ٍَالرئيسيةتحقيقات - ملفات

مهزلة إستقلال لبنان والعَرْض العسكري!

الكاتب : خليل إسماعيل رمَّال

في الوقت الذي يرزح فيه شبه الكيان اللبناني ووطن الصِفَة المُشبَّهة تحت عبء الأزمات ويكاد ينقسم ظهره من الكوارث اليومية وآخرها الحرائق المُفْتَعَلة في الجنوب والبقاع ومنطقة بيت مري (وثالثة الأثافي شماتة بعض الحقراء والبلهاء في الوطن بحرائق الجنوب كما كان رد فعل المذهبيين الموتورين أثناء حريق المرفأ الذي عرفوا فوراً من هو وراءه ومن دون تحقيق بدليل قولهم “يروحوا يفجِّروا بالجنوب). وفي الوقت الذي تتبين فيه المؤامرة بإشغال المقاومة، وشعبها، وعدم تركها تتنفس للحظة بعد أن فشلت فتن خلدة وشويا والطيونة، وذلك بجعل الجنوب منطقة محروقة بسبب إعلان المقاومة عن مشروع العشر سنوات لزرع مليون شجرة يعرف العدو هدفها الإستراتيجي والبيئيوي والدفاعي والسيادي، وأيضاً بتجويع الناس ومنع المشتقات النفطية عنهم وفصل الشتاء القارص قادم ويُقال أنه بارد استثنائياً هذا العام، ومنع الناس حتى من التنقل للعمل ولو بدريهمات قليلة. وفي الوقت الذي يتصرف اللص الوقح ناهب ودائع الناس رياض سلامة مع شركائه في الجريمة من عائلته بأموال الدولة وتتهمه دستة من الدول الأوروبية بتبييض الأموال والإحتيال وآخرها تأجيره لمصرف لبنان شقة يملكها هو في أغلى منطقة فرنسية (رخيصة معنوياً وأخلاقياً بالنسبة لنا) من دون رادع ولا تحقيق مالي جنائي (بالمناسبة أين أصبح التدقيق في باقي الوزارات والصناديق الذي أقره مجلس النوائب؟) مما يعني أن الدولة وصرمايته سوا!
كل هذه المصائب والبلايا التي نسمع بها ونشاهدها نحن المغتربين لحظة بلحظة قد تكون نصف مصيبة عندنا لأننا تَعَوَّدنا على العجائب “وتَمْسَحْنا” في بلد شُبِّه لنا أنه وطن. لكن الذي لم أستطيع بلعه هو إعلان الجيش اللبناني الأخير عن إقامة عرض عسكري بمناسبة ما يُسمَّى “الذكرى ٨٧ للإستقلال” في ٢٢ تشرين الثاني الحالي، متوقعاً تغطية عالمية له بدليل دعوته لوسائل الإعلام لتقديم طلباتهم. لعمري إن هذا مهزلة المهازل في التاريخ!

