ٍَالرئيسية

استراتيجية الوهابية في نشر الكراهية!

مؤسس الوهابية اللإرهابية الشيخ محمد بن عبد الوهاب

كانت استراتيجية الشيخ محمد بن عبد الوهاب تقوم على الحثّ على نشر دعوته ولو بالقوة، حيث “أدخل في عقول طلابه مبادئ فريضة الجهاد المقدّس، فوجد الكثيرون منهم في الجهاد أقدس تعاليمه، إذ أنّه يتفق مع ما اعتاد عليه العرب، كما خصّص الشيخ خُمس ما في الخزينة المركزية، التي كان الامير والإمام يتقاضيان منها ما يقوم بتجهيز معاركهما ودعوتهما للجهاد. وهكذا كان بإمكان لابن عبد الوهاب التصرف في شؤون البلاد، ومع مرور سنة او سنتين، أصبح شريكاً مؤسساً للدولة السعودية”.  

بعد أن شعر ابن عبد الوهاب بقوّته، جمع أنصاره وأتباعه، وحثهم على الجهاد، وكتب إلى البلدان المجاورة المسلمة أن تقبل دعوته، وتدخل في طاعته، وكان يأخذ ممّن يطيعه عشر المواشي والنقود. “ومن خالفه، غزاه بأنصاره، وقتل الأنفس، ونهب الأموال، وسبى الذراري”، وكان شعاره: “أُدخل في الوهابية أو القتل لك، والترمل لنسائك، واليتم لأطفالك”، و”لما قام ابن عبد الوهاب ومن أعانه بدعوتهم، ملكوا قبائل الشرق قبيلةً بعد قبيلة، ثم اتسع ملكهم، فملكوا اليمن والحرمين وقبائل الحجاز وبلغ ملكهم قريبًا من الشام، حيث أن ملكهم قد وصل إلى المزيريب، وكانوا في ابتداء أمرهم قد أرسلوا جماعةً من علمائهم إلى علماء الحرمين لكي يدعونهم إلى عقائدهم، فلما وصلوا وذكروا لعلماء الحرمين عقائدهم وما تملّكوا به، رد عليهم أولئك العلماء وأقاموا عليهم الحجج والبراهين التي عجزوا عن دفعها، وتحقق لعلماء الحرمين جهلهم وضلالهم، ونظروا إلى عقائدهم فوجدوها مشتملةً على كثير من المكفرات. فبعد أن أقاموا البرهان عليهم؛ كتبوا عليهم حجةً عند قاضي الشرع في مكة؛ تتضمن الحكم بكفرهم بتلك العقائد ليشتهر بين الناس أمرهم، فيعلم بذلك الأول والآخر. وكان ذلك في مدة إمارة الشريف “مسعود بن سعيد بن سعد بن زيد”، المتوفى سنة خمس وستين ومائة ألف، الذي أمر بحبس أولئك، فحُبسوا وفرَّ بعضهم إلى الدرعية، فأُخبر أهلها بما شاهدوه فازدادوا عتوًّا واستكبارًا.

صار أمراء مكة بعد ذلك يمنعون وصولهم للحج، فصاروا يغيرون على بعض القبائل الداخلين تحت طاعة أمير مكة، ثم نشب القتال بينهم وبين أمير مكة الشريف ” بن زيد”، وكان ابتداء القتال بينهم وبينه من سنة خمس بعد المائتين والألف ووقع بينهم وبينه وقائع كثيرة، قُتل فيها خلائق كثيرون. ولم يزل أمرهم يقوى وبدعتهم تنتشر، إلى أن دخل تحت طاعتهم أكثر القبائل والعرب، الذين كانوا تحت طاعة أمير مكة. وفي سنة سبع عشرة بعد المائتين والألف، ساروا بجيوشٍ كثيرةٍ حتى نزلوا الطائف وحاصروا أهله، في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة، ثم تملّكوهُ وقتلوا أهله رجالاً ونساءً وأطفالاً، وكانوا يذبحون الطفل الرضيع على صدر أمه، وما نجا منهم إلا القليل، وقد نهبوا جميع أموالهم.

