أزمات مستجدّة لم تكن في الحسبان… كيف يعيشها اللبنانيون؟
اندريه قصاص Andre Kassas
يعيش اللبنانيون كل يوم بيومه. ومع كل إشراقة شمس يتفاجأون بخبر جديد “يسمّ لهم بدنهم”. وعلى رغم ذلك نراهم قد إعتادوا على التعايش مع الأزمات القديمة – الجديدة، إذ ما همّ الغريق من البلل، خصوصًا أن لا حول لهم ولا قوة حول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ووقف مفاعيل إنفجار المرفأ، وإستعادة أموالهم المصادرة، وتحصين الليرة اللبنانية أمام “غول” الدولار، الذي إلتهم قدرتها الشرائية، وجعل اللبنانيين الذين كانوا في أغلبيتهم ينتمون إلى الطبقة الوسطى “المرتاحة على وضعها” ما دون خطّ الفقر، وذلك قياسًا إلى بقية الشعوب التي تتمتع بالحدّ المقبول من الأمان الإجتماعي، أقّله بالنسبة إلى “المثلث الميمي”، أي المستشفى والمدرسة والمنزل، وهي من أساسيات الشعور بالأمان والإستقرار.
وعلى رغم إنعدام كل تلك المقومات الأساسية يبدو أن اللبنانيين المغلوب على أمرهم “غيرالطالع بأيديهم أي شيء” قبلوا بالهمّ، ولكن هذا الهمّ لم يتركهم بحالهم، وهو بات يلاحقهم في كل لحظة من لحظات حياتهم، حتى أن الأزمات القديمة قد أصبحت تتوالد وتتناسخ، بحيث أصبح الشعب يقف اليوم أمام ثلاث أزمات لم تنته مفاعيلها بعد وانعكاساتها الخطيرة جدا على وضع البلد ومستقبله، على رغم الجهود التي يقوم بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي لا تتوافر لديه الكثير من الخيارات الممكنة والمقبولة سوى الإستمرار في “المباطحة” بهدف تذليل ما يمكن تذليله من عقبات في محاولة منه لإخراج لبنان من عنق الزجاجة الطويل. وهذه الأزمات المستجدّة، والتي لم يكن أحد يحسب لها حساب، وقد أضيفت على سابقاتها من المشاكل اليومية، هي:
الأزمة الأولى: تعطيل الحكومة سعيًا إلى مقايضة سياسية عنوانها إعادة تفعيل العمل الحكومي مقابل كف يد المحق العدلي في إنفجار مرفأ بيروت ّ القاضي طارق البيطار، وهذا النوع من التعطيل تحّول قاعدة في ممارسة بعض من إعتبرهم الرئيس ميقاتي “مخطئين” في حساباتهم وتقديراتهم ومراهناتهم، إذ أصبح كل “شاطر بشطارته” بالمعنى السلبي لكلمة “شاطر”، بحيث أصبحت مقولة “يا بتعملولنا شو ما بدنا أو منعطّل العمل الحكومي وشّل البلد” دارجة ومن عدّة الشغل في المفهوم الجديد للعمل السياسي القائم على مبدأ “القطعة”.
ـ الأزمة الثانية: اللجوء إلى العنف والقوة تحقيقا لما يعجز البعض عن تحقيقه في السياسة والقضاء، وهذا ما حصل في مشهدية حوادث الطيونة، حيث إستعمل السلاح في غير مكانه الطبيعي، وحيث حلّت الغرائز مكان لغة العقل والحوار البنّاء والإيجابي.
الأزمة الثالثة: تتعلق بعلاقات لبنان الخارجية، وتحديدًا الخليجية، التي شكّلت الرئة الإقتصادية للبنان على مدى سنوات الإزدهار والبحبوحة، خصوصًا أن لبنان تميّز تاريخيًا بميزتين أساسيتين: نمط عيش اللبنانيين في مساحة واسعة من الحرية، وعلاقاته الخارجية التي حّولته جسرًا بين الشرق والغرب، ومساحة يلتقي فيها أبناء الشرق والغرب.
لكن ما يحصل اليوم، وعن سابق تصّور وتصميم، هو بكل بساطة دفع اللبنانيين إلى الهجرة أولًا، وإلهاء من تبقّى منهم بأوضاعهم الحياتية الصعبة ثانيًا، وعزله عن العالم البعيد والقريب ثالثًا، تحت عنوان عريض، هو الإنقلاب على دوره التاريخي وتغيير هويته وضرب تعدديته وإلغاء مساحة حريته، وتعديل دستوره بكل الوسائل المتاحة.
المصدر: لبنان 24