سقوط قانون «الكابيتال كونترول» في مجلس النواب، اثار «غضب» رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان يرغب في تقديمه «كهدية» لوفد صندوق النقد الدولي الذي يلتقيه اليوم، لكن ما حصل عيّنة جديدة من سوء ادارة البلاد، فبعيدا عن مضمونه، وصوابية اقراره من عدمه، فان الاستمرار في «المراوغة» العقيمة وعدم الوصول الى صيغة جدية تحمي ودائع الناس، وتضبط الانفلات المالي، والتحويلات الاستنسابية، بعد نحو عامين ونصف العام من الانهيار، مؤشر على وجود عملية «غش» مستمرة للرأي العام، عبر ادعاء الحرص على المودعين، والبحث عن الافضل لهم، فيما القانون باي صيغة كانت بات «لزوم ما لايلزم» بعدما هرّب المحظيون اموالهم التي لامست حدود العشرة مليار دولار، وكل «الفلكلور» الجاري راهنا بين الكتل النيابية، والحكومة» مضيعة للوقت والجهد، ومجرد «مسرحية» تستخدم من جهة النواب في الدعاية الانتخابية، فيما يحاول رئيس الحكومة من جهة اخرى ارضاء المؤسسات الدولية.

وبانتظار الجلسة العامة لمجلس النواب اليوم، واذا لم تحصل «معجزة» في اتصالات الساعات المتبقية، ستغيب «التسوية» القضائية – الحكومية في ظل عدم النجاح حتى مساء امس في ايجاد فرصة للتفاهم بين عين التينة وبعبدا، في هذا الوقت بدأ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي «المزهو» بالاتصال الفرنسي – السعودي بعقد جلسات «عصف فكري» بحثا عن خطوات عملية ترضي الجانب السعودي الذي وضع «دفتر شروط» صعب التحقيق بعلم وادراك الجميع، سواء السعوديين الذين واصلوا عبر اعلامهم ضخ السلبيات، او الفرنسيين، حيث انضمت بالامس صحيفة «لوفيغارو» الى قائمة المشككين في نجاح القمة الفرنسية – السعودية في اعادة العلاقات اللبنانية السعودية الى سابق عهدها.

واذا كانت باريس قد رضخت للرؤيا السعودية في البيان المشترك لجهة تبني موقفا متطرفا تجاه حزب الله، فان تسييل هذا الموقف غير متاح في المدى المنظور، وقد وصلت «رسائل» فرنسية «تطمينية» بهذا الخصوص الى من يعنيهم الامر في بيروت. في المقابل سلّم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بوجهة النظر السعودية القائمة على «تحييد» الرئيس ميشال عون وعدم «تعويمه» سياسيا قبل اشهر من نهاية عهده، وهو آثر تاخير الاتصال الهاتفي الذي كان مقررا معه يوم الاحد، في «رسالة» واضحة بانه لم يعد «اولوية» فرنسية، وهو ما ترى فيه مصادر وزارية «دعسة» فرنسية «ناقصة» لانها «تهمش» الموقع المسيحي الاول في الدولة، وتساهم في اضعافه، فالمسألة ليست هوية الشخص الموجود في بعبدا، وانما في الموقع الرئاسي المسيحي الوحيد في الشرق الاوسط، وهو لم يعد في قائمة اهتمام الرئيس الفرنسي الساعي لتعزيز فرصه الانتخابية عبر «مقايضات» وصفقات تجارية تتقدم على ما عداها.

 «ازدواجية» باريس؟

وفيما بدا ان الرياض نجحت في جر باريس الى «ملعبها» عبر تبني موقف متطرف من حزب الله في البيان المشترك الذي تلا القمة، الا ان باريس حرصت بعد ساعات على انتهاء زيارة الرئيس الفرنسي الى السعودية، على ارسال «رسائل» تطمينية الى حزب الله، عبر القنوات المعتادة، للتاكيد ان الموقف الفرنسي لا يزال على حاله في مقاربة الملف اللبناني، ولا توجد اي رغبة في تأزيم العلاقات مع الحزب.

