هل تؤسّس الحركات الاعتراضية قوة لمناهضة أحزاب السلطة؟
رمال جوني-نداء الوطن
ثمة ما يثير الريبة، ما سرّ الصمت الشعبي حيال ما يصيب يومياتهم المتشظية من عظم الأزمات؟ اللافت ان معظم المطاعم مكتظة بروادها، وحركة سير شبه عادية، وكأن الناس غير مبالية بما يصيبها من نكسات متتالية، وربما تحت تأثير الصدمة، ثمة من يقول ان مظاهر الترف داخل المطاعم والمقاهي لا تمثل سوى 2 بالمئة من الشعب اما الباقون فيلوذون بالفرار خلف أبواب منازلهم المكفهرة، الخاوية، والباردة في آن، وإن لجأ كثر لحطب الجفت المستخرج من الزيتون للتدفئة، كبديل ارخص قليلاً، رغم أنه لحق بالباقي وحلق بسعره، بعدما كان العاملون في انتاجه ينادون على الناس لاستخدامه كبديل رخيص، ولكنهم ركبوا موجة الغلاء واقتناص الفرص لتحقيق الوفر المادي. غير أن العائق امام المواطن يتمثل ايضا بسعر موقد الحطب الذي تخطى الـ4 ملايين ونصف للجديد والمليون ونصف المليون للمستعمل، وهي اسعار تضاهي ضعفي وثلاثة اضعاف الحد الأدنى للاجور، ما يعني أن الناس قد تنأى بنفسها عنها أقله في المدى المنظور، حيث تتراكم الازمات فوق بعضها، وتلوح في الافق ازمة الغاز والخبز مجدداً، وكأن الحكومة العتيدة تلاحق المواطن على “تمّه” لتسرق منه ما تبقّى من لقمته المغمسة بالشقاء والفقر.
صحيح ان مشهد الشارع لا يعكس حقيقة الناس، غير انه إن دل على شيء، فعلى حاجة الناس للترفيه ولو بسندويش وكوب عصير يتخطى سعرهما الـ150 الف ليرة، ولكن وفق تأكيد بعضهم “بس مرة بالشهر ترييح نفسية”.
غير أن اللافت أكثر هو لامبالاة كثر بما يدور في الفلك السياسي والاقتصادي، فآخر همهم ما يحصل شرط الّا يتم المس بـ”راس” النرجيلة، فهو المتنفس الوحيد الذي إن طالته الازمة خرج الناس عن بكرة ابيهم الى الشارع، وربما صوتوا ضد من فرض الضريبة على الأركيلة في صندوقة الاقتراع، وربما يمتنعون كنوع من تسجيل حركة اعتراضية غير اعتيادية في المنطقة.
واللافت أيضا ان تشكيل الحركات الاعتراضية في منطقة النبطية بدأ، فبعد سقوط الانتفاضة الشعبية في فخ التشرذمات والخلافات والانقسامات، جاءت “دعسة” حزب الكتلة الوطنية اللبنانية باتجاه مدينة النبطية لتجميع الحراك الشعبي، بمثابة خطوة في اتجاه تشكيل حركة اعتراضية منظّمة في المنطقة، على قاعدة في الاتحاد قوة شرط ان يكون مبنياً على قواعد ثابتة ومبادئ واضحة.
وجاء إعلان الورقة السياسية للكتلة من منطقة النبطية باحتفال حاشد، ليشكل نواة الحراك الاعتراضي في وجه أحزاب السلطة، اذ وضعت الكتلة سلسلة نقاط اساسية في ورقتها الانتخابية التي شكلت اولى الحملات الانتخابية، ولعل ابرز النقاط الوحدة الوطنية، اصلاح النقد، اصلاح القضاء والحفاظ على السيادة الوطنية فضلاً عن اشراك المرأة في العمل السياسي.
وعلى ما يبدو، تضع الكتلة الوطنية ثقلها في منطقة النبطية التي افتتحت منها البرنامج الانتخابي. ووفق ما اكد امينها العام بيار عيسى فإنّ “الكتلة الوطنيّة اليوم في النبطية لأنّ عزل اللبنانيّين في مناطق محدّدة زمن ولّى إلى غير رجعة، فلبنان لا يمكن أن نقسّمه”، مشدداً على أنهم يريدون “الدولة القوية التي تحمي جميع مواطنيها بالتساوي، كي لا يُضطرّوا هم شخصياً لأن يدافعوا عن أنفسهم أمام أي عدوان”، متسائلاً: “هل ما نطالب به مجرّد تمنيات بلا أساس”؟ ليؤكد: “هذا ما يحاولون أن يوهمونا به لأنّ هدفهم الحفاظ على نظام دمّرنا وخلق حواجز مصطنعة بين الناس”.
الى ذلك، شهدت النبطية تحركاً لحراكها للمطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتصحيح الوضع المعيشي الذي بات تحت خط الفقر. تحرك لم يرقَ الى مستوى كسر حالة الجمود القائمة، ولم يستقطب الشعب المعزول عن ماله ولقمة عيشه، بل ظلّ ضمن الحلقة الضيقة لا اكثر.
باختصار، خسرت الثورة قوتها، وبدأت تتشكل من خلفها الحركات الاعتراضية لمواجهة احزاب السلطة المحصنة داخل بيئة شعبية قوية، فهل تستطيع تلك الحركات كسر الحاجز الشعبي واستقطابه، أم تبقى مجرد حركات على الهامش لا تقدّم ولا تؤخّر؟