هيستيريا أبوكاليبتية في «اسرائيل»
ما السبب الذي جعل «الهيستيريا الاسرائيلية» تصل الى حد قرع طبول الحرب، وبين لحظة وأخرى، دون أن نشهد مثيلاً لهذه الاستعراضات البهلوانية على مدى العقود السبعة المنصرمة؟ استطراداً، ألا تظهر كمية الخوف التي انعكست في المواقف، وفي الاستعدادات، أن تلك الأرمادا التوراتية هي، فعلاً، أوهن من بيت العنكبوت؟
ذروة الهيستيريا. أيضاً ذروة الارتباك. حكومة نفتالي بينيت في حيرة قاتلة. اذا أفضت مفاوضات فيينا للعودة الى الاتفاق النووي، بالتالي رفع العقوبات، وتطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران، القيادة الايرانية لن تكتفي بتكثيف أنشطتها الجيوسياسية، لا بد أن تمضي في تطوير امكاناتها التكنولوجية، خصوصاً ترسانتها الباليستية التي يمكن أن تحدث تغييراً زلزالياً في معادلات القوة.
واذا فشلت المفاوضات، القنبلة ستكون بين أيدي آيات الله، لتتشكل خارطة استراتيجية جديدة في المنطقة، وتتحول «الترسانة النووية الاسرائيلية» التي طالما استخدمت كما رقصة الأشباح، أو كما رقصة الأفاعي، لترويع الآخرين، الى خردة غير صالحة للاستخدام.
الذي زاد في الايقاع الهيستيري اياه ما تردد، على هامش جلسات التفاوض في فيينا، من أن ادارة بايدن التي تحاصرها الأزمات من كل حدب وصوب، لجأت الى التصعيد في الملف الأوكراني، لتغطية تنازلات حساسة أمام الوفد الايراني.
هذا بالرغم من أن التعليقات الأميركية بدت «حامية الوطيس»، واستذكرت وقائع الأيام الهائلة عام 1962 بين واشنطن وموسكو بسبب نصب صواريخ نووية في كوبا، وعقب فضيحة خليج الخنازير.
كان لافتاً تركيز التعليقات «الاسرائيلية» على البعد التكتيكي في التصعيد الذي، في نظرها، اما أن ينتهي بصفقة ثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا، أو بمؤتمر على شاكلة مؤتمر هلسنكي، عام 1975، والذي كان القصد من انعقاده بلورة «الآليات الفلسفية» للمساكنة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي.
توماس فريدمان أشار، في مقالة أخيرة له في «النيويورك تايمز»، الى أن واشنطن زودت «اسرائيل» بقنبلة «جي. بي. يو ـ 34 « التي تصنعها شركة بوينغ، والتي يتجاوز وزنها الـ13 طناً. أم القنابل التي أختبر نموذج أقل وزناً منها في أحد أودية أفغانستان اخترقت الصخور على عمق مئات الأمتار.
اذا كان امتلاك «اسرائيل» للقنبلة صحيحاً، وهو ما لم يؤكده أي مسؤول أميركي، هل تتصور حكومة بينيت أن القاءها على أي منشأة نووية ايرانية لن يفجر، في الحال، حرباً يرى خبراء دوليون أنها لا بد أن تحدث فوضى أبوكاليبتية في «اسرائيل» التي اذا ما انهالت عليها آلاف الصواريخ، وبقدرات تفجيرية هائلة، لا بد أن تفقد السيطرة على أراضيها.
هذا يعني أن حزب الله، وبمؤازرة مئات المسيّرات التي تربك «الطيران الاسرائيلي»، يمكن أن يجتاح منطقة الجليل، وأن يصل الجيش السوري الى جسر بنات يعقوب، وربما الى ما هو أبعد من ذلك، في حين أن مقاتلي «حماس» قد يجدون الطريق أمامهم مفتوحة الى المدن، والقرى، القريبة من القطاع.
هذه ليست، قطعاً، بالتصورات الخيالية اذا لم تشارك الولايات المتحدة في الحرب. مساحة «اسرائيل» ضئيلة جداً، كما أن التضاريس الطبيعية فيها محدودة اذا ما قورنت بمساحة، وبتضاريس، ايران (22145 كيلومتراً مربعاً مقابل 1648000 كيلومتر مربع).
كيف سيكون عليه المشهد اذا ما تعرضت تلك المساحة الضيقة لسقوط عشرة آلاف صاروخ فقط في يوم واحد. على أن تستهدف، بالدرجة الأولى، المقار الحكومية، والقواعد الجوية، ومحطات الكهرباء والماء؟ العمى الكامل، بطبيعة الحال، وان كان معلوماً أن مئات آلاف الصواريخ جاهزة للاطلاق في غضون أيام.
الأميركيون ضد هذه الحرب. هم الخائفون عل قواعدهم العسكرية، كما على مصالحهم الاقتصادية. بالتالي لا هيروشيما أخرى. ريتشارد هاس لا يتوقع «تلك الجهنم في الشرق الأوسط» !!