تحقيقات - ملفات

شارل أيوب يكتب: الرئيس القوي في طائفته ضعيف في الدولة

شارل أيوب-الديار

 

إن التغيير في لبنان هو شبه مستحيل نظراً للإنقسام العامودي بين الطوائف الاربع الكبرى وهي: المسيحيون والسنة والشيعة وطائفة الموحدين الدروز.

تتقاسم هذه الطوائف الأربع الرئاسات العليا وكافة الوزارات والادارات العامة وغيرها.

وقد جاء انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على أساس أن الرئيس الأقوى في طائفته يجب أن يكون في المنصب المخصص للطائفة، وهكذا تم انتخاب الرئيس عون على أساس أنه رئيس أكبر تكتل مسيحي ولديه شعبية مسيحية كبيرة.

في حين وصلنا اليوم إلى أن الرئيس عون لم يعد الأقوى مسيحياً وليس هو الرجل القوي في الدولة في ظل تنازع الرئاسات الأولى والثانية والثالثة والأحزاب مما جعل الامور تنقلب رأساً على عقب.

الرئيس الراحل فؤاد شهاب كان لقبه محمد شهاب لدى المسيحيين لأنه كان معتدلاً وغير طائفي ولا يفتش أن يكون الأقوى في طائفته المارونية ولدى المسيحيين. مع ذلك كان الرئيس الراحل فؤاد شهاب لا يملك شعبية مسيحية لكنه كان الرجل الذي حكم لبنان كأقوى رئيس جمهورية وكان قوياً في الدولة اللبنانية بدرجة ممتازة وعالية وكان له القرار الأول في حين أنه لم يكن يملك شعبية مسيحية قوية.

المعادلة في لبنان أصبحت كلما كنت قوياً في طائفتك تكون ضعيفاً في الدولة اللبنانية أو لا تمتلك إلا تأييد أبناء طائفتك دون شعبية لدى بقية الطوائف التي تؤلف مجموع الشعب اللبناني.

كذلك كان الرئيس الراحل الياس سركيس من دون شعبية مسيحية وكان رئيس الجمهورية رحمه الله الذي التفّ حوله اللبنانيون وحكم لبنان دون نزاع مع طوائف أخرى بل جمع شمل الطوائف الأخرى وكان رجل الدولة من الطراز الأول.

أما إذا نظرنا بعد انتهاء ولاية الرئيس الياس سركيس الى عهد الرئيس أمين الجميّل الذي كان رئيس أكبر حزب مسيحي وهو حزب الكتائب فإنه لم يستطع كسب شعبية لدى بقية الطوائف غير المسيحية ولم يستطع أن يكون رئيس الدولة القوي القادر على اتخاذ قراراته وتنفيذها على كامل الأراضي اللبنانية طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار الوجود الفلسطيني المسلّح.

الرئيس عون وصل إلى الحكم كرئيس أكبر حزب مسيحي وكتلة نيابية مسيحية فإذا به لا يستطيع أن يكون رئيس الدولة القوي في إدارة شؤون البلاد مما أوصلنا بعد خمس سنوات من ولايته الى كارثة الكوارث أو الى جهنم كما وصفها الرئيس عون هو شخصياً.

ربح عون في طائفته شعبية مسيحية لكنه خسر الكثير منها لاحقاً وما الأزمة التي نعيشها حالياً إلا ناتجة عن عدم القدرة لدى الرئيس عون على إدارة الأزمة بل العكس انفجرت الأزمة والكارثة الاقتصادية والمالية والاجتماعية بشكل مريع حيث قال البنك الدولي منذ ثلاثة أشهر بعد دراسة دقيقة للوضع اللبناني أن لبنان لم تحصل فيه أزمة مثل التي هي حاصلة فيه حالياً منذ ١٥٠ سنة حتى الآن.

واذا انتقلنا من مستوى الرؤساء الثلاثة وهم الرؤساء عون وبري والحريري لوجدنا أن شعبيتهم هي في أنهم لم يستطيعوا توحيد الشعب اللبناني وتشرذمت الطوائف أكثر وأكثر. وعندما نقول ننتقل من الرؤساء فإننا ننتقل الى قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي ابتعد كليّاً عن السياسة ولم يسع كقائد جيش ماروني وهو يتولّى أحد أهم المراكز العليا في الدولة أن يسعى الى سياسة مسيحية. فانفجر البلد في ثورات ومظاهرات وشعب معذب وفقير ومع ذلك حافظ على 100 ألف ضابط ورتيب وجندي موحدّين وهكذا كان الرجل القويّ في الدولة اللبنانية وليس في طائفته، بل لدى كل الطوائف.

النظام الطائفي في لبنان قاتل يمنع التغيير لأنه نظام طائفي مذهبي فرئيس مجلس القضاء الأعلى ماروني يختاره رئيس الجمهورية ويكون قريباً اليه.

والمدعي العام التمييزي من الطائفة السنية يكون من اختيار رئيس الحكومة أو من الشخصيات القريبة من رئيس مجلس الوزراء الى أقصى حد.

أما المركز القضائي الثالث فهو النائب العام المالي الذي يتولاه القاضي علي إبراهيم وهو مركز ضد الفساد والمخالفات على مستوى الدولة واختاره الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله وخاصة حركة أمل. وهكذا يصبح القضاء منقسماً على نفسه لأن القضاة يتقاسمهم في المراكز العليا الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري.

ونعود الى المبدأ الأساسي أن كل من يسعى الى شعبية في طائفته يصبح ضعيفاً في الدولة اللبنانية وحتى لدى طائفته مثلما حدث مع الرئيس العماد ميشال عون ولا يعود قوياً في الدولة اللبنانية، بل يمتلك الرؤساء الثلاثة والنظام الطائفي أهم الوظائف في الدولة اللبنانية في حين يكون بينهم وبين بقية الطوائف وادٍ سحيق وكبير وتدير كل طائفة شؤونها برئاسة الرجل الأقوى في طائفته والاضعف في دولته.

هل يحصل تغيير في نظامنا الديموقراطي الطائفي والتوافقي؟ والجواب كلا لن يحصل أي تغيير لأن الطائفية والمذهبية ومبدأ اعتماد الرجل القوي في طائفته ليكون مسؤولاً عن البلاد أو قطاع كبير في لبنان يجعل التغيير مستحيلاً لأن كل زعيم لا يحكم الا من أبناء طائفته ومذهبه.

وقانون الانتخاب النيابي الذي قسّم الدوائر الانتخابية الى دوائر مذهبية وطائفية جعل التغيير شبه مستحيل. وإذا حصل لن يكون أكثر من 10 الى 15%.

لبنان لن يخرج من أزمته الا اذا تمّ تطبيق الدولة المدنية وليست الدولة المذهبية والطائفية مع تقسيم لدوائر انتخابية مختلطة تضم المذاهب والطوائف سوية والا لا تغيير ولا تقدّم بل استمرار في الانتقال من أزمة الى أزمة مثلما حصل منذ ميثاق 1943 وحتى يومنا سنة 2021.

شارل أيوب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى