من البداية الى النهاية. قصة جورج قرداحي مسرحية ساذجة، ثقيلة الظل، ومصطنعة. لا علاقة لها البتة بجوهر الموقف من لبنان. المشكلة في مكان آخر، على أرض أخرى…

اذا كنتم تتذكرون كيف (ولماذا) أعتقل، وكيف (ولماذا) ضرب، وكيف (ولماذا) فرض على رئيس حكومتنا أن يظهر على الشاشة، والعصا فوق رأسه، ليعلن من هناك تنحيه عن منصبه.

هل من أحد من رفاق سعد الحريري، هؤلاء الذين يصدحون بالسيادة، وبالكرامة، على مدار الساعة، رفع الصوت اعتراضاً ؟ وهل تجرأ وزير الخارجية أن يستدعي السفير الملكي لا للاحتجاج، وانما فقط للسؤال عن صحة مسعود قحطاني، الذراع الخشبية للبلاط؟

تلك الأصوات (هذه المرة… أوركسترا الضفادع) التي ضجت بها الشاشات، معتبرة أن استقالة وزير الاعلام اهانة، وانتهاك، للسيادة. متى كان هناك ذلك الشيء العجيب الذي يدعى سيادة لبنان؟

اذا كان رئيس الجمهورية يهبط علينا من المدخنة معلباً من خارج الحدود. واذا كان رئيس الحكومة مرغماً على وصف دولة بعينها (مرجعية بعينها) بـ «قبلتي السياسية وقبلتي الدينية». واذا كان عليّة القوم يظهرون بالطابور أمام مكتب رستم غزالي، لتقبيل يديه، وربما قدميه، وهو الضابط الغبي، والفارغ، والذي لا يصلح أن يكون مجرد أونباشي في الفيلق العثماني.

في كل الأحوال، لماذا يتهرب جورج قرداحي من الكلام الذي نطق به. ليس لأنه وصف الحرب في اليمن بـ «الحرب العبثية»، وانما لأن المذيع، المبرمج ميكانيكياً، تمكن من استدراجه الى عبارة «العدوان السعودي»، مع أنه الآتي من شاشات السعودية، ومن خيرات، السعودية.

واذا كان يمتلك الحنكة اللغوية في برامج الترفيه، بدا بعيداً عن الحنكة اللغوية أمام السؤال المتدحرج للمذيع الذي أقرب ما يكون الى الرسوم المتحركة.

على كل لم يخرج الرجل من حكومة. أي حكومة لا تلتئم، أو ممنوع عليها أن تلتئم؟ بطة عرجاء للوقت الضائع، ودون أي خطوة للحد من المصائب التي يرزح تحتها اللبنانيون، وبعدما بات واضحاً أن المطلوب تنحي رئيس الحكومة (ومعه الحكومة) لا استقالة وزير يشغل حقيبة فولكلورية بما تعنيه الكلمة. هكذا أمر الباب العالي. تفجير الأزمة لا ادارة الأزمة.

لا ريب أن التشكيلة الحالية مثلما تضم وزراء على شاكلة تماثيل الملح، تضم وزراء من النوع الممتاز. لفتنا أحد الوزراء، الآتي من خلفية أكاديمية، وعملية، واخلاقية، عالية. حين اقتحم المحتجون وزارته، ولطالما كانت مغارة علي بابا، لاحظنا كيف بدا واحداً من الذين يرفعون الصوت في وجه تلك الطبقة السياسية التي لا يمكن أن يوجد نظير لها في صناعة الفساد وفي نهب المال العام.

الوزير علي حمية الذي تعهد باقفال كل أبواب المغارة، وان كانت قد خلت من الحجارة. هو الذي يعلم أن بعض الذين تعاقبوا، من الأزلام، على شغل الوزارة، كانوا بمثابة «الظواهر المغولية»، كما وصف خبير في البنك الدولي غالبية أركان المنظومة السياسية.

نقول لوزير الأشغال العامة والنقل ان زوجة أحد الوزراء الذي دخل حافي القدمين الى الوزارة، تفاخر بأن عدد الأحذية، والحقائب النسائية، التي أتت بها من باريس، وروما، ولوس انجلس، تفوق عدد أحذية (2700 ) وحقائب (1000 ) ايميلدا ماركوس التي خلفت زوجها الديكتاتور في حكم الفيليبين. آنذاك تحدثت احدى المنظمات الدولية عن الفيليبيين الذين يأكلون الطحالب…

لقد مللنا الألواح الخشبية، الدمى الخشبية، في حكومات الوحدة الوطنية (اللوياجيرغا الأفغانية). وزير للثقافة حين ذكر أمامه كتاب «كليلة ودمنة» ظن أنه عنوان مسرحية لعادل امام وسهير البابلي. وزير للخارجية سألناه كيف لم يتنبه الى أن خارطة انتشار القوات الدولية في مرتفعات الجولان السورية (الأندوف)، لحظت مزارع شبعا جزءاً من تلك المرتفعات. تذرع، بكل تلك الضحالة، بأن الخارطة كانت صغيرة جداً.

حكومة ضائعة… جمهورية ضائعة. عيون ملوك الطوائف على الرجل المقبل للقصر، وعلى المقاعد في ساحة النجمة، لا على الرعايا الذين لسوف يسوقهم صندوق النقد الدولي من ليل الصفيح الى ليل الجلجلة.