تحقيقات - ملفات

الكفّ الثقيل في نقابة المحامين: شربل نحاس المخرّب الأول

مسؤولية مشتركة تقع على مختلف مجموعات الانتفاضة في إدارة انتخابات المحامين (علي علوش)
نادر فوز|المدن
كيف استيقظ ناشطو وناشطات مجموعات 17 تشرين ومن حولها اليوم، بعد “الكفّ” الانتخابي الذي تلقّته فيناشطو وناشطات مجموعات 17 تشرين أمس؟ منهم من استيقظ لمتابعة مهامه في نقابات وانتخابات أخرى. منهم من انطوى على نفسه. منهم من لم ينم أساساً من ثقل الهزيمة، ومنهم من لم يستيقظ بعد. تتحمّل مجموعات الانتفاضة، ولو بشكل متفاوت، مسؤولية الفشل الذريع الذي كرّسته أرقام الانتخابات. ولو أنّ المعركة لم تصبّ فعلياً لصالح أحزاب السلطة، إلا أنّ 17 تشرين أقصيت عن مجلس نقابة المحامين، وانتفى دورها في موضوع النقيب. وما هزال الأرقام وعدد الأصوات سوى دليل على الفشل.

مسؤولية مشتركة
ثمة مسؤولية مشتركة تقع على مختلف مجموعات الانتفاضة وممثليها في لعبة إدارة انتخابات المحامين. ليست الهزيمة نتيجة فعل فردي، ولو أنّ عدداً من الأطراف لعبوا دوراً حاسماً في الشرذمة وتقويض وحدة الصف الانتخابي وتجميع القوى واللائحة الواحدة. المسؤولية المشتركة يتخلّلها كل ما يتمّ التداول به في مجالس هذه المجموعات عن تفرّد بالقرارات ومحاولة فرض المرشحين وإقصاء آخرين، وصولاً إلى إقصاء مجموعات أو أحزاب. وما ذلك إلا ترجمة لمصالح انتخابية هنا أو أزمات ومشاكل شخصية هناك، أو نقاء ثوري مزعوم، تأثيره قاتل في الانتخابات (على أي مستوى كانت). ويمكن ترجمة المسؤولية المشتركة على مجموعات 17 تشرين في عدم قطع الطريق بادئ الأمر على أي من المجموعات أو الأطراف التي سعت إلى الشرذمة وفرض المرشحين و”تطفيش” آخرين، أو حتى ضرب نوايا توسيع التحالفات لضمان الوزن اللازم في انتخابات المحامين. كأنّ هذه المجموعات اختارت طواعية الشرذمة على الوحدة، تعدّد المرشّحين على حصريّتهم (الانتخابية)، قطع العلاقات وتأزيمها بدل تمتينها.

ممفد
لم يعد مفهوماً، كيف أنّ مجموعات 17 تشرين المختلفة قادرة على تحمّل أداء ومسار وأسلوب حركة “مواطنون ومواطنات في دولة”. في أكثر من اجتماع، وحسب أكثر من معني في ملف انتخابات نقابة المحامين، كانت “ممفد” واضحة في خياراتها وإصرارها بأنّها لن تمضي في التحالف والانضواء مع “نقابتنا” إلا في حال دعم مرشحه للنقيب، المحامي موسى خوري. المجموعات هادنت. لم تضرب يدها على الطاولة ولم تواجه. بحثت عن خيارات وسطية كان آخرها الاتفاق الثنائي بين خوري ومرشح نقابتنا رمزي هيكل على الانسحاب أحدهما للآخر في الدورة الثانية. وقبل ساعات من انطلاق الانتخابات، جاء الموقف العلني من أمين عام حركة “ممفد”، الوزير السابق شربل نحاس، بأنه “في انتخابات المحامين موسى خوري ولا أحد آخر”.