ووفقا لمصادر مطلعة، فان الفرنسيين يمارسون «ازدواجية» دبلوماسية لا تليق بموقع فرنسا كدولة محورية في المنطقة، والموافقة على بيان كتبه السعوديون دون مراعاة «الحياد» الفرنسي على الساحة اللبنانية، يمثل انتهازية مكشوفة لن تعزز الموقع الفرنسي بل ستضعفه، بعدما باتت السياسة الفرنسية الخارجية اسيرة المعركة الانتخابية الرئاسية، وهذا يعني حكما ان الدبلوماسية الفرنسية ستكون «مشلولة» في الفترة المقبلة، ولا يمكن لاي مسؤول لبناني التعويل عليها لتحقيق مكاسب شخصية او عامة!

«تهميش» فرنسي «للرئاسة»!

وفي هذا السياق، تتوقف مصادر وزارية امام»الفول» الكبير الذي ارتكبه الرئيس الفرنسي من خلال قبوله بتهميش السعوديين للرئيس ميشال عون، واشارت الى انه وجه «ضربة قاسية» للمركز المسيحي الاول في الشرق، ولم يلتفت الى ان الموضوع لا علاقة له بشخص الرئيس وانما بالموقع الذي طالما رغب السعوديين بان يكون اما مستتبعا، او مهمشا اذا ما عارض سياساتهم، وهم سبق وضغطوا في الطائف لتقليص صلاحياته.

«ازدواجية» في بعبدا ايضا…!

وفيما اطلع ميقاتي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على تفاصيل الاتصال الذي تلقاه يوم السبت الماضي من الرئيس ماكرون وبن سلمان خلال اجتماعهما في جدة والنقاط التي تم البحث فيها، اثار تأجيل الاتصال المفترض من قبل ماكرون يوم الاحد بالرئيس عون، «استياء» بعبدا، وعلى الرغم من محاولة مصادر القصر الجمهوري تعميم اجواء «تبريرية» لتاجيل الاتصال وربطه بعدم انتهاء الرئاسة الفرنسية من بلورة «خارطة طريق» سبق وتحدث عنها ماكرون، الا ان زوار الرئيس اشاروا الى وجود ملامح «انزعاج» لدى عون من الموقف الفرنسي غير «المنسق» مع الحد الادنى من اللياقات الدبلوماسية والشخصية، خصوصا ان ما جرى تسريبه من معلومات على هامش القمة السعودية – الفرنسية يشير صراحة الى ان الرياض لا ترغب في اي انفتاح على الرئيس عون وترغب في «تحييده» حتى تنتهي ولايته الرئاسية، وهو ما يبدو ان الفرنسيين وافقوا عليه دون «تردد».

عدم الافراط بالتفاؤل

في هذا الوقت، نصحت مصادر سياسية بارزة الى عدم الافراط في التفاؤل، فحتى الان لم تظهر الرياض رغبتها بالاقدام على اي خطوة ايجابية تجاه لبنان، وحدود اي انفتاح سيكون محدودا ولن يتم عبر الجهات الرسمية، اما اذا كان السعوديون ينتظرون التزام الحكومة اللبنانية «بحصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية وتطبيق القرارات 1559 و1680 و1701، فهم سينتظرون طويلا، لان تحقيق هذه «الشروط» صعب التحقيق، ولا قدرة لاحد في الداخل والخارج على فرضه.

 حزب الله : لا نوايا صادقة

وفي هذا السياق، اكد حزب الله ان البيان الفرنسي – السعودي لا يشتم منه نوايا صادقة لحل الأزمة مع لبنان، وبحسب النائب انور جمعة تمت التضحية بالوزير جورج قرداحي لارضاء الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون الذي أتم صفقات على حساب لبنان وحساب احترام  العاملين في المملكة وأستعمالهم سيفا مصلتا فوق رؤوس اللبنانيين، ما بدا واضحا ان المطلوب تركيع لبنان وشعبه الرافض عبر التاريخ للاستسلام والذل».

