الأزمة المعيشية ذاهبة نحو الأسوأ والمخارج مفقودة…
سفير الشمال-عبد الكافي الصمد
الأيّام الأسوأ التي جرى التحذير منها في المرحلة السّابقة، وأنّ لبنان لم يصل إليها بعد، يبدو أنه دخلها مؤخّراً، وبدأ اللبنانيون يلمسون صعوباتها ويعيشونها، بعدما ظنّوا للوهلة الأولى أنّهم لن يصلوها يوماً، لكنّهم أصيبوا بخيبة أمل.
قبل أيّام حذّر خبراء إقتصاديون وماليون لبنانيون من أنّ الأشهر المقبلة ستكون الأقسى التي يمرّ بها لبنان منذ سنوات وعقود، وأنّ أشهر كانون الأول وكانون الثاني وشباط لن تترك شخصاً أو عائلة من غير أن يرزحوا تحت ضائقة معيشية خانقة، وأنّها سوف تشتد عليهم في الأشهر المذكورة تحديداً، وسط انقسام سياسي شلّ القدرة على أيّ بحث وجهد للخروج من الأزمة.
ينطلق هؤلاء الخبراء في توقعاتهم المتشائمة من أنّ هذه الأشهر على وجه التحديد هي أشهر فصل الشتاء الصعبة، والبرد القارس، وبما أنّ سعر صفيحة المازوت قد تجاوز 240 ألف ليرة، وسعر قارورة الغاز وصل إلى حدود 300 ألف ليرة، كما أنّ سعر طنّ الحطب ناهز سعره مليوني ليرة على الأقل، والتيار الكهربائي يخضع لتقنين قاس، فإنّ المواطنين سيعانون الأمرّين في سبيل تأمين “مونة” التدفئة في بيوتهم، وسط توقعات متشائمة لم تستبعد أن يستيقظ اللبنانيون على أخبار سيئة تتحدث عن وفاة أشخاص من البرد بسبب عدم قدرتهم على تأمين وسائل التدفئة لهم.
والشهور المذكورة هي أيضاً الشهور التي يتراجع فيها إنتاج الأراضي الزراعية من السلع الغذائية، وفي ظلّ تراجع نسب الإستيراد من الخارج بسبب إنهيار العملة المحلية وفروقات الأسعار، فإنّ أسعار السلع الغذائية الأساسية يتوقع لها أن تشهد إرتفاعاً هائلاً وخيالياً سيجعل أغلب العائلات غير قادرة على شرائها، ما يعني أنّ الجوع الذي حذّر كثيرون من أنه يقف على أبواب اللبنانيين قد دخل بيوتهم وأقام فيها.
مؤشّرات الأزمة التي أحكمت خناقها على رقاب اللبنانيين بدأت تترجم عملياً في توقف عائلات عديدة عن الإشتراك في مولدات الكهرباء الخاصة التي باتت فواتيرها الشهرية توازي مدخول أيّ عامل أو موظف، ما يعني أنّ العتمة ستكون السمة الغالبة في منازل الفقراء ومتوسطي الدخل.
ومن هذه المؤشّرات أيضاً أنّ ارتفاع أسعار المحروقات قد رفع تعرفة بدل النقل إلى أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الأزمة وبداية الإنهيار منذ سنتين، من غير أن يطرأ أيّ تحسّن على مدخول ورواتب العمّال والموظفين، ما اضطر بالكثيرين إلى التوقّف عن الذهاب إلى أعمالهم، كما دفع العديد من الطلاب إلى العزوف عن الذهاب إلى صفوفهم في المدارس والجامعات، خصوصاً الذين يقيمون في أماكن بعيدة عنها، أو الذهاب إليها مشياً إذا كانت المسافة إليها قريبة أو متوسطة.
كلّ ذلك دفع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى التحذير من أنّ لبنان يعيش أزمة لم يعرفها العالم منذ 150 سنة إلّا في 3 دول، منها لبنان، وبأنّه يقف على أبواب مجاعة حقيقية إذا لم يتم معالجة الأزمة قبل فوات الأوان، وانهيار الهيكل فوق رؤوس الجميع بلا استثناء.