الإسلام السياسي في فرنسا.. إستغلال الجمعيات الخيرية واجهات عمل.
إعداد : سهام عبدالرحمن، باحثة في المركز الأوروبي، مختصه في الإرهاب الدولي
الإسلام السياسي في فرنسا.. إستغلال الجمعيات الخيرية واجهات عمل
تنبهت فرنسا مؤخراً للخطر الكبير الذي تمثله الجماعات المتطرفة، مثل حزب الله، داعش، القاعدة فضلاَ عن جماعة الإخوان، علي المجتمع الفرنسي وذلك بعد تنامى العمليات الإرهابية في شتى أرجاء البلاد، والهجمات التي نفذها أفراد، أثبتت التحقيقات صلتهم بهذه الجماعات، كان أبرزها جريمة قطع رأس المدرس “صامويل باتي” على يدي رجل من أصل شيشاني خلال شهر أكتوبر 2020، وحادث نيس الدموي.
وركزت الجهود الفرنسية وفى مقدمتها قانون “مكافحة الانعزالية الإسلامية” الذي أصدره الرئيس الفرنسي ” أيمانول ماكرون” وتمت الموافقة عليه في البرلمان الفرنسي في فبراير 2021 ، ويستهدف مكافحة تيرات الجماعات المتطرفة، وكان من أهم آليات هذا القانون مكافحة التطرف الإسلاموي، و تعزيز الرقابة على الجمعيات وتمويل أنشطة الرقابة ووضع آليات جديدة لتمويل أنشطة الطوائف الدينية وحثها على وقف تلقي تمويلات أجنبية، ووضع رقابة صارمة على أنشطة الجمعيات الدينية والثقافية.
واعتمدت الجماعات المتطرفة على المؤسسات والجمعيات الإسلامية كمراكز لنشر الأفكار وتجنيد الأعضاء الجدد، وأيضا استغلتها كأدوات للتأثير والدعاية السياسية لحشد الجاليات الإسلامية لدعم بعض السياسيين، المتحالفين معها، بعضهم أعضاء في التنظيم الدولي، والبعض الآخر يعمل لصالح الإخوان من باب المنفعة المشتركة، حسمبا تشير معلومات مؤكدة.
وكشف تحقيق، نشرته شبكة الصحفيين الدوليين، في آب (أغسطس 2021) ، أنّ جماعة الإخوان المسلمين تستخدم المنظمات غير الحكومية الفرنسية، للضغط على ماكرون بشأن تواجد الإسلاميين المتطرفين في بلاده، كما تستخدم المنظمات غير الحكومية، المعترف بها من قبل الدولة في فرنسا، للترويج لنوع خطير من الجماعات المتطرفة في البلاد.المقاتلون الأجانب في فرنسا ـ الأسس القانونية والتشريعات
الجمعيات الخيرية الدينية في فرنسا
تضم فرنسا أكثر من 250 جمعية إسلامية على كامل أراضيها، منهم 51 جمعية تعمل لصالح الإخوان، بالإضافة إلى التجمع لمناهضة الإسلاموفوبيا وجمعية “الإيمان والممارسة” ومركز الدراسات والبحوث حول الإسلام و المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية ومعهد ابن سينا لتخريج الأئمة. و تشكل الجمعيات الخيرية الدينية التي تمارس نشاط سياسي أو تعمل لصالح هذه الجماعات خطراً أخر علي المجتمع الفرنسي ، وتوجهت فرنسا لإخضاع ما يقارب علي 51 جمعية دينية للمراقبة، وحل عدد منها بسبب تورطها في الترويج لأفكار تنافي مبادئ الجمهورية.
أبزر هذه الجمعيات
جمعية بركة سيتي: والتي يترأسها إدريس يمو هي واحدة من المؤسسات الدينية التي حظرتها فرنسا، في إطار محاربتها للتنظيمات المتشددة في البلاد.
جماعة الشيخ أحمد ياسين : وهي جماعة محلية ضالعة في الهجوم موالية لحركة حماس الفلسطينية والضالعة مباشرة في الاعتداء على المدرس”صامويل باتي”.
جمعية “لؤلؤة الأمل” الخيرية: والتي يشتبه بأنها تمول الإرهاب في العراق وسوريا، والذي تدخل القضاء الفرنسي، حيث تابع اثنين من أعضاء جمعية “لؤلؤة الأمل” الخيرية بتهمة الانتماء إلى عصابة إجرامية على علاقة بمنظمة إرهابية وتمويل الإرهاب.
فرسان العزة : هو تنظيم سلفى جهادى فى فرنسا ،تم تأسيسه علي يد محمد الشملان، ويهدف إلى تطبيق الشريعة و“الجهاد“ ضد “الكافرين“.
اتحاد المنظمات الإسلامية فى باريس“UOIF” : والذي يعد الممثل الرسمي للتنظيم الدولي للإخوان في باريس.
