قمة الجزائر… قمة الأسد
ناصر قنديل-البناء
– على رغم الإعلانات الأميركية المتكررة عند كل تقارب عربي مع سورية، عن عدم الموافقة على هذا التقارب قبل أن “يغير النظام سلوكه ويتقدم على طريق الحل السياسي” إلى نهاية المعزوفة، يصعب الاقتناع بأن هذا الموقف الأميركي هو أكثر من مجرد معزوفة تقليدية تحاكي الذين يعارضون هذا الانفتاح من بين حلفائها، فواشنطن ليست محللاً سياسياً لتعبر عن موقفها ببيان يتم التمرد على مضمونه من أقرب المقربين إليها، لو كان الأمر يعتبر عندها من الأساسيات، فتضع واشنطن الضوء الأصفر لعودة العلاقات مع سورية بين حلفائها، وتترك لهم أن يقرأوه بحسب رغباتهم ومصالحهم، فالراغب بالعلاقة يراه أخضر، والساعي للقطيعة يعتبره أحمر.
– الضوء الأصفر يأتي بعد ضوء أحمر مشدد، وحرب ضروس، فهو إذن طريق التراجع المنظم، لضمان أقل الخسائر، وما بعد الانسحاب من أفغانستان لم يعد هناك سبب استراتيجي للبقاء الأميركي في سورية، ولا للعداء مع سورية، فمشروع إسقاط سورية قد سقط، ومشروع تقسيمها يسقط، ومشروع تقاسمها مردود لأصحابه، البقاء في سورية والخصومة معها سقفهما نضوج أوضاع حلفاء لواشنطن سيدفعون ثمن الانسحاب وإنهاء الخصومة، وفي طليعتهم “إسرائيل” التي تستشعر تنامي محور المقاومة وتخشى معادلاته الجديدة بعد الانسحاب، والجماعات الكردية المسلحة التي أقامت كانتوناً في ظلال الوجود الأميركي، والرئيس التركي الذي يخشى تسارع خلط أوراق يهدد ما يعتبره أوراقاً هامة يمسك بها لضمان حضور سياسي وأمني في معادلة سورية المقبلة.
– الضوء الأصفر الأميركي هو تعبير عن السياق التراجعي بعد قرار أميركي بالحرب على سورية، والسياق التراجعي ينسجم مع محاولة تهيئة الظروف لولادة نظام إقليمي يملأ الفراغ بعد الانسحاب الأميركي الذي بات حتمياً في ضوء المسار الاستراتيجي الذي بدأ من أفغانستان، فالضوء الأصفر يفتح الباب موارباً لكل اللاعبين الإقليميين من حلفاء واشنطن الذين لا تعقيدات تحول دون انفتاحهم على سورية، وهم يرون انتصارها، ويرون كل من زاوية، إما الحاجة لتوازن بوجه تركيا كحال مصر، أو بوجه إيران كحال دول الخليج، أو بوجه إسرائيل كحال الجزائر، لا يتحقق من دون سورية، وكما لا يخفي المصريون أن لا تهديد للأمن القومي العربي بحجم التهديد التركي، لا يخفون أن لا مواجهة لهذا التهديد من دون سورية، ومثلهم يفعل الخليجيون في الحديث عن إيران، ويرون أن الانفتاح على سورية يحقق التوازن مع إيران بداية في سورية، ثم ينشط دور سورية لإقامة التوازن في كل من العراق ولبنان، ليفتح الطريق لاحقاً لدور سوري في الحوار الخليجي- الإيراني، حيث وحدها سورية تستطيع أن “تمون” على طلبات من إيران لن تأخذ منها بغير “المونة”، وحيث وحدها سورية “تمون على حزب الله” وتستطيع أن تحصل منه على طلبات لا تؤخذ منه إلا بـ “المونة”، أما الذين يؤمنون بأن الخطر الإسرائيلي لا يزال هو الخطر الأول على دول وشعوب المنطقة كما تؤمن الجزائر ومعها شارع عربي كبير، فسورية هي حجر الرحى بين الدول العربية في إنشاء التوازن الاستراتيجي بوجه التغول الإسرائيلي السياسي على رغم التراجع العسكري، كما يقول التمدد الإسرائيلي في أفريقيا.
– تأتي القمة العربية المقبلة في الجزائر في الربيع المقبل، موعداً مناسباً لتقدم مسارات الانفتاح على سورية، وصولاً لتتويجها بحضور الرئيس السوري بشار الأسد قمة الجزائر، لتشكل القمة مدخلاً لإحياء المؤسسة العربية الرسمية التي تعطلت منذ الحرب على سورية، وتموضع أغلب النظام العربي على جبهاتها، فيعيد الحضور السوري بعض الحياة لنظام عربي ميت، ليشكل هذا النظام بثلاثيته في النظر لمخاطر الأمن القومي نحو تركيا وإيران و”إسرائيل”، أحد أركان نظام إقليمي جديد تقول المصلحة العربية إنه يقوم على تعاون مع إيران، وإدارة نظام مصالح مع تركيا، والتحصن بوجه الخطر الإسرائيلي، ويسعى بعض العرب لجعله نظام تعاون مع “إسرائيل” وإدارة مصالح مع تركيا، وعداء لإيران، ويسعى آخرون لجعله نظام تعاون مع تركيا وإدارة مصالح مع كل من إيران و”إسرائيل”، وتشكل سورية بيضة القبان في ترجيح الخيارات، وهذا مصدر الحاجة إليها والخوف من حضورها في الآن نفسه.