صداقة شعبين على ضفتي نهر أراس لن تفسدها السياسة
منذ معاهدة “وستفاليا”، أصبح للحدود الجغرافية والخرائط أهميتها في العلاقات الدولية. وبحسب تعريف الدولة، أنها تقوم على ثلاثة أركان، الشعب، الأرض والسيادة، وكلّ بقعة جغرافية يُقال أن لها دولة، تسعى لتقوية تلك الأركان. تعدّ القومية أحد آثار تلك الهوية الحديثة، وقد أورثتنا نكبة الحربين العالميتين وخسائرهما الفادحة. ومن ثمارها، الوضع القائم حاليًا في أجزاء مختلفة من العالم، الإبادة الجماعية الأخيرة في البلقان، رواندا، بروندي وميانمار.
أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، ولمعرفتها أن التمييز العنصري من أهم أسباب انتهاك السلم والأمن، بادرت لوضع القوانين لمحاربة هذا النوع من التفكر ولمحاربة الأحزاب اليمينية المتطرفة. تلك القوانين التي نلمسها في الحياة اليومية في العديد من الدول الأوروبية، حيث نجد أن العدد الأكبر للملّونين وأتباع الديانات الأخرى غير المسيحية، يعيشون في كلّ من باريس، لندن، ألمانيا وهولندا. لقد أدركت أوروبا أن لا مفرّ من قبول كلفة هذا التنوع الثقافي لتجنب الكثير من الأضرار، طبعا ليس من باب الإحسان والإنسانية وإنما لسبب نفعيّ محض، فما زلنا نجد أثرًا للغرب في كل جريمة أو فضيحة عالمية.
إيران ومنذ أن اعتنقت الإسلام بإرادتها ورغبة منها، وبدعم حضارة تعود لمئات السنين، لعبت دورًا بارزًا وكبيرًا في الحياة الثقافية الجغرافية للمسلمين، من أسوار “فيينا” إلى جبال “ألتاي”، لدرجة أنّه خلال حكم امتد لمئات السنين، لثلاث امبراطوريات، في كلّ من نيودلهي، اصفهان واسطنبول، الذين بسطوا سلطتهم من حدود “برمه” إلى حدود امبراطورية “هابسبورغ”، كان لّلغة الفارسية، المعماريون والحرفيون الإيرانيون، الفقهاء والمؤرخون وغيرهم الحضور والدور الفعال فيها. لكن أدى تشكيل الدول – السيادات، أفول قوة الشرق وهجوم الاستعمار الغربي على البلاد الإسلامية، إلى جانب النزاعات بين تلك الأمبراطوريات الإسلامية الثلاث، لانفصال أجزاء من الأرض الإسلامية واحتلالها من قبل دولٍ غير إسلامية، من البوسنة إلى الجزائر والمغرب، ليبيا، تونس ومناطق شمال إيران، من “دربند” إلى ” فضولي” (في آذربيجان)، حيث الدماء الطاهرة لآلاف المجاهدين الإيرانيين من خراسان وطهران، من اللور والأكراد والبلوش والتبريزيين والأردبيليين، قد لوّنت أراضي وأنهار “آذرآبادكان” (آذربيجان).
ممالكٌ كانت تحت حكم غير المسلمين لقرون خلت، لكن لا القياصرة ولا المستبدين استطاعوا سلبهم عقائدهم القومية والدينية، فكم من مراثٍ ومراسم عزاء أقيمت سرًّا في حسينياتهم ومنازلهم. الثقافة التي لديها الكثير من أوجه الشبه مع إيران المسلمة، قواسم مشتركة مازلنا نشاهدها وبقوة حتى يومنا هذا، في أحد أهم الدول الشيعية في العالم.
الجمهورية الإسلامية وعلى الرغم من 30 عامًا من التقلبات الشديدة التي سادت العلاقات الدولية والإجراءات الحكومية لجمهورية آذربيجان والتي تخلو في بعض منها من الودّ والصداقة بما في ذلك نسْب المشاهير الإيرانيين لها، تسجيل الميراث المعنوي الإيرانيّ بإسمها والإتهامات الواهية لبلد تمكّن بمفرده من التصدي لثمانين بالمئة من عمليات تهريب المخدرات، وقدّم في سبيل ذلك أكثر من 3800 شهيدًا و12 ألف جريح (مصابين بإعاقات جسدية)، البلد الذي يحمل لواء محاربة المخدرات في كافة أنحاء العالم. بسعة صدرٍ وعلى أساس أن القواسم الثقافية المشتركة تعزز العلاقات، فصل حسابات الحكومات عن حسابات الشعوب، التأكيد على احترام القوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ومنها عدم تغيير الحدود، حق الشعوب في تقرير مصيرها، الحل السلمي للنزاعات، اجتناب التهديد واستخدام القوة في العلاقات الدولية، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلى جانب التأكيد على الحق المشروع في الدفاع عن النفس حسب المعايير الدولية.
المبادئ تؤكد الصداقة بين بلدين وشعبين على جانبي نهر”أراس”، وعلى الهوية الثقافية والحضارية المشتركة بين القوميات التي تعيش في تلك الأرض. لذا من الضروري أن ينتبه الحكام الذين يأتون ويغادرون إلى اهتمامات ومبادئ الناس الذين يعيشون على الساحل الغربي لبحر قزوين(الخزر)، وأن يتجنّبوا بحزمٍ أيّ انتهاك للقوانين والأعراف الدولية ومعايير حقوق الإنسان، وليعلموا أنهم زائلون لكن الشعوب باقية.
إن الإجراءات المخالفة لمبادئ حسن الجوار ومعايير العلاقات ومحاربة العقائد القومية والدينية لشعبهم، تصبّ تمامًا في مصلحة دول ثالثة تتحيّن الفرص للاصطياد في الماء العكر، سواء كانوا يقيمون في قصر “أكساراي” أو في “تل أبيب”.
يجب التحلّي بالوعي وعدم التفريط بالعلاقات الطيبة وحسن الجوار لأجل وعود واهية، والإسراع بالإجراءات التي تعيد المياه إلى مجاريها وتوطد العلاقات.
الكاتب: علي فهيم دانش