 لوفيغارو «تشكك»

وفي السياق نفسه، وتحت عنوان: «فرنسا والسعودية إلى جانب لبنان»، شككت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية ان يكون ماكرون نجح في إقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالعودة لمساعدة لبنان الذي لا يتوقف عن الغرق؟ حسب تعبيرها، ونقلت عن مسؤول لبناني خشيته أن تكون المساعدة السعودية إنسانية فقط. وهذا لن يسمح ذلك بمعالجة الجذور السياسية للأزمة اللبنانية. وبعدما اكدت الصحيفة رفض السعودية مقترحاً فرنسياً بدعوة رئيس الوزراء ميقاتي إلى لقاء ثلاثي مع ماكرون وبن سلمان. شككت بنجاح المبادرة الفرنسية بدفع الرياض للمضي قدما نحو تسوية الأزمة مع لبنان، وقالت «ان السعودية الداعم التاريخي للطائفة السنية، التي يعود إليها منصب رئيس الوزراء في لبنان، تكرر منذ أكثر من عام أنها لم تعد تريد المساعدة سياسياً ومالياً لبلد يسيطر عليه حزب الله الشيعي. ؟! لكن هذا الإنجاز الخجول، بحسب «لوفيغارو»  سمح لإيمانويل ماكرون باسكات المنتقدين بشأن لقائه بمحمد بن سلمان، الذي بحسب وكالة المخابرات المركزية، «صادق» على اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في 2018.

  «الشروط» السعودية ؟

في هذا الوقت، اكدت مصادر دبلوماسية ان السعوديين يصرون على ان «الكرة» في «الملعب» اللبناني الذي عليه الاستفادة من «النافذة» التي فتحت لاستعادة ثقة دول الخليج، وذلك عبر التزام عملي بسياسة النأي بالنفس، وعدم التدخل في النزاعات الدائرة في المنطقة. اما الرئيس ميقاتي فلن تفتح له «الابواب» السعودية» الا اذا التزم بتعهداته «فعلا» لا «قولا» من خلال اثبات ان حكومته لا يديرها حزب الله، وعليه تطبيق «خارطة الطريق» التي تبلورت في البيان السعودي- الفرنسي المشترك، ووضع آلية عمل واضحة لتطبيقها، وعدا ذلك لن يكون مقبولا من السعودية.

«حساسية» ميقاتي !

في المقابل، بات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اكثر «حساسية» تجاه اي خطوة يرى فيها عرقلة للعمل الحكومي، وبات يعتبر الامر شخصيا، لانه يرى فيها حرمانه من استثمارالاتصال الذي تلقاه من الرئيس ماكرون والأمير محمد بن سلمان، وهو يتحدث عن ضرورة تأمين شبكة أمان سياسية للاستفادة من الفرصة المواتية لتصحيح العلاقات، وهو اقترح على الفرنسيين ابلاغ السعوديين بانشاء لجنة مشتركة لمتابعة البحث في تطبيع العلاقات، لكن لا رد سعودي حتى يوم امس.

«تسوية» حكومية وشيكة؟

في هذا الوقت، يستعجل ميقاتي ايجاد المخارج المناسبة لوقف تعطيل جلسات مجلس الوزراء، ومع عدم وجود اي تحركات جدية لمعالجة الأسباب التي كانت وراء مقاطعة وزراء «الثنائي الشيعي»، روجت مصادر رئيس الحكومة بالامس اجواء ايجابية تتحدث عن تسوية «وشيكة» تسمح بعودة الحكومة للاجتماع من جديد؟!

خيارات حاسمة

ووفقا لتلك الاوساط، ينصرف ميقاتي الآن الى تجهيز الملفات وتحضيرها خصوصا المتعلق منها بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي تستوجب أنعقاد مجلس الوزراء لاقرار خطة التعافي التي سيتم التفاوض على اساسها مع الصندوق وليضع عندها الجميع امام مسؤولياتهم ويحدد موقفه وخياره من الاستمرار في المهام الصعبة الملقاة على كاهله والقدرة على تحقيق مصلحة الوطن والمواطنين ومن الانسحاب وترك الامور لسواه من الطامحين والمعرقلين.؟!

«لهجة حادة»

وفي هذا السياق، ترأس ميقاتي اجتماعا موسعا ضم وزراء الدفاع العميد موريس سليم، الداخلية بسام مولوي، الخارجية عبدالله بو حبيب، الزراعة عباس الحاج حسن والصناعة جورج بوشكيان، المدير العام للجمارك ريمون خوري، الهيئات الاقتصادية برئاسة محمد شقير، وإتحاد مجالس رجال الأعمال اللبنانية – الخليجية. وقد خرج رئيس الحكومة عن «طوره» في اللقاء وقال بلهجة «حادة» ان السعودية ودول الخليج ضاقت ذرعاً من قول الشعارات وعدم التنفيذ.!

 «سقوط» الكابيتال كونترول

في هذا الوقت، لم يمر قانون «الكابيتال كونترول» في الجلسة المشتركة للجنتَي المال والموازنة والإدارة والعدل في مجلس النواب، هذا القانون الذي بات «لزوم ما لايلزم» الان، بعدما تم تهريب المليارات الى خارج البلاد بعد حصول الانهيار، سيخضع للمزيد من عمليات الاخذ والرد، وسيكون مادة للمزايدات مع اقتراب الانتخابات من خلال ادعاء حرص الكتل النيابية على اموال المودعين، ولهذا اصطفت الكتل النيابية «صفا» واحدا لرفضه بالامس، بعدما جرى استعراض الكثير من الملاحظات الجوهرية عليه. هذا السيناريو اثار «غضب» رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي اعتبرت مصادره ان ما جرى خيانة من قبل شركاء الحكومة، «ومزايدات» انتخابية اضاعت فرصة تمرير القانون، ولا يمت بصلة الى حماية المودعين، ويضرب الثقة بالحكومة بعدما تعهد شخصيا بتمريره امام ممثلي صندوق النقد الدولي. وفي هذا السياق، يبدو رئيس الحكومة «مستاء» من شركائه في الحكومة، تيار المستقبل، وحركة امل، وحزب الله، الذين رضخوا برايه «للشعبوية».

«ثغرات» في القانون

وفيما اكد رئيس مجلس النواب ان الاولوية لحقوق المودعين، اكدت مصادر نيابية، ان النسخة التي «هندسها» مستشار رئيس الحكومة النائب نقولا نحاس، لا يمكن ان تمر، وتحتاج الى تعديلات كبيرة، وثمة ملاحظات كثيرة ومنها حصر السحوبات بالليرة، وكذلك المادة الثامنة التي «يشتم» منها محاولة حماية المصارف من الدعاوى المحلية والخارجية المرفوعة ضدّها من المودعين. وكذلك إضافة وزارة المال كشريك في الصلاحيات الاستنسابية المعطاة لمصرف لبنان في كل ما يتعلق بتطبيق المشروع، في المقابل لا تتضمن تعديلات في موجبات المشروع المتصلة بإبراز موافقة صندوق النقد عليها. ومن غير الواضح إذا كانت حسابات المصارف وودائعها لدى مصرف لبنان مشمولة بهذا القانون، حيث يفترض أن تحظر تحاويل الحسابات والتحاويل إلى الخارج وسحوبات الأوراق المالية، ويحصر القانون صلاحية وضع الشروط والحدود على سحوبات الليرة اللبنانية بقرار من المجلس المركزي في مصرف لبنان بموافقة وزير المالية، بينما يفترض أن تحدد الشروط والحدود المذكورة بموجب مرسوم في مجلس الوزراء كونها تتعلق بحقوق أساسية للعملاء وتمسّ بمدخراتهم، ونظراً إلى الخلل الجسيم في أداء المصرف المركزي.

لماذا تستعجل الحكومة؟

وفيما يستعجل فريق العمل الحكومي الذي عمل على اقتراح القانون بصيغته الحالية، لارضاء صندوق النقد الذي يصل وفده الى بيروت اليوم، ولوجود معلومات عن صدور أحكام بحق مصارف لبنانية أمام محاكم أوروبية خلال الأسبوعين المقبلين، رفض رئيس لجنة المال النائب ابراهيم كنعان الاستعجال في تمرير القانون وقال بعد الجلسة «إنّ القانون استجدّ من خارج السياق النيابي والنظامي، والذي كاد يكرّس الاستنسابية من جديد على حساب حقوق المودعين»، ودعا مصرف لبنان والحكومة أن يلتزما بإحالة القانون إلى المجلس النيابي ضمن خطة واضحة.

المجلس الدستوري

على صعيد آخر، عقد المجلس الدستوري جلسته المفتوحة مكتملة النصاب في مقر المجلس الدستوري امس، للبحث في ما توصل له المقرر في الطعن المقدم من «التيار الوطني الحر» حول التعديلات على قانون الانتخابات. وحدّد الخميس المقبل موعدًا لمتابعة درس تقرير المقرّر.