وكانت جماعة من أهل الطائف قد خرجوا قبل ذلك هاربين، فأدركتهم الخيل وقتلت أكثرهم وفتشوا على من توارى في البيوت وقتلوه وقتلوا من في المساجد وهم في الصلاة. كما ودخل نعشرون رجلاً إلى بيت الفتنى ومائتا رجل إلى بيت الفعر، وامتنعوا عن التسليم وقاتلوا ثلاثة أيام، فراسلهم ابن شكبان بالأمان وقال أنتم في وجه ابن شكبان وعثمان، وأعطوهم العهود فكفوا عن القتال، فأرسلوا جماعة أخذوا منهم السلاح وقالوا لا يجوز للمشركين حمله، ثم أمروهم بالخروج لمقابلة الأمير، فأمر بقتلهم فقُتلوا جميعاً بقوز يسمى دقاق اللوز. وكان في بيوت ذوي عيسى نحو الخمسين متترسين يرمون بالرصاص فأخرجوهم بالأمان على النفس دون المال، فسلبوهم وأخرجوهم إلى وادي وج وتركوهم فيه مكشوفي السوأتين، ومعهم النساء، حتى رموا عليهم أطماراً باليةً، ثم عاهدوهم بعد ثلاثة عشر يوماً على التوهب، فصاروا يتكففون الناس فيعطى السائل الحفنة من الذرة يقضمها، وصارت الأعراب تدخل كل يوم إلى الطائف وتنقل المنهوبات إلى الخارج، حتى صارت كأمثال الجبال فأعطوا خمسها للأمير واقتسموا الباقي”.  “ثم أرادوا المسير إلى مكة، فعلموا أنّ مكة في ذلك الوقت فيها كثير من الحجاج، ويقدّم إليها الحاج الشامي والمصري، فيخرج الجميع لقتالهم فمكثوا في الطائف إلى أن انقضى شهر الحج، وتوجّه الحجّاج إلى بلادهم وساروا بجيوشهم يريدون مكة؟ ولم يكن لـ”الشريف غالب” قدرةً على قتال جيوشهم، فنزل إلى جدة، فخاف أهل مكة أن تفعل الوهابية معهم مثل ما فعلوا مع أهل الطائف فأرسلوا إليهم وطلبوا منهم الأمان لأهل مكة، فأعطوهم الأمان، ودخلوا مكة ثامن محرم من السنة الثامنة عشرة بعد المائتين والألف، ومكثوا أربعة عشر يومًا، يستتيبون الناس ويجددون لهم الإسلام على زعمهم، ويمنعونهم من فعل ما يعتقدون أنّه شرك كالتوسل وزيارة القبور، ثم ساروا بجيوشهم إلى جدة لقتال “الشريف غالب”، فلما أحاطوا بجدة رمى عليهم بالمدافع فقتل كثيرًا منهم ولم يقدروا على تملّك جدة، فارتحلوا بعد ثمانية أيام، ورجعوا إلى بلادهم وجعلوا لهم عسكرًا بمكة وأقاموا لهم أميرًا فيها، وهو “الشريف عبد المعين” أخو “الشريف غالب”، وإنّما قبل أمرهم ليرفق بأهل مكة ويدفع ضرر أولئك الأشرار عنهم.

وفي شهر ربيع الأول من السنة المذكورة، سار الشريف غالب من جدة ومعه والي جدة من طرف السلطنة العليا وهو “شريف باشا” ومعهما العساكر، فوصلوا إلى مكة وأخرجوا من كان بها من عساكر الوهابية ورجعت إمارة مكة لـ”الشريف غالب”، ثم بعد ذلك تركوا مكة واشتغلوا بقتالٍ كثيرٍ مع القبائل.

