مواجهة «أزمة في لبنان» مرتبطة بأزمة في المنطقة “التمدد الإيراني في المنطقة ليس نهراً جارفاً بلا عوائق وحواجز”
ليس أخطر من تأزم العلاقات اللبنانية مع السعودية ومعها دول مجلس التعاون الخليجي سوى أن يكون الذين مطلوب منهم الحل عناصر في الأزمة. وهي “ليست أزمة سعودية مع لبنان بل أزمة في لبنان”، كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان. أزمة جوهرها في العمق سيطرة “حزب الله” على ما بقي من الدولة في لبنان، وعلى سطحها ارتباك رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة في الدفاع عن مصلحة لبنان الوطنية. أزمة اندفاع “حزب الله” بالأصالة عن نفسه والوكالة عن جمهورية الملالي في إيران نحو إكمال التهجم السياسي على المملكة بالمشاركة مع الحوثيين في الاعتداء بالصواريخ والمسيرات المفخخة على المطارات والمدن السعودية. وأزمة الحسابات الضيقة التي تقود إلى الغطاء الرسمي لما يقوم به “حزب الله” في لبنان والمنطقة أو أقله إلى العجز عن دعوته إلى وقف انخراطه في حروب إقليمية تؤذي السعودية ومصالح لبنان واللبنانيين.
لكن المشكلة في لبنان ليست معزولة عن المشكلة في كل من العراق وسوريا واليمن. وهي تعود جميعاً إلى مصدر واحد: المشروع الإمبراطوري الإيراني تحت عنوان “تصدير الثورة”. وأكثر ما ساعد في تمدده هو الغزو الأميركي للعراق وإسقاط النظام والدولة معاً بقيادة الرئيس صدام حسين حارس “البوابة الشرقية” للأمة العربية والسد المنيع في وجه الاندفاع الإيراني نحو المنطقة.
الملالي يلعبون بثلاث أوراق: ورقة المقاومة الإسلامية لإسرائيل بحجة أن المقاومة العربية ضعفت أو انتهت، وورقة الحرب على “داعش” في العراق وسوريا، وورقة الاستنهاض المذهبي بداعي تصحيح “المظلومية التاريخية”.
وهكذا أقامت إيران في لبنان “حزب الله” لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي كواحدة من المهمات التي سيقوم بها في لبنان والمنطقة. وأسست “الحشد الشعبي” في العراق للهيمنة على البلد تحت عنوان “الحرب على داعش”. وتدخلت مباشرةً عبر الحرس الثوري و”حزب الله” وفصائل من “الحشد الشعبي” وميليشيات مشكَّلة من أفغان وباكستانيين دفاعاً عن النظام في سوريا. وقدمت كل أنواع الأسلحة والخبرة للحوثيين الذين انقلبوا على الشرعية في اليمن ويمارسون كل أشكال العدوان على السعودية.
ذلك أن جمهورية الملالي مستعدة للعمل بكل ما تملك من إمكانات لبناء قوتين: قوة نووية، وقوة كلاسيكية وميليشياوية أخطر منها في الداخل وعبر وكلائها في المنطقة، تستخدم الصواريخ والمسيرات وتمارس الإرهاب وتشكل ما سمته كوندوليزا رايس “المصرف المركزي للإرهاب”. لكن القوى العربية والدولية لم تفعل كل ما يجب لوقف التمرد الإيراني. أميركا وأوروبا مهجوستان بمنع طهران من حيازة قنبلة نووية، ومستعدتان للتساهل من أجل ذلك. العقوبات الأميركية القوية لم تؤثر في السلوك العدواني الإيراني ولا في حرب المشروع الإقليمي. القوى العربية تجرب الدبلوماسية والرهان على المجتمع الدولي وتدعم الجيش اليمني في مواجهة حرب الحوثيين. السعودية تقود المواجهة مع المشروع الإيراني ومن حولها مصر والإمارات والأردن.
العراق يحاول استعادة التوازن في علاقاته مع أميركا والعرب وإيران. سوريا في حرب لا تنتهي، وسط رهانات عربية ودولية على أن تقوم روسيا بإخراج إيران ووكلائها من البلد. ولبنان عاجز أمام “حزب الله” الذي أصبح أقوى من الجيش اللبناني وتغلغل في مفاصل السلطة والمجتمع، ويعمل كرأس حربة في المشروع الإيراني، ويراهن على قطيعة عربية ودولية للبنان.
لكن العجز في لبنان ليس قدراً لا يُرد، والاسترضاء الدولي لإيران ليس كل ما في سياسات الدول العظمى، والتمدد الإيراني في المنطقة ليس نهراً جارفاً بلا عوائق وحواجز. فلا “حزب الله” يستطيع أن يسيطر رسمياً على لبنان، لأن ذلك يفتح أمامه أبواب الصدام مع بقية الطوائف ويضعه أمام خيار صعب مع إسرائيل: تسوية تلغي كل خطابه المقاوم أو حرب تدمر لبنان، ولا العالم العربي خرج من التاريخ والجغرافيا، مهما تغولت على المسرح العربي إيران وإسرائيل وتركيا.
والكل في حاجة إلى إرادة سياسية واستراتيجية واقعية وتعاون لبناني وعربي ودولي، لإعادة إيران إلى حجمها العادي وتقوية الدول الوطنية في العالم العربي. وعهد الإمبراطوريات ولّى، وأيام الأنظمة الثيوقراطية صارت معدودة ومحكومة بالجمود في عالم متغيّر.
المصدر: اندبندنت عربيّة