فرض وتهديد
تمثّلت “ممفد” في الاجتماعات التحضيرية لانتخابات المحامين بممثل عنها غير عضو في النقابة. حضرت الحركة إلى الاجتماعات بعد أن كانت قد رشّحت خوري إلى موقع النقيب. فرضته على الطاولة وهدّدت بالانسحاب إن لم يتمّ تبنيّه. وانجرّت سائر المجموعات إلى هذا التهديد، مع العلم أنّ المرشّح خوري ليس ناشطاً على مستوى المحامين وغير متواجد في قصور العدل أو النقابة لسنوات. سيرته الذاتية لا لبس فيها، لكنه غير معروف في أوساط المحامين ولا علاقات تجمعه بزملائه. ثم قبل ساعات من الانتخابات، كان الهجوم المركّز من “مواطنين ومواطنات في دولة” (ممفد) ضد حليف خوري ومنافسه على اللائحة، رمزي هيكل. وجاءت ترجمة هذا الهجوم بتشطيب هؤلاء لرمزي هيكل والتصويت لخوري وحده. حتى هؤلاء المواطنين والمواطنات في دولة، حاولوا ليل السبت- الأحد، أي قبل انطلاق السباق الانتخابي، نصب خيمة خاصة بـ”ممفد” مستقلّة عن خيمة “نقابتنا”، وهو الأمر الذي واجهه عدد من الناشطين ملوّحين بتكسير الخيمة إن نُصبت. فتراجع “الممفديون” عن خطوتهم.

أنا ممفد
في انتخابات المحامين، وقبلها في نقابة المهندسين ومختلف الاستحقاقات الأخرى، تسعى “ممفد” إلى التميّز. من عنوان “الصناديق المالية” تنطلق الحركة اليوم، وكل من يخالفها الرأي يصبح خارج الحسابات. ووصلت الأمور بمسؤولين فيها إلى اعتبار أنّ “نقيب المهندسين، ممثل النقابة تنتفض، عارف ياسين لا يمثّل 17 تشرين”. والسبب؟ أنّ ياسين رفض توكيل نحاس وحركته بشكل حصري لإدارة معركة الصندوق المالي للمهندسين. منطق “الأنا” متضخّم جداً في الحركة. أنا ممفد. “حركة مواطنون ومواطنات في دولة، ستشارك في الانتخابات النيابية على كافة الأراضي اللبنانية” قال نحاس قبل يومين. أضاف “سأترشّح شخصياً، إذا كان ذلك سيكون له وقع كبير”. أنا شربل. شربل نفسه، الذي اتصل قبل عام تقريباً بأحد الأمناء العامين لأحد الأحزاب المكوّنة لـ17 تشرين، لسؤاله عن مشاركته في مسيرة تمّت الدعوة لها. أجابه زميله “طبعاً سأشارك، وفي طريقي إلى نقطة التجمّع”. فكان ردّ نحاس “ماذا عن العدد؟ إن لم يكن الحشد كبيراً سنكون في الواجهة”، أي ما معناه أنّ غياب الجموع قد يعرّي صورته. فلم يشارك يومها في التحرّك الذي دعت إليه حركته، حفاظاً على صورته. لكن صوره، رُفعت يومها في المسيرة مع استنساخ حملة الرئيس الأميركي باراك أوباما وألوانها. كرمى لعيون شربل لنتخلّى عن وحدة المعارضة، ودعم جبهة المعارضة، ولنتلقّ كفّ نقابة المحامين.

عقدة الكتائب
في انتخابات نقابة المحامين، وقبل كل هذا، تمّ إسقاط اسم أحد أبرز المرشّحين لمنصب النقيب بضربة قاضية. أواخر آب ومطلع أيلول، كانت أسهم المرشّح المحامي كريم ضاهر مرتفعة جداً. إلا أنّ الأخير انسحب مبكراً من السباق الانتخابي، وسبب ذلك روايات مختلفة. تقول الأولى إنّ ضاهر اشترط دعم كل مجموعات 17 تشرين وأحزابها، ومنها حزب الكتائب وجبهة المعارضة اللبنانية. والجبهة كانت مستعدّة لدعم ضاهر، بل حتى تبنّته. إلا أنّ بعض من في المجموعات وضعوا شروطاً تعجيزية، ومنها أن يعلن المرشحون الكتائبيون استقالتهم علناً من حزب الكتائب. مع العلم أنه في هذا الحزب، تعلّق عضوية أي عضو في الحزب فور تولّيه أي منصب نقابي. وتقول رواية أخرى إنّ انسحاب ضاهر جاء بفعل تراجع عن تفاهم تمّ بينه وبين بعض المجموعات. وثالثة تشير إلى أنّ أحد الوزراء السابقين طلب من ضاهر التنحّي. بات جليّاً أنه لدى بعض من في 17 تشرين عقدة سياسية وشخصية ونفسية اسمها حزب الكتائب. لاعتبارات فكرية وحسابات انتخابية شخصية، ومنها أيضاً كون الكتائب ومرشحيها منافسين جدّين على مقاعد انتخابية في عدد من الدوائر المشتركة التي يمكن أن تجمع أسماء ووجوه من الانتفاضة. ولا شيء أبعد من ذلك، وكل الحجج الأخرى مغلّفة بهذه القشرة، إذ لا يجد هؤلاء أيّ مانع في الحصول على دعم الكتائب وأصوات الكتائبيين. تماماً كحالة بعضهم مع الحزب الشيوعي اللبناني.

حوكمة ومعايير وتعقيد
تتصرّف بعض مجموعات 17 تشرين كما لو أنّ الوحيَ السياسي والمدني أُنزل عليها وحدها. تكشف التجارب النقابية الأخيرة (المهندسون والمحامون) وتلك التي يتم التحضير لها (الصيادلة، أطباء الأسنان وغيرها) أنّ بعض المجموعات تحمل معها عدّة شغلها وتنتقل من نقابة لأخرى ومن استحقاق انتخابي لآخر. تحمل عناوين “الحوكمة” و”المعايير” و”اللجان”، وتتصدّر مجالس المفاوضات. تسبق المحامين والمهندسين والصيادلة والأطباء إلى نقاباتهم، وتفرض عليهم أموراً بغنى عنها. ترسم إطاراً سياسياً وتنظيمياً لمعركة انتخابية من دون أن تكون حتى ملّمة بتفاصيل نقابية أساسية. بعض هذه المجموعات ليس فيها عضواً واحداً مثلاً في نقابة المحامين، وأخرى لديها صوتان في نقابة الصيادلة، ثالثة لا تعرف مقرّ نقابة أطباء الأسنان. لكنها هنا، تجلس، تملي وتفرض خياراتها. وكل ما سبق في إطار بحث دؤوب عن مقعد في مفاوضات الانتخابات النيابية ولوائحها، إن حصلت في موعدها. فنتخيّل أنّ شخصاً (محامياً أو مهندساً أو صيدلياً أو طبيباً) خرج من عباءة حزب أو طائفة، يجلس إلى طاولة ليستمع إلى إملاءات ناشطين وممثلين عن مجموعات لا يفقهون شيئاً في مجاله المهني. إن لم يقرف أولاً، يعود ثانياً إلى عباءته حيث الضمانات السياسية والاجتماعية والنفسية موجودة.

أزمات متنقّلة
أزمة “الأنا” المتضخمة في مجالس 17 تشرين بحاجة إلى علاج سريع. ومن يرفض معالجته، ليعمل لنفسه ولوحده. لينصّب نفسه قائداً على نفسه، أو على طاولة لا يصلح عدد الجالسين عليها للعبة طرنيب. أزمة ادّعاء تمثيل الناس، كل الناس، مرض علاجه طويل أيضاً. أزمة امتلاك الحقيقة المطلقة والحلول عقيمة، خصوصاً أنّ هذه الحلول المطروحة لم توصل بعد إلى أي نتيجة. أزمة الثقة المتبادلة بين المجموعات مفهومة، لكن ليس من الضروري أن تصل إلى حدّ التخوين. أزمة الخلافات على حصة أو مقاعد منطقية، لكن التمسّك بها يعني أن نهج أحزاب السلطة يكرّس نفسه بين المجموعات. أزمة صياغة مشروع سياسي وخريطة عمل وآليات لها، ضربة قاضية.

كفّ نقابة المحامين درس قاس. قد يليه كف ثانٍ في نقابة أطباء الأسنان وربما آخر في نقابة الصيادلة الأحد المقبل. هذه الكفوف المعنوية، قد تساهم في تنشيط الدورة الدموية. قد توقظ البعض من أحلام اليقظة. قد تعيد تحديد أحجام “الأنا”. إلا إن كانت النيّة أساساً إحباط 17 تشرين ونسفها من الداخل. لا تفسير آخر لما يجري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى