“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
مع تحكّم لعبة العراقيل المصطنعة والمتنقلة بين الاطراف الحاكمة، بالاوضاع العامة في البلاد، على ايقاع مواقف ضابط الساحة “الاصفر”، لا تدل المواقف السياسية المسجّلة الى انفراج قريب بل على العكس، حتى في حال الولادة الحكومية، مع تقاطع حارة حريك وبيت الوسط على ان الود مفقود، بين “الجنرال” و”الشيخ” من جهة، واصرار حزب المقاومة على استراتيجياته .
ولتأكيد المؤكد، خرج امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله ليعلنها صراحة، ناطقاً باسم محور الممانعة من لبنان الى ايران وبينهما وحولهما، حزب الله اكبر حجماً ودوراً من لبنان وحدوده، مشروعاً وحضوراً، بعدما اصبح جزءا من المعادلة الاقليمية، بدليل افراده لمساحة واسعة من حديثه للملف الاقليمي والدولي، بعكس جميع القادة والسياسيين، تاركاً حيزاً صغيراً للمواضيع الداخلية اللبنانية، متميزاً بذلك شكلاً ومضموناً.
واذا كانت المحاور الاساسية، في اطلالاته باتت تقليدية ومعروفة، الا انها جاءت هذه المرة في لحظة مفصلية، داخلياً ودولياً، لتثير معها موجة من التكهنات والتحليلات، خصوصاً ان النقاط التي تطرق اليها تتقاطع عند الاوضاع الداخلية التي تعيشها الساحة اللبنانية، اذ بدا صائباً بدقة عندما تحدث عن عدم ارتباط اي اتفاق نووي بحدود الدور الايراني في المنطقة، وهو ما تقر به واشنطن ايضا، وان كان من وجهة نظر ومنطلقات مختلفة.
هنا لا بدّ من التوقّف عند بعض النقاط المهمة :
-تركيزه على ان حزب الله ضاعف عدد الصواريخ الدقيقة التي امتلكها في العام الاخير، والقادرة على اصابة اي نقطة في اسرائيل بدقة متناهية، محذراً من قصف “منشأة البقاع” ،مبشرا بالردع جوا، بحرا وبرا. قد يكون سها عن بال السيد انه في حديثه هذا يكون قد ربط الساحة اللبنانية بشكل وثيق بالمفاوضات الاميركية الايرانية المنتظرة، والتي تشكل فيها مسألة الصواريخ البالستية الايرانية وتطويرها وتسليمها الى جماعاتها في المنطقة، جزءا لا يتجزأ من اي اتفاق يمكن ابرامه.
-من غير المفهوم توريطه لسوريا في مسألة صواريخ “الكورنيت ” التي ستحرج روسيا تجاه اسرائيل. فما الذي تحمله تلك الرسالة المزدوجة لموسكو ودمشق؟هل هي محاولة استباقية لافشال المحادثات السرية التي يتولاها وزير الخارجية سيرغي لافروف والذي قطع شوطاً مهما فيها تزامناً مع نجاح تل ابيب في وقف التمدد الايراني في بلاد الشام والتعاون الاستخباراتي مع الـ “كا جي بي” في هذا المجال؟ ام هي رد على غض النظر الروسي عن عملية تطهير سوريا من ايران وجماعاتها؟
-اصراره على استمرار العلاقة المتفجرة مع الدول الخليجية، عبر اتهامه السعودية بالعمل من ضمن حلف ثلاثي يهدف لضرب لبنان، من منظار الضاحية، في الوقت الذي يعاني منه لبنان من ضائقة اقتصادية، يُجمع الشرق والغرب على ان لا خروج منها الا بدعم مالي خليجي. فهل في ذلك رهان على ان الاتفاق الاميركي الايراني سيجبر الرياض على العودة الى بيت الطاعة؟ ام هو محاولة دفع اضافية للشيخ سعد الى حضن محور الممانعة؟ ام هو رصاصة رحمة في رأس العهد المترنّح اقتصادياً ومالياً؟
اللافت، تأكيد السيد على العلاقة الطيبة مع الحريري، في نفس الوقت الذي ساق فيه بحق السعودية اتهامات خطيرة، ما يجعل الشيخ سعد في حرج ، خصوصاً انه من المفترض انه متواجد في المملكة.
فهل في هذا الكلام اشارة الى تبني الحزب لبيت الوسط الذي اصبح بالجيبة بعدما تحدى سيده العالم للعودة الى السراي؟ وهل هي جرعة دعم للحريري للاستمرار في عناده ما يخدم مشروع الحزب المكشوف بعدم ولادة الحكومة، وفقا لقراءة بكركي؟
-رميه كرة التعطيل الحكومي في ملعب الثقة المفقودة بين الرئيسين عون والحريري، رغم حديثه عن قطب مخفية قد يكون اكثر من يعرفها، وقد يبدو في ذلك رد على اتهام البطريرك الماروني غير المباشر لحارة حريك بالعرقلة ومحاولة الهيمنة على الدولة ومصادرة قرارها ومؤسساتها. وهنا قد تكون العلاقة بين بكركي وبعبدا في خطر. خصوصا انه بدا لافتاً عدم تطرّق المحاور الى موضوع بكركي.
-نسفه لمفاوضات ترسيم الحدود، بعدما ابدت قسطها للعلى، بتحقيقها هدف الحزب بكسب الوقت وتمريره الى حين انتهاء ولاية الرئيس ترامب.فمع سحبه الغطاء عن المفاوضات وكشفها، بات مستحيلاً على الدولة الللبنانية السير بها.
اذا، واضح انه لم يعد بإمكان حزب الله ان يكون لبنانياً بعدما بات يشكّل العمود الفقري “لمشروع المقاومة والممانعة” في المنطقة، رغم محاولة بعض حلفائه الداخليين من جماعة العهد التخفيف من وطأة ذلك، وهو ما يعني استحالة فصل حساباته الداخلية عن تلك الاقليمية، وهو ما يعني بقاء لبنان على فيلق زلازل المنطقة.
والواضح اكثر ان السيد حسن نصر الله رسم من طرف واحد، حدود السياسة الداخلية والخارجية للدولة اللبنانية، محدداً هوامش تحركها، وان كان ميل البعض الى ادراج السقف العالي في اطار الحرب النفسية القائمة مع العدو، والتي ستكون سيفاً ذو حدين، مع الاشارة اللافتة لنفيه التسريب عن انزال اسرائيلي عبر حد المقربين جدا من الحزب، والمعروف بارتباطاته الامنية.
في زمن نسير فيه “خليفاني” بخطى ثابتة نحو العصر الجاهلي، يردّد الشاطر حسن مع الشاعر “رحم الله امرء عرف حدّه فوقف عنده”… معادلة واضحة وبسيطة لمن يرضى الالتزام بحدود اللعبة والكيان وخلاف ذلك الى الانتحار در… مرغم اخاك اللبناني لا بطل…
