المطلوب لدياب مرفوض لميقاتي
مع تراجع الآمال بإمكان إيجاد مخرج لانعقاد مجلس الوزراء الذي يتوقف على استئناف اجتماعاته الكثير من المعالجات للقضايا الحياتية، من الطبيعي أن يفتش رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والمعنيون عما يمكن للحكومة أن تحققه ولو جزئياً.
الحد الأدنى الذي يمكن أن ينجم عن اجتماع الحكومة ربما يكون انخفاض سعر صرف الدولار، ولجم ارتفاعه الجنوني كل يوم، بخفض منسوب تأثير العوامل النفسية والسياسية التي تسمح بالتلاعب بالسعر من قبل مؤسسات الصيرفة وبعض المضاربين.
كل الأبواب موصدة أمام استئناف جلسات مجلس الوزراء، طالما يستحيل أن تُقدم الحكومة على أي خطوة تحقق مطلب الثنائي الشيعي بقبع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، نتيجة رفض ميقاتي إقحامها في إجراء يقود إلى إعاقة التحقيق في ملف المرفأ. ولا يملك ميقاتي سوى تكرار الدعوة إلى فكفكة العقبات أمام اجتماع الحكومة، مع تكرار اللازمة القائلة باعتماد “الأسس الدستورية والقانونية”.
المفارقة هي أنه بعد استقالة حكومة حسان دياب وإطالة أمد تأليف الحكومة، لم يبقَ فريق من القوى السياسية إلا ودعا إلى عقدها اجتماعات تفرضها الضرورة، حتى لو كانت في وضعية تصريف الأعمال التي تتيح لها ممارسة دورها على نطاق “ضيق” كما ينص عليه الدستور. وتعرّض دياب لحملات بسبب امتناعه عن دعوة مجلس الوزراء إلى الاجتماع للبتّ في قضايا جوهرية تتناول مصالح اللبنانيين وحياتهم اليومية. أما مع الحكومة الحالية، فإنّ بعض من لاموا دياب لعدم مبادرته إلى اجتماع مجلس الوزراء، لا يرون ضرورة للتخلّي عن شروطهم التي تعيق التئام حكومة ميقاتي المكتملة الصلاحيات الدستورية والقادرة على اتخاذ القرارات اللازمة في الشأنين المعيشي والاقتصادي. بل على العكس يتفنّن “حزب الله” الذي كان دعا إلى تفعيل حكومة دياب، في تبرير عدم انعقاد حكومة ميقاتي. فكتلته النيابية ردت على إلحاح الأخير بوجوب فصل اجتماعها عن المسار القضائي المتعلّق بملف مرفأ بيروت، بدعوة القيمين على السلطة إلى “ممارسة صلاحياتهم من دون أي انحياز أو مجاملة لاتخاذ القرار المناسب والمسؤول” في معالجة أسباب عدم انعقاد مجلس الوزراء. بات الحزب يحدّد شكل وممارسة الصلاحيات الدستورية الحكومية، قافزاً فوق السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ليضيف إلى الأصول المحدّدة في الدستور لدعوة الحكومة إلى الانعقاد معايير سياسية ظرفية من عندياته، لفرضها على رئاسة الحكومة المنوط بها الدعوة بعد إطلاع رئيس الجمهورية على جدول الأعمال. فالحزب لا يرى موجب الضرورة لالتئام الحكومة أمام المآسي التي تجتاح حياة اللبنانيين يومياً، سواء بالحرائق أو بغياب البدائل لرفع الدعم عن أدوية مهمة، ما أدى إلى التهاب أسعار الدواء، أو للتعثر حتى الآن في إقرار البطاقة التمويلية، أو لمعالجة الأزمة مع دول الخليج العربي التي تتهيّأ لإجراءات إضافية تضيف إلى التدهور الاقتصادي عوامل جديدة، أو لتحضير المشاريع المطلوبة للإصلاحات التي عليها طرحها على صندوق النقد الدولي في المفاوضات معه.
الشلل الحاصل الذي أجبر ميقاتي على إدارته بدل إدارة خفض الأضرار الناجمة عن انهيار الاقتصاد، يتم عبر اللجان الوزارية، كما حصل في إعلان قرارات الأمس حول المنحة المالية للموظفين وزيادة بدل النقل، وذلك خشية أن يدار عبر المجلس الأعلى للدفاع إذا استقال رئيس الحكومة، كما حصل بعد استقالة حكومة دياب.
إلا أن اجتماعات اللجان الوزارية لن تجترح العجائب والحلول التي تقررها الحكومة وحدها، والتي كان المجتمع الدولي ألحّ على تشكيلها ليكون له شريك يخاطبه في البلد، ويتفاوض مع صندوق النقد.
يبدو أن لا قدرة لدى المجتمع الدولي على معاكسة تعطيل حكومة ميقاتي إلا بالمساعدات الإنسانية التي سيتم تقديمها بمعزل عن الدولة والحكومة، وبتفعيل خيار استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن عبر سوريا. لكن ما بدا سهلاً قبل شهرين في هذا المجال يُخشى أن يتأخّر بحكم إصرار الجانب المصري على الحصول من وزارة الخزانة الأميركية على إعفاء خطّي من عقوبات قانون قيصر على التعامل مع النظام السوري تفادياً للتعرّض لها. فالآلية المطروحة هي أن تزوّد القاهرة سوريا بكمية من الغاز المصري عبر أنبوب يصلها عن طريق الأردن، على أن تزود سوريا لبنان بغاز سوري عبر أنبوب آخر إلى شمال لبنان، وعلى لبنان أن يدفع ثمنه بتمويل من البنك الدولي، تحرص واشنطن على ألّا يكون بالدولار الأميركي حتى لا يستفيد النظام السوري من العملة الخضراء.