 وصار الطائف بأيديهم وجعلوا عليه أميرًا (عثمان المضايفي)، فصار هو وبعض جنودهم يقاتلون القبائل التي في أطراف مكة والمدينة، ويدخلونهم في طاعتهم، حتى استولوا عليهم وعلى جميع الممالك، التي كانت تحت طاعة أمير مكة. فتوجه قصدهم بعد ذلك للإستيلاء على مكة، فساروا بجيوشهم سنة عشرين وحاصروا مكة وأحاطوا بها من جميع الجهات وشددوا الحصار عليها وقطعوا الطرق ومنعوا العير عن مكة.

واشتد الحصار على أهل مكة حتى أكلوا الكلاب لشدة الغلاء وعدم وجود القوت، فاضطر الشريف غالب إلى الصلح معهم، وتأمين أهل مكة، فوسط أناسًا بينه وبينهم فعقدوا الصلح على شروطٍ فيها رفقٌ بأهل مكة، فمن تلك الشروط أنّ إمارة مكة تكون له فتمّ الصلح ودخلوا مكة، وتملكوا المدينة المنورة وانتهبوا الحجرة وأخذوا ما فيها من الأموال، وفعلوا أفعالاً شنيعة، وجعلوا على المدينة أميرًا منهم “مبارك بن مضيان”، واستمر حكمهم في الحرمين سبع سنين، ومنعوا دخول الحج الشامي والمصري مع المحامل إلى مكة، وصاروا يصنعون للكعبة المعظمة ثوبًا من العباء القيلان الأسود، وأكرهوا الناس على الدخول في دينهم، ومنعوهم من شرب التنباك ومن فعل ذلك واطّلعوا عليه عزروه بأقبح التعزير، وهدموا القبب التي على قبور الأولياء”.  لقد كان لسيطرة الوهابية على مكة المكرمة والمدينة المنورة الأثر الاكبر لنشر مذهبها، خلال مواسم الحج حيث يزور هاتين المدينتين ملايين الحجاج المسلمين، فضلاً عن دور رجال الدين الذين زاروا السعودية وتماهوا مع عقائد الوهابية، ونقلوها الى بلاد المسلمين، بالإضافة الى دور السلطات السياسية السعودية، التي حرصت على نشر هذا المذهب في البلاد المجاورة لها وكذلك بلاد الغرب.

 وعلى سبيل المقاربة، فما أشبه ما قام به تنظيم “داعش” الوهابي الإرهابي مع أهل العراق وسوريا، ما فعله أنصار ابن عبد الوهاب مع أهل مكة وغيرها من أجل بناء الدولة ونشر عقائدهم الخاصة. حيث لم يكتفوا بذلك، بل غزو البلاد المجاورة مثل سوريا وعاثوا فيها الفساد. والمقارنة بين هاتين الدولتين لا تجلعنا نسجّل فوارق كثيرة، إلا لناحية تبدل الزمان والمكان، واختلاف الوسائل المستخدمة نتيجة التطور التكنولوجي الحاصل، وهذا ما سوف سنتطرق إليه في أوانه. حيث أنّ المُتتبّع لمسار تنظيم “داعش” وأفكاره، يرى عدم وجود أيّ فرق بين هذا الفكر المتطرف وتعاليم الوهابية إلاّ بالأساليب والتقنيات المستخدمة، مع فوارق ضرورية لخدمة هذه الأفكار، بالتوافق مع ما يريده العصر التقني الذي يبهر المشاهد من خلال الصور وتقنيات الإعلام المتطور، علماً أن آلات التصوير كانت محرمة لدى الوهابيين.

ويمكن هنا مقاربة السياسة السعودية، اليوم، مع هذه السياسة، التي تقوم على القوة والخشونة واستخدام السلاح في العلاقات مع الجيران كاليمن، ومع الدول العربية والإسلامية من خلال التحدي ومحاولة السيطرة والاقصاء.


الكاتب: د.علي مطر

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى