والنازحين، نقول اننا لا نأمن لـ «اسرائيل»، وقد فعلت بنا ما فعلت، ولا نثق بمنظومة سياسية ان في أي خطوة اصلاحية لأن في ذلك سقوطها عن المسرح، أو في درء اي خطر يتهددنا.
في كل الأحوال، ومفاوضات فيينا تتعثر، ما علينا سوى أن نتابع ما تقوم به دولة الامارات مع ايران، ومع اطراف أخرى. أشياء كثيرة في الطريق الينا، ونحن ماضون في ذلك الجدل، الميت والمريب، حتى بعد سقوط القسطنطينية وحتى بعد… خراب البصرة!