كاتب هذه السطور ينتمي لجيل بيبي بومررز (Baby Boomers) أي كالجيل الأميركي الذي وُلد في أول الستينيات من القرن الماضي. وبالتالي فقد وقعنا بداية ضحية كتاب التاريخ المدرسي المزوَّر الذي كتبه عتاة النظام المسخ (علَّمت العصا على جنبهم)! وتبين لنا لاحقاً أنهم كانوا يسردون لنا تاريخ الطائفة المالكة فقط وتجربتها عبر الجغرافيا اللبنانية فكذبوا علينا حول خيانة فخر الدين وطغيان بشير الشهابي المجرم وعلموا الجيل الجديد أن التوجه دوماً للخارج أمر مشرف ومطلوب كما فعل معظم رؤوساء الجمهورية السيئي الذكر تماماً (شمعون والجميلين) والأشرف منه هو الوقوف على التلة (شهاب وحلو) كما كذبوا علينا بقصة قتلى أيار والزمن الذهبي و”الحلم” الجميل في لبنان المئة متر مربع (بيروت والجبل من دون الأطراف)! أما الأكثر إيلاماً فكانت مسرحية الإستقلال التي كان بطلها الفاسد بشارة الخوري والخائن رياض الصلح مع كومبارس حزب الكتائب اليميني الفاشي والحزب الجماهيري المليوني النجَّادة (وعدده شلعوطين ونص)! ثم كذبوا علينا في قضية روؤساء جمهورية الإستعمار الفرنسي ومعظمهم كانوا خونة وعملاء له ولم يُطْلِعونا حتى اليوم على أسرار التحالف الوثيق بينهم وبين البطاركة مع الوكالة اليهودية الصهيونية في فلسطين.
وبعد كذبة الإستقلال ضحكوا علينا ونحن صغار بالعرض العسكري وحلم العَظَمَة الفارغة، حيث كنا نكاد “نهستر” ونحن نرى تلفزيون لبنان، الذي كان الوسيلة الإعلامية الوحيدة مع قناتين فقط، يفتح الهواء خلال النهار لبث العرض العسكري الذي تخلَّلَه إظهار أسلحة “سرية” كاسرة للتوازن ومدرعات ودبابات حديثة تتصدرها أسلحة الجو المتطورة المؤلفة من طائرتي هوكر هانتر فقط (هوكر؟) المصنوعتين عام ١٩٥٢ وربما ما زالتا في الخدمة حتى اليوم وهما درة تاج سلاح الجو اللبناني الذي ترتعد منه فرائص إسرائيل ولهذا السبب تل أبيب اليوم مردوعة حسب ثوار (حرَّاس) الأرز وتيار بشير حية فيهم وبطرك الحياد النشيط واستراتيجية سامي الجميل الدفاعية المليئة بالنواضير!
كنا نفرح بفتح التلفزيون وبالرسوم المتحركة قبل العَرْض العرمرمي الأسطوري في ساحة المدينة الذي كان ينتهي برف الحمام والعنزة. وحتى اليوم لم أُدرك كنه وسر هذه العنزة. ربما كانت رمزياً تعبر عنا نحن المشدوهين بعرض الإستقلال المُهيب. الله أعلم. كنا مخدوعين بمظاهر القوة الدخانية بينما تكشف الوثائق الأميركية أن كل رؤوساء لبنان (ما عدا لحود وعون) كانوا مجرد مأمورين لدى البيت الأبيض وكان كل همهم التآمر على الشعب اللبناني المُطالِب بالتغيير والعدالة، وعلى الشعب الفلسطيني الصابر.
وبقي كتاب التاريخ المدرسي يروي لنا الحدوثة المزيفة حتى وقوع الحرب الأهلية، بنظرة آحادية مزوَّرة من دون التصريح ولا التلميح لصانعي هذا الإستقلال الحقيقي من أبناء جبل عامل وعشائر بعلبك والبقاع والحزب السوري القومي الإجتماعي، الذي عمره أكبر من لبنان، والحزب الشيوعي ومعروف سعد وغيره في صيدا وطرابلس حتى المقاومات الوطنية والفلسطينية والإسلامية الحديثة التي روت الأرض بدماء مجاهديها الأبرار.
واليوم يعيد النظام القواد (لا ينطبق هذا على العهد الحالي الذي حمَّلوه كل الأوساخ منذ الإستقلال لسبب معروف، بل النظام بأكمله)، بعد كل ما جرى، الكرَّة ولا يستحي وسط الإنهيار أن يقيم عرضاً عسكرياً رغم الضائقة الرهيبة التي يعيشها الناس والحرائق الحرجية والإقتصادية والسياسية وآخرها مهزلة وزير الداخلية المولوي الواضحة بمعاملته المُغايرة لوفدين رياضيين من إيران والإمارات حيث قيل لنا أن هذه حكومة إختصاصيين مستقلين ولكن في مسخ الوطن الوزراء هم ممثلون لطوائفهم وأحزابهم وكل عمل يقومون به هو منحاز ومشبوه، لكن مشكلة محور المقاومة ضعفه الإعلامي أو ترك حقه دوماً في بلد اللاأخلاق! مثلاً هل سمع أحد تذمراً ما من وزير الصحة الجديد (المُختفي بلا حس ولا صوت) الذي خَلَفَ الوزير حمد؟ فبعد تعيين الأبيض كأن أزمة الدواء والكورونا وكل الكوارث تبخَّرَتْ بسحر ساحر.
هذا هو شبه الوطن العصي على كل شيء حتى الكرامة التي أعادتها له العين الساهرة لحراس الثغور رغم جحود ناكري الجميل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى