تحقيقات - ملفات

قطر في طريق الانتقال من النزعة السلطانية… هل نشهد تسوية سياسية بين المجتمع والحكومة؟

الوقت – بعد خمسين عاماً على تأسيس قطر، أعلن الأمير تميم بن حمد آل ثاني الأسبوع الماضي أن بلاده ستجري أول انتخابات برلمانية (مجلس الشورى) في أكتوبر من العام المقبل، والتي قال إنها ستكون خطوةً مهمةً في تعزيز “التقاليد الاستشارية لدولة قطر”، وتطوير العملية التشريعية بمشاركة واسعة من المواطنين.

يدعو الدستور القطري، الذي تم تبنيه في استفتاء عام 2003، الحكومة إلى إجراء انتخابات برلمانية للسماح للبرلمان بسلطة عزل الوزراء، والموافقة على الميزانية الوطنية، وصياغة التشريعات.

ووفقاً للدستور القطري، سيتم تعيين 30 من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 45 عن طريق الانتخابات العامة، و15 عضواً من قبل الأمير. وهو الوعد الذي لم يتم الوفاء به بعد.

حالياً، يعين أمير قطر رئيس الوزراء والوزراء بناءً على توصية رئيس الوزراء. والوزراء مسؤولون مباشرةً أمام الأمير الذي يمارس السلطة من خلالهم. كما لا يُسمح للأحزاب السياسية بالعمل في هذا البلد.

تغييرات بطيئة وتدريجية.. التسوية السياسية بين المجتمع والحكومة

على الرغم من أن المجتمع القطري ليس لديه تاريخ من النضال السياسي والاجتماعي وميول تحولية قوية لتحقيق الديمقراطية، إلا أن الإصلاح السياسي والاجتماعي في هذا البلد العربي الصغير له تاريخ قديم.

في صيف عام 1963، دعا القطريون إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي، بدافع من موجة النزعات القومية العربية بقيادة مصرية في المجتمع العربي في ذلك الوقت. وكان من بين مطالبهم إنشاء مجلس بلدي منتخب من قبل جميع الرجال القطريين.

وبعد ذلك، قدم “أحمد بن علي” أمير قطر آنذاك امتيازات للتجار المحتجين. تم تشكيل هذا المجلس في ذلك الصيف، واستمر من ثلاث إلى أربع سنوات.

وخلال العقود التالية، يمكننا الحديث عن نوع من التسوية بين المجتمع والحكومة، بحيث لم يعد المجتمع يرى حركةً مثل تلك التي عاشها في الستينيات.

في يناير 1992 فقط، تم تقديم عريضة عامة، عندما طالب 50 مواطناً قطرياً بارزاً بإنشاء مجلس استشاري له صلاحيات تشريعية، واقترحوا على أمير قطر إصلاحات في الاقتصاد ونظام التعليم.

وقد ترافق هذا الطلب مع تسوية حكومية لمطالب هؤلاء المواطنين في شكل تعديل دستوري في سنوات لاحقة، وفي مارس 1999 أجريت لأول مرة في قطر انتخابات لتشكيل المجلس المركزي للبلديات، والذي يقدم المشورة لوزارة البلديات والزراعة، بما في ذلك في مجال البناء. ويمكن العثور على بعض أسباب مثل هذه التسوية في خصائص المجتمع القطري.

قطر دولة متجانسة دينياً واجتماعياً. وعلى الرغم من وجود أقلية شيعية صغيرة في قطر، إلا أنها تمثل 7-12٪ فقط من السكان.

وبخلاف البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية، لا يوجد صراع بين السنة والشيعة في هذا البلد. حيث يشعر الشيعة القطريون أن الحكومة تعاملهم بإنصاف. والدعاة الشيعة ليس لديهم أي قيود على السفر إلى إيران، وفي بعض الأحيان يدرسون في مدينة قم المقدسة.

کما لا يوجد سكان قطريون “عديمو الجنسية”، أي شيء مثل “البدون” في الكويت وهم مجموعة عديمة الجنسية إلى جانب بعض الشيعة. وقد خلق وجود مثل هذه الجماعات في البحرين والكويت، مشاكل اجتماعية وسياسية.

السكان الأصليون في قطر يشکلون عدداً صغيراً من السكان (نحو 300 ألف)، وجميعهم لهم جذور قبلية تقريباً. وينتمي معظمهم إلى سلالة قبلية واحدة، ويعيشون معاً منذ سنوات عديدة. وهي قبائل مثل العطية، المسند، الكواري، المسلم، المنانعة، السادة، آل اسلطة، آل جاسم، النعيمي وشيعة البحارنة الذين تربطهم روابط اجتماعية واسعة ويعيشون معاً بسلام.

کما لا توجد أحزاب سياسية في قطر، ولا تاريخ للصراع بين “اليسار” و”اليمين” أو الخبرة التنظيمية للسلفيين الجهاديين. وهناك عدد قليل من القوميين العرب (معظمهم من الموالين لحزب البعث في العراق) وبعض الإخوان المسلمين، لكن تأثيرهم على بقية المجتمع ضعيف.

کذلك، فإن قطر غنية جداً، ولا توجد فجوة طبقية بين “الغني” و”الفقير”، والتي هي أحد العوامل المهمة في تكوين الأحزاب والنقابات والنضالات السياسية والاجتماعية. والبطالة شبه معدومة ولا محل لها من الإعراب في هذا البلد.

ومع ذلك، لا ينبغي للمرء ببساطة تجاهل معارضة الحكومة القطرية لتشكيل الأحزاب، حيث صرح أمير قطر الحالي “الشيخ تميم” مراراً وتكراراً أن النظام الحاكم في البلاد لا يسمح بتعدد الأحزاب. وهو موقف مشابه لأفكار الطغاة العرب الآخرين.

رغم ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن حكام قطر كانت لديهم وجهات نظر تقدمية أكثر من المشيخات العربية الأخرى في المنطقة. فعندما حكم “الشيخ حمد” قطر عبر انقلاب غير دموي عام 1995، وُصف بأنه شخصية رائدة بين الجيل الجديد من حكام الخليج الفارسي. وحتى قبل أن يصبح حاكماً لدولة قطر رسمياً، عُرف بجهوده الإصلاحية، ولا سيما في تقليص امتيازات الأسرة الحاكمة وكبار المسؤولين.

وفور توليه منصبه، ألغى الأمير الجديد وزارة المخابرات، ما يشير إلى أن القرار كان يهدف إلى رفع الرقابة الحكومية على الصحافة. ثم في تشرين الثاني 1995، كان قراره بإجراء انتخابات عامة بمثابة صدمة لمناطق أخرى من الخليج الفارسي. وفