الحدث
إما عزل أتباع إيران في العراق.. أو ابتزازهم
مقتدى الصدر
النهار العربي-فاروق يوسف
حين يتحدث مقتدى الصدر عن خططه لتشكيل حكومة أغلبية في العراق، فإنه كمَن يهدد أتباع إيران بعزلهم في دائرة المعارضة، بكل ما يعنيه ذلك العزل من حرمان من الهيمنة على مصير الدولة العراقية، ومن المشاركة في الاستيلاء المفتوح على مواردها المالية.
أما حين تشترط أحزاب ذات مرجعيات كردية وسنية أن تتوحد القوى الشيعية، الفائزة والخاسرة على حد سواء، في تحالف يكون نواة لتحالف سياسي يضم الجميع، فلأنها ترغب في أن تضمن مكاناً لها في حكومة شراكة تقوم على أساس تقاسم المغانم بين الأحزاب كلها.
وليس المطلوب هنا أن تؤخذ تصريحات الصدر على محمل الجد، لما عُرف عنه من تقلب في الآراء والتوجهات. وقد لا تمثل تلك التصريحات إلا نوعاً من محاولة التشفي بهزيمة خصومه من الشيعة الذين يعرف أنهم لا يطيقون سماع اسمه.
على المستوى الواقعي، فإنه لن يتمكن من تشكيل حكومة أغلبية إلا إذا تحالف مع الأكراد والسنّة. الطرفان من جهتهما لا يسعيان إلى إغضاب القوى الشيعية التي يرغب الصدر في إلقائها خارج حلبة الحكم المباشر. وخاصة “تحالف الفتح” الذي يتزعمه هادي العامري. لا لشيء إلا لأن ذلك التحالف هو الواجهة السياسية للحشد الشعبي.
لا أحد يفكر في مواجهة إيران أو ارتكاب خطأ محرج يدخل في إطار التعرض لمصالحها في العراق. وإذا ما عرفنا أن القوائم السنية الفائزة يقودها رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي تربطه علاقات وطيدة بإيران من خلال نوري المالكي، كما أن الحزبين الكرديين “الديموقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني” يفضلان أن تكون علاقتهما بإيران طيبة دفعاً لأي تفكير مرتاب، فإن الصدر لن يتمكن من جذب الطرفين إلى تشكيل تحالف برلماني يكون في إمكانه أن يشكل حكومة أغلبية “وطنية” كما يصفها.
في المقابل، فإن القوى السياسية الشيعية التي دخلت في متاهة التشكيك بنزاهة الانتخابات، والتي اعتبرت خسارتها نوعاً من المؤامرة التي دُبرت في الخارج، لا تنظر بيأس إلى مستقبلها في السلطة، رغم شعورها بأنها لن تكون الأقوى كما كانت دائماً. هناك معادلات تغيرت هي انعكاس لتغير المزاج العراقي، إما أن تتفاعل إيجابياً معها فتربح ما تربحه أو ترفضها فتخسر كل شيء، وهو ما يخطط له الصدر مفتوناً بخطاب شعبوي يقدم مفهوم الوطنية على السياسة. وهو في الحالين يشير من طرف خفي إلى إيران.
دغدغة المشاعر المتمردة واضحة في ذلك الطرح الذي لا ينطوي على مشروع سياسي اقتصادي واضح. لا يتحدث الصدر إلا عن خطوط عامة مبهمة عن الإصلاح ومحاربة الفساد. ولكن ما هو الإصلاح وما هو الفساد؟ ذلك ما لا يتفق عليه اثنان، لأن على الصدر أن يصلح أولاً تياره وأن ينهي فساده.
ولكن ماذا يحدث لو نجح نوري المالكي، ومن ورائه إيران طبعاً، في استقطاب الكتلتين السنية والكردية إلى تشكيل تحالف برلماني، يكون هو الكتلة الأكبر التي يحق لها ترشيح رئيس وزراء للمرحلة المقبلة؟ هل سيرضى مقتدى الصدر الفائز بالانتخابات الذهاب إلى المعارضة؟ سنكذب لو افترضنا أن شيئاً من ذلك القبيل سيحدث. ذلك لأنه لا مقتدى ولا خصومه يفضلان أن يكون التيار الصدري معارضاً.
لا أحد يرغب في شحن الشارع بطريقة صدرية.
الصدريون خطرون إذا ما أُطلق سراحهم في اتجاه المنطقة الخضراء. ما لا يتحمله النظام السياسي أن يستعيد الصدر استعراضاته القديمة.
ذلك ما يمهّد لصورة العراق في المرحلة المقبلة. وهي مرحلة ستشهد إحباطاً للمشروع الصدري في إقامة حكومة أغلبية. سيعود الصدر إلى مكانه في النظام الطائفي شريكاً كما كان دائماً.
تلك نتيجة محبطة بالنسبة للصدريين خاصة. لا يزال خيال فقراء الشيعة عاجزاً عن إدراك حقيقة الموقع الذي يحتله التيار الصدري في خريطة الفساد القائم، بحيث إنهم يصدقون أن رئيس حكومة صدرياً سيكون ضابطاً لإيقاع إصلاحي سيقتلع الفساد والفاسدين من الجذور “شلع قلع” كما عبر مقتدى الصدر ذات يوم.
ما لا يعرفه الكثيرون أن فكرة أن يكون المرء إصلاحياً بطريقة مقتدى الصدر تعني أنه سيعمل على أن يحسّن من صورة النظام السياسي القائم، فهو ليس عدوّه بل كان ولا يزال جزءاً منه. وإذا ما كان الصدر قد مثّل في بعض أحواله دور المتمرد المعارض، فإن مصالحه في الدولة ظلت مصانة ولم تُمس، ودوائره الاقتصادية استمرت في جباية ضرائبها من الوزارات التابعة لتياره.
سيكون صادماً بالنسبة الى الحالمين بالإصلاح أن لا يتمكن الصدر من تشكيل حكومة الأغلبية التي وعد بها. فما لا يرغب الكثير من أتباعه في تصديقه، أن زعيمهم يختلف مع ممثلي إيران في العراق من غير أن يجرؤ على الإضرار بمصالحهم. ذلك لأن ما يجمعه معهم هو أكبر مما يفرّقه عنهم. فبغض النظر عن شعاراته الوطنية، فإن صلته العقائدية بإيران هي عنوان وجوده الطائفي، كما أن حصته من موارد العراق المالية هي جزء من نظام تقاسم الغنائم بين الأحزاب الحاكمة. التيار الصدري هو ابن النظام القائم على المحاصصة، ولا يمكن أن تؤدي نشوة النصر به إلى ارتكاب حماقة التنكر لذلك النظام ومحاولة هدمه من الداخل.
إن أقصى ما يمكن أن يحصل عليه الصدر من انتصاره الانتخابي أن يزيد من حصته من الوزارات، وقد يستولي على واحدة من الوزارات السيادية. ذلك ثمن باهظ، لكن الأحزاب الشيعية التي يضمها ما صار يُسمى بالإطار التنسيقي ستضطر إلى أن تدفعه مقابل أن يضمن الصدر لها أربع سنوات أخرى خالية من صداعه.