وجمعيات أخري منها جماعة خلية مدينة لينيل، جمعية الإخاء الإسلامى سنابل، فرنسيون ومسلمون، مجموعة تطبيق تليجرام، اتحاد الفرنسيين المسلمين، حزب مسلمى فرنسا، مركز الزهراء فى فرنسا.
هولندا ـ الجمعيات الخيرية
عانت هولندا من ذات الوضع الذي عانت منه فرنسا منذ سنوات، وتعد هولندا واحدة من الدول التي يحظى فيها “الإخوان” بموقع متميز، ومثل ذلك الوجود زعيم الإخوان هناك “يحيى بوعيفا”، الذي يتولى منصبًا قياديًّا في عدد من المؤسسات الإسلامية، التي تعمل بشكل مباشر، أو غير مباشر لصالح الجماعة.
وذكرت صحيفة “إن آر سي هاندلسبلاد” (NRC Handelsblad) المحلية، إن ما لا يقل عن 10 بلديات في البلاد أجرت بحثاً سرياً حول المساجد وأئمتها، ومديري الجمعيات الإسلامية، والشخصيات المسلمة المؤثرة في المجتمع، وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التحقيق السري شمل العديد من المدن الكبرى التي توجد بها جاليات مسلمة بشكل كثيف.تمكنت الجماعة من توسيع نفوذها في هولندا، باستغلال السياسة المحلية والوطنية، كما تم تسهيل دخولها إلى السياسة من قِبل الأحزاب اليسارية، مثل الحزب الأخضر، وحزب العمل PVDA.
الجمعيات الخيرية والمراكز الاسلامية في هولندا:
“مركز السلام الإسلامي الثقافي” (EIIC)، الذي يترأسه جاكوب فان در بلو، وهو مسلم من أصل هولندي وعضو بالتنظيم الدولي.
مركز ميدينفخ الإسلامي (Centrum de Middenweg )، والذي يشير اسمه بالهولندية إلى حركة يوسف القرضاوي، وهو قيادي إخواني بارز.
مبنى مدرسة سابق تم شراؤه من قبل المركز الثقافي الاجتماعي للمؤسسة في هولندا، وهو الذراع الاجتماعية والثقافية لحركة النهضة التونسية (ذراع الإخوان في تونس).
المركز الثقافي الاجتماعي، التابع لمؤسسة ملكية كبيرة تسمى مركز محمد عبدالمحسن الخرافي الإسلامي.
وحصلت جماعة الإخوان المسلمين على أولى المدفوعات المنظمة من قبل قطر، بهدف شراء العقارات والمباني في هولندا. في عام 2008.
المجلس الإسلامي الفرنسي (CFCM)
بدأ نشاطه في فرنسا منذ 1980، على أيدي نشطاء إسلاميين (منتمين للإخوان)، ونجح في فرض نفسه على الحكومات المتعاقبة. ويهدف إلى دفع عموم المسلمين في فرنسا إلى الانغلاق في هوية طائفية، ساعياً إلى جرهم نحو إسلام أصولي لبسط هيمنته على الهيئات الممثلة للمسلمين، وليصبح حلقة الوصل الأبرز بينهم. قيادات الإخوان المعاصرة في فرنسا ـ ” طارق رمضان”
ويعد أكبر مؤسسة رسمية إسلامية في فرنسا، ويتكون هذا المجلس من المنظمات و الجمعيات الإسلامية والمساجد المعترَف بها قانونيا في فرنسا، ومن بين هذه الجمعيات اتحاد المنظمات الاسلامية ( uoif) المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، والاتحادية الفرنسية للجمعيات الاسلامية الافريقية، المحسوبة على المسلمين الأفارقة، ومسجد باريس، وتجمُّع مسلمي فرنسا rmf ، وجمعيات تركية محسوبة على الإسلام السياسي.
وكان زعيم “CFCM”، المنتهية ولايته، أنور كبيش، شخصية رئيسة في جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن يتولّى دوره في المنظمة الإسلامية الفرنسية. بعد انشقاقه عن جماعة الإخوان، تحدّث المساعد السابق لجمعية مسلمي فرنسا (MDF)، محمد لويزي، عن أنّ منظّمة مسلمي فرنسا، التي أنكرت علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، شاركت بنشاط في الترويج لجدول أعمال الجماعة الإرهابية.
أوضح بيان صادر عن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أن الشريعة تنص على “توافق الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية، ورفض توظيف الإسلام لغايات سياسية وتدخل دول في ممارسة شعائر المسلمين في فرنسا والإقرار بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ورفض بعض الممارسات العرفية التي يزعم أنها إسلامية”.
الجاليات الإسلامية في فرنسا
تحت عنوان إسلام القنصليات عملت جماعة الإخوان علي استغلال الجليات الاسلامية وتوظيفها لخدمة أهدافها في المجتمع الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بممارسات السياسية، كما مثلت الكتل الأسلامية وسلية للضغط على الدول الأوربية لدعم سياسين أو أحزاب في الإنتخابات، وتبلغ نسبة المسلمين في 4,5 مليون مواطن بما يمثل 6% من إجمالي نسبة المواطنين الفرنسين وهو ما يشكل كتلة سياسية انخابية تحتول الجماعة دائما استغلالها لدعم مرشح أو خسارة آخر.
يرى إبراهيم المهالي، إمام مسجد بيربينيان وباحث في القضايا الإسلامية بفرنسا، أن أغلب المتطرفين في فرنسا ليسوا أبناء المساجد ولا المراكز الثقافية الإسلامية، فهم “يملكون سوابق قضائية في ملفات لا علاقة لها بالدين، إذ يحاولون القطع مع ماضيهم بالتطرف والإرهاب” ، وأن مساراتهم تبين “أن لكل منهم دوافع شخصية بالأساس”، لكن عموما ما يلاحظ حسب قوله هو انحدارهم من الضواحي التي يتنامى فيها الإحساس بالتهميش.
بيد أن عادل اللطيفي، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة باريس، لا يرى أن الظاهرة تعود إلى التهميش، لأن الأحياء الهامشية توجد كذلك في دول غربية أخرى لم تعرف عمليات إرهابية بهذا الكم، بل تعود حسب رأيه إلى استهداف فرنسا من قبل جماعات متطرفة لأنها حسب زعمهم تدعم الإلحاد.
تقارير حذرت من خطر الجماعات الإرهابية
تتوالي التقارير والدراسات التي تحذر من خطر الجماعات الإرهابية،علي المجتمع الأوروبي وخاصة الفرنسي، حيث لفتت معظم تقارير استخبارات الدول الأوروبية مدى خطورة الجماعات الأرهابية وتنظيمات الإسلام السياسي في أوروبا ، فى تنامى ونشر هذه الجماعات لأفكارها المتطرفة، وتجنيد المسلحين، والدعوة للتشدد والقتل، والتكفير.حيث ذكرت الدراسة أوروبية أن هناك قلقا متزايدا داخل المجتمع الفرنسي من تكوين تنظيمات الإسلام السياسي مجتمعات موازية في فرنسا، وغرس أفكار متطرفة تعادي قيم الجمهورية. كما حذرت دراسة عن جون برنار بيناتل، المسؤول السابق في مكتب الاستخبارات والعمليات الفرنسي عام 2020، من مخاطر وتهديدات تنظيم الإخوان للأمن الفرنسي.
الجمعيات التي تم إغلاقها 2021
وخلال عام 2021 قامت فرنسا بألغاء إقامة أكثر 36 ألف شخص يُشكّلون تهديداً للنظام العام في فرنسا بسبب تطرّفهم، وكذلك حلّ وحظر العديد من الجمعيات الدينية، حيث تم تأكيد شبهات تطرّفها وتمويلهم من مصادر خارجية، ليبلغ عدد الجمعيات الدينية التي تم أغلقها إلى 14 ، مع مصادرة الحسابات المصرفية لمسؤوليها.
تم إغلاق 21مسجدًا بالفعل، حيث تم تفتيش وفحص 92 مسجدًا من أصل 2500 في فرنسا.
وأقر البرلمان الفرنسي قانون “مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية” لمكافحة التطرف، حيث ينص القانون على مراقبة المساجد والجمعيات والمنظمات الدينية المسؤولة عن إدارتها، ومراقبة تمويلها. الإخوان المسلمون في فرنسا ـ تشكيل اللوبيات و وسائل العمل
التقييم
لاتزال الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية، التي تعمل في سياق أهداف إخوانية،تمثل خطر على المجتمع الأوروبي بشكل عام، وتظل الحكومات الأوروبية حتى اللحظة الراهنة غير قادرة على فرض رقابة كاملة على نشاط هذه المؤسسات، لأنها تعمل في إطار قانوني ونشأت باستغلال مناخ القوانين والحريات في أوروبا.
وربما ستسمح الاستراتيجة الأوربية الشاملة لمكافحة التطرف، التي أقرها الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2020، بفرض رقابة أكثر صرامة على الجمعيات والمؤسسات الخيرية بشكل عام، وتجفيف مصادر تمويلها، ومراقبة خطابها المتطرف وملاحقة قياداتها، لكن الأمر سيظل مرهون بمدى قدرة الحكومات والأجهزة الأمنية والاستخباراتية على تنفيذ خطط شاملة ومتزامنة لملاحقة العناصر الإرهابية، واقتلاع جذور الفكر المتطرف.
ضرورة العمل على نشر وعي وثقافة تجابه خطر هذه الأفكار خاصة بين أبناء الجاليات الإسلامية في أوروبا لأنهم فريسة سهلة لهذه التنظيمات طوال الوقت، لأسباب إنسانية واقتصادية ونفسية.