طهران | استؤنفت، أخيراً، المحادثات النووية الإيرانية في فيينا، بعد انقطاع دام أكثر من خمسة أشهر. وعلى نقيض الكثير من التوقّعات التي اتّسمت بالتشاؤم، فإن انطلاقة الجولة السابعة بدت هادئة، ومُظلَّلةً بمواقف متفائلة، مشوبةٍ في الوقت نفسه بنوعٍ من الحذر. هذا على الأقلّ ما أوحت به تصريحات المنسّقة الأوروبية لمفاوضات فيينا إنريكي مورا، وكبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري، في ختام الجلسة الأولى، إذ تحدّثت مورا عن «حرص إيراني جادّ» على إحراز تقدّم، بينما أكد باقري وجود «اتفاق في وجهات النظر» على اعتبار مسألة رفع العقوبات الأميركية أولوية على جدول أعمال المحادثات، معبّراً عن تفاؤله في الوصول إلى نتيجة. وأفضى اجتماعُ ليل الإثنين – الثلاثاء للجنة إحياء «خطّة العمل المشتركة الشاملة» التي يرأسها كلّ من مورا وباقري، إلى تشكيل مجموعتَي عمل: إحداهما حول «رفع العقوبات»، والأخرى حول «الإجراءات النووية».
وعلى الرغم من أن هذا التفاؤل في أعقاب أشهر سادها التوتّر والتراشق الكلامي، يُعدّ تطوّراً ذا أهمّية، إلا أنه لا يعني أن الطريق إلى الاتفاق بات ممهّداً وسالكاً، إذ إن أطراف التفاوض لم تدخل بعد في التفاصيل، حيث تبدو الفجوة كبيرة إلى حدّ يُصعّب التوصّل إلى اتفاق نهائي بشكل سريع. وتطالب إيران برفع جميع العقوبات التي فرضتها عليها الولايات المتحدة في أعقاب انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، من الخطّة (أكانت نووية أم غيرها)، فيما تقول واشنطن إنها جاهزة لرفع العقوبات التي تتعارض مع اتفاق 2015، فحسب. أيضاً، تشدّد إيران على رفضها تخطّي الملفّ النووي في المحادثات، في حين يتحدّث الأميركيون عن «اتفاق أشمل» يغطّي القضايا الأخرى، بما فيها الصاروخية والمتعلّقة بالطائرات المسيّرة. كذلك، تطالب طهران بآلية للتحقّق من رفع العقوبات، وضمانات بألّا تنسحب واشنطن مجدّداً من الاتفاق، وهو ما لا يبدو متوفّراً إلى الآن. لكنّ الطرفين سيظلّان يسعيان، بأدواتهما المتاحة، إلى انتزاع المزيد من التنازلات، في مقابل إعطاء الحدّ الأدنى منها. وفي هذا الإطار، تتمثّل الأداة الأهمّ بيد إيران في الاقتراب من مرحلة «الطرد النووي»، بينما تتسلّح أميركا وحلفاؤها بمواصلة العقوبات والتهديد بالمزيد من الضغوط، بما يشمل التلويح بالخيار العسكري.

لا رهانات إيرانية كبرى
خلّفت انطلاقة محادثات فيينا ردود فعل متباينة في الداخل الإيراني، حيث برز بعض التفاؤل بإمكانية إحياء الاتفاق النووي، في مقابل الحديث عن صعوبة الظروف التي تُستأنف فيها المحادثات، ووجود خلافات عميقة بين أطرافها، مع التأكيد أن «اليد الإيرانية هي العليا» على طاولة التفاوض. وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة «إيران»، في تقرير بعنوان «التصميم الإيراني والتسويف الغربي»، إلى أن «طهران اتّخذت قرارها الحاسم بالخروج من المحادثات بالنتيجة المرجوّة، لكن على الجانب الآخر، ثمّة نهج متناقض تتبعه الدول الغربية… يتمّ على أساسه الزعم بالجهوزية للعودة إلى الاتفاق، فيما يستمرّ إيقاع العقوبات على إيران، والتواطؤ مع أعدائها بِمَن فيهم الكيان الصهيوني، واتّهامها بالعمل على إطالة أمد المحادثات». وأضافت الصحيفة أن «طهران لا تطيق هذه المرّة التسامح والتساهل، وقد دخلت ميدان المحادثات مع القوى الكبرى بأيدٍ ملأى».

وفي السياق نفسه، كتبت صحيفة «كيهان»، القريبة من مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، أن «الجمهورية الإسلامية تملك في هذه الحقبة من حياتها وفي عهد الحكومة الثالثة عشرة، اليد العليا، ولن تتراجع على طاولة المفاوضات عن مواقفها المبدئية التي أكّدها القائمون الجدد على الجهاز الدبلوماسي: رفع جميع العقوبات، والتحقّق من ذلك، وتقديم الضمانات». من جهتها، أشارت صحيفة «وطن امروز» إلى التوقيع على اتفاقية مقايضة الغاز بين إيران وتركمانستان وآذربيجان، قبل يوم واحد من انطلاق الجولة السابعة، عادّةً ذلك مؤشّراً إلى «القبضة المملوءة لإيران في المحادثات». وقالت إن «التوقيع على اتفاقية ثلاثية لنقل الغاز مع دول الجوار، كنموذج موفّق للإفادة القصوى من طاقات المنطقة وتوسيع سلّة الدبلوماسية، يمكن أن يسهم في تطوير أسلوب السياسة الخارجية للبلاد». وتابعت أن «إيران لا تبحث عن الحصول على نتيجة سريعة في المحادثات، وفي الحقيقة فإن تبعية البلاد للمفاوضات آخذة بالانحسار، وهذا يؤدي إلى أن تكون يد إيران هي الطولى».
أمّا صحيفة «شرق» الإصلاحية والناقدة للحكومة، فاعتبرت التطوّرات الجارية في فيينا انعكاساً لتَغيّر رؤية إدارة رئيسي، إذ إنه بعد «النزعة الهجومية لرجال الإدارة الجديدة تجاه الاتفاق النووي، ومواقفهم الناقدة لستّ جولات من محادثات فيينا، تَغيّر اتجاه البوصلة بشكل محسوس صوب التوصّل إلى اتفاق». وهو ما عزته الصحيفة، قبل كلّ شيء، إلى إدراك «الحاجة الماسّة» للخروج من الظروف الحالية. واعتبرت «شرق» أن على إيران الدخول في حوار مباشر مع أميركا، قائلةً: «إن كان مقرّراً أن تتمثّل حصيلة المحادثات في رفع العقوبات، فإن عدم حضور العامل الرئيس خلف العقوبات (أميركا) على طاولة المفاوضات، لا يتناغم مع هذه الاستراتيجية والمحادثات الرامية إلى تحقيق النتيجة والاتفاق الجيّد الذي تحدّث عنه وزير الخارجية، لا بل إن ذلك بحاجة إلى مراجعة».