أميركا في مفاوضات فيينا: جزَرٌ بائِت… وعِصيّ ليّنة!
الأخبار- نادين شلق
في الواقع، ليس من الممكن، الآن، معرفة مآل المفاوضات التي بدأت قبل أيام فقط، بعد توقّف دام ستة أشهر، ولكنّ الركون إلى الأفكار المطروحة، إن كان نقلاً عن مصادر رسمية أو عن خبراء، ليس من شأنه المساهمة في تذليل أيّ عقبات، ولا سيّما أنّ جلّ ما تتمحور حوله تلك الأفكار هو الخطّة «ب» مع ما تحمله من تهديدات، في الوقت الذي لا يزال فيه الطرف الأميركي رافضاً لمطالب إيران برفع العقوبات، والالتزام بعدم خروج واشنطن، مرّة أخرى، من الاتفاق النووي. مطالبُ قد تُعتبر بديهية بالنسبة إلى الجانب الإيراني، بناءً على التجربة السابقة مع الرئيس دونالد ترامب، ولكنّها تزيد من تخبّط إدارة بايدن، التي تسعى إلى التخفيف من حدّة الانتقادات التي تطاولها في الداخل، ومنح الطمأنينة لحلفائها في الخارج. ويبدو أنّ تحرّكات مسؤوليها وزياراتهم للمنطقة أخيراً، لم تتمكّن من تحقيق الهدف الثاني، على الأقلّ، وفقاً لما أفادت به وسائل الإعلام، وآخرها موقع «أكسيوس»، نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين. فبحسب ما ذهب إليه الموقع، ناقش العديد من المشاركين العرب والإسرائيليين، في حوار المنامة، التصوّر القائل بأن الولايات المتحدة تغادر المنطقة، ولا تملك القوة الكافية لردع إيران. ولم يفلح تأكيد واشنطن استعدادها لاستخدام وسائل أخرى، إذا فشلت الدبلوماسية مع طهران، في تبديد هواجسهم.
مع الوقت، تخطّى الأمر مجرّد التشكيك والهواجس، ليصل إلى مستوى جديدٍ من الذعر، تبلور في ما أفاد به «أكسيوس» أيضاً، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، قالوا إن «إسرائيل تبادلت معلومات استخبارية، على مدار الأسبوعين الماضيين، مع الولايات المتحدة والعديد من الحلفاء الأوروبيين، تشير إلى أن إيران تتّخذ خطوات فنّية للتحضير لتخصيب اليورانيوم، حتى درجة نقاء 90%». وفيما اعترف الموقع بأنّ «التخصيب وحده لن ينتج قنبلة»، على اعتبار أن «التقديرات تختلف بشأن المدّة التي ستستغرقها إيران لإتقان المتطلّبات التكنولوجية الإضافية»، فقد نقل عن مصادر الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، تحديدها الجدول الزمني المطلوب لذلك بعام إلى عامين.
إذاً، حتّى الآن، يبقى العنصر الوحيد الواضح في هذه المعادلة، هو كمّ التهويل الذي تسوقه إسرائيل، وبعض الأطراف الأميركية، في انتظار ما ستتمخّض عنه المفاوضات الجارية في فيينا. وهو المسار ذاته، الذي كان قد اتّبعه رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق بنيامين نتيناهو، توازياً مع المفاوضات التي أدّت إلى الاتفاق النووي، عام 2015. وقد دفعت هذه التطوّرات بعض المسؤولين الأميركيين السابقين إلى التحذير، من أنه في حال فشلت المفاوضات في فيينا، فقد يُشبه الوضع، قريباً، المواجهة المتوتّرة بين الولايات المتحدة وإيران، قبل الاتفاقية النووية لعام 2015، «عندما فكّرت إسرائيل بجدّية في توجيه ضربة عسكرية لمنشآت إيران النووية، وفرضت واشنطن وأوروبا عقوبات صارمة على طهران».
هؤلاء لم يغب عن ذهنهم أن عوامل عديدة قد لا تكون في مصلحة الولايات المتحدة في المفاوضات الحالية، وهي أن البرنامج النووي الإيراني أكثر تقدّماً بكثير ممّا كان عليه قبل 10 سنوات، ما يمنح واشنطن مجالاً أضيق لنزع فتيل الأزمة. وأكثر من ذلك، يتمتّع الحلفاء الأميركيون والأوروبيون بقدرة تفاوضية أقل ممّا كان لديهم خلال عهد إدارة باراك أوباما، عندما وفّرت إمكانية رفع العقوبات حافزاً جذّاباً لإيران، وعندما منح الخوف من المزيد من العقوبات الدبلوماسيين الغربيين نفوذاً قيّماً. ويتوازى كلّ ما تقدّم، مع واقع أن اتفاق عام 2015، فشل في توفير الدعم الاقتصادي الذي كانت تأمل فيه إيران، بينما يحمل التهديد بفرض مزيد من العقوبات وزناً أقلّ، حيث تعتقد القيادة الإيرانية الحالية أن البلاد صمدت أمام أسوأ ما يمكن للولايات المتحدة حشده.
بناءً عليه، تناقش الولايات المتحدة وحلفاؤها قائمة خيارات «الخطّة ب»، إذا انهارت المفاوضات. ووفقاً لما تنقله شبكة «إن بي سي نيوز» عن دبلوماسيين أوروبيين ومسؤولين وخبراء أميركيين سابقين، فإن الخيارات الممكنة تشمل:
– إقناع الصين بوقف واردات النفط من إيران.
– تشديد العقوبات، بما في ذلك استهداف مبيعات النفط للصين.
– السعي لإبرام اتفاق نووي مؤقّت أقلّ طموحاً.
– شنّ عمليات سرّية لتخريب برنامج إيران النووي.
– الأمر بضربات عسكرية ضدّ المنشآت النووية الإيرانية، أو دعم العمل العسكري الإسرائيلي. وهو ما حذّر منه مسؤولون أوروبيون وأميركيون، على اعتبار أنه قد يفتح الباب أمام مواجهة شاملة، وردّ إيراني.
في المحصّلة، «الجزَر لدينا أقلّ طعماً، وعِصيّنا أقلّ حدّة هذه المرّة»، على ما يقول مسؤول أميركي سابق، مطّلع على المناقشات الدبلوماسية، لـ«إن بي سي نيوز». تصريحٌ قابله آخر صادرٌ عن دبلوماسي أجنبي في الشرق الأوسط، أكّد فيه أنه لا يتوقّع أن تُسفر المناقشات في فيينا عن الكثير، مطالباً بـ«سببٍ واحدٍ وجيهٍ وراء رغبة إيران في العودة إلى الاتفاق».