″المستقبل″ و″القوات″: تناقضٌ مع الذّات والواقع…
سفير الشمال-عبد الكافي الصمد
بيانان صدرا أمس عن المكتب التربوي في تيّار المستقبل ومصلحة الصيادلة في حزب القوّات اللبنانية كانا لافتين في الشّكل والمضمون، وما احتوياه من مفردات ومواقف لم يعتد عليها جمهور التيّار والقوات سويّاً، ولا جمهور الحلفاء والخصوم، ولا حتى من يعتبرون أنفسهم محايدين، ما طرح تساؤلات حول أسباب صدور البيانين، وهل يعبّران فعلياً عن تغيير حصل لديهما بخصوص النّظر إلى القضايا والملفات المختلفة، أم أن الأمر لا يعدو كونهما مجرد موقفين عابرين.
في البيان الصّادر عن المكتب التربوي في التيّار الأزرق دعوة وُجّهت إلى “جميع الروابط والهيئات النّقابية التربوية والإدارية إلى إعلان الإضراب العام الشّامل وتصعيد التحرّكات وصولاً إلى الإضراب المفتوح حتى تحقيق المطالب”.
للوهلة الأولى يظنّ المرء أنّ تيّار المستقبل ليس مشاركاً في الحكومة الحالية، سواء عبر تسمية رئيسها أو عبر وزراء محسوبين عليه قلباً وقالباً، أو أنّه لم يطأ يوماً كرسي السلطة، وأنّه منذ نشأته كان وما يزال تيًارا معارضاً، ومدافعاً شرساً عن حقوق النّاس والموظفين والعمّال … والفقراء.
ومن يقرأ بيان المكتب التربوي في تيّار المستقبل يتخيّل، من خلال أدبياته ومفرادته، أنّ التيّار الأزرق ينتمي، رئيساً ومنسقين وكوادر وأعضاء، إلى الطبقة الكادحة المكوّنة من موظفي الفئات الدنيا، وعمّال وفلاحين وصغار كسبة وفقراء وعاطلين عن العمل، وليس تيّاراً كان دائماً في صلب الطبقة السّياسيّة الفاحشة الثراء، والتي تعيش في عالم لا يمتّ بأيّ صلة إلى “جميع” من تحدّث إليهم بيان مكتبه التربوي، وأنّ الوضع الذي ينتقده المكتب التربوي كان نتيجة سياسات تيّاره، الإقتصادية والمالية والإجتماعية، التي اتّبعها منذ وصوله إلى السّلطة قبل نحو 3 عقود، وحتّى اليوم، وأنّ مسؤولية ما يحصل اليوم من إنهيار تقع على تيّاره الأزرق بالدّرجة الأولى.
فبيان المكتب التربوي في تيّار المستقبل بدا من خلاله وكأنّه ممثلاً لحزب يساري ونضالي، خصوصاً عندما يتحدث عن “الواقع المرير والخانق”، ودعوته إلى “الوقوف وقفة واحدة في وجه هذا النّهج الذي دمّر كلّ مقومات الدولة”، وعن “إنهيار سعر صرف العملة الوطنية إلى أدنى المستويات”، ودعوته إلى “عملية إنقاذية سريعة، فقد طفح الكيل”، قبل أن يسأل بغرابة: “أين الدّولة ورئيس جمهوريتها وحكومتها من كلّ هذا؟”، ومستنكراً ورافضاً “الواقع الذي أوصلتنا إليه هذه السلطة اللامسؤولة”.
أمّا بيان مصلحة الصيادلة في القوّات اللبنانية فكان إعتراضياً على نتائج الدّورة الأولى من إنتخابات نقابة الصيادلة التي جرت يوم أمس، والتي رفضت فيه المصلحة “رفضاً قاطعاً سابقة كسر الأعراف التي يُعمل بها في مجالس النقابة”، داعية إلى “تصحيح هذا الخلل فوراً، وقبل إجراء إنتخابات النقيب في الدّورة الثانية، تحت طائلة مقاطعة الإنتخابات في الدّورة الثانية، وبالتالي مقاطعة النّقابة ومجلسها”.
اللافت في البيان المذكور نقطتين: الأولى أنّ مصلحة الصيادلة تتحدث بلغة “الأمر” عندما دعت إلى تصحيح الخلل فوراً، بشكل جعلها تبدو وكأنّها لم تخرج بعد من عباءة ميليشيا الحرب الأهلية.
أمّا النقطة الثانية فإنّها تتحدث عن “كسر الأعراف” في انتخابات نقابة الصيادلة أمس، وهو عُرف كُسِرَ قبل أيّام في انتخابات نقابة محامي طرابلس، من غير أن ترى القوّات ذلك خطأ وتدعو إلى تصحيحه “فوراً”، وكأنّها تعيش صيفاً وشتاءً تحت سقف واحد!