“الوديعة الأسديّة” تنفجر بفرنجيّة
يستفيق الشعب اللبناني كل يوم على مصيبة بسبب سلوك الأكثرية الحاكمة ودخول لبنان في فلك المحور السوري-الإيراني، في حين أن “حزب الله” ومعه العهد وحلفاء سوريا وإيران لا تهمهم مصلحة الشعب أو دخول بلادهم في عزلة عربية ودولية.
قد يكون رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل يرقص فرحاً نتيجة ما حلّ بوزير “المردة” جورج قرداحي، حتى لو كلّف هذا الأمر خسارة لبنان لعلاقاته العربية والخليجية، ويعتبر أنه حتى لو كانت حظوظه الرئاسية معدومة فانه من غير الجائز وصول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى بعبدا أو أحد من الموارنة الخصوم.
في السابق طرح باسيل معادلة “أنا والحريري برّا أو أنا والحريري جوا” ونجح في تطبيقها وأحرج الرئيس سعد الحريري وأخرجه مستفيداً من “الفيتو” السعودي الموضوع عليه، وربما ينطلق اليوم من معادلة مغايرة تماماً: “إما أنا رئيس أو من بعدي فليأتِ الطوفان”.
لا شكّ أن فرنجية أخطأ بنظر البعض، في حمايته لقرداحي أو ببساطة عدم العمل على تطرية العلاقة مع الخليج عموماً أو السعودية خصوصاً وتكراره نفس مواقف “حزب الله” من بكركي السبت، لكن النظرة تكون سطحية بالاقتناع بهذا السيناريو، إذ إنّ الغضب السعودي والخليجي ينطلق أولاً من سلوك “حزب الله” وثانياً من تصرفات العهد وأركانه وعلى رأسهم باسيل، وثالثاً من تصرفات شبيهة بتصرفات فرنجية وغيرهم من حلفاء “حزب الله” والمحور السوري – الإيراني.
وفي السياق، ربما تكون هذه المرحلة من الأسوأ في تاريخ العلاقات بين آل فرنجية والمحور الخليجي والعربي، ومعروف عن هذه العائلة السياسية أنها وفي ظلّ الإلتفاف المسيحي حول الرئيس كميل شمعون خلال ثورة 1958 وقفت العائلة في زغرتا والشمال ضدّ العصب المسيحي وإلى جانب المدّ الناصري، وقاتلت الشرعية وأنصار شمعون في الشمال والذي كان يتزعمهم الأبونا سمعان الدويهي.
وعندما بدأت القيادة العربية تنتقل من مصر إلى السعودية، نسج الرئيس الراحل سليمان فرنجية أفضل العلاقات مع ملوك الخليج وشهد لبنان في عهده المزيد من التدفق للأموال الخليجية قبل أن تندلع الحرب في 13 نيسان 1975.
وعلى رغم العلاقات المميزة التي نُسجت أيضاً مع سوريا بعد وصول الرئيس حافظ الأسد إلى الحكم، حافظ آل فرنجية على علاقات طيبة مع السعودية وخصوصاً مع الراحل طوني فرنجية واستكملت مع النائب السابق سليمان فرنجية، حتى إنه يتردّد أن المخصصات السعودية لآل فرنجية بقيت تصل إلى بنشعي حتى وقت ليس ببعيد.
وعندما قرّر الرئيس الحريري ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية عام 2015 لم يلق هذا الخيار معارضة سعودية كبيرة مثلما حصل عندما عاد الحريري ورشّح العماد ميشال عون.
كل ما عمل عليه الأجداد والآباء من آل فرنجية، سقط بالضربة القاضية وبضربة القرداحي، ويعلم الجميع أن الوزير القرداحي ليس من تيار “المردة” أو زغرتاوياً، ففي إنتخابات 2018 النيابية حاول النظام السوري زرعه في لائحة “التيار الوطني الحرّ” في كسروان، لكن حسابات المعركة لم تتناسب مع طموح القرداحي وآمال “التيار”، وعندما رأى النظام السوري فرصة لزرعه في الحكم إختار أن يكون وزيراً عن تيار “المردة” في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وبالتالي فان قرداحي الذي هو رجل الأسد في الحكومة يُعتبر “وديعة أسدية” إنفجرت في وجه فرنجية ودمّرت علاقاته مع السعودية والخليج وآماله الرئاسية.
قد يكون فرنجية لا يتحمّل كامل المسؤولية، لكن قبوله بودائع الأسد ودفاعه عن معارك “حزب الله” من بكركي أخيراً ضدّ مصلحة الوطن يجعلانه في موقع المسؤولية الأولى، لكن القضية لم تعد في حظوظ فرنجية الرئاسية أو عدمها بعد الصفعة الخليجية والعربية التي تلقاها، بل باتت تطال مصلحة شعب بأكمله، ففرنجية مثال عن قسم من حكّام لبنان الذين يقبلون أن يمثلهم وزراء أو نواب يفرضهم الخارج ويعملون لمصلحته في حين أن الشعب اللبناني هو من يدفع الفاتورة الأغلى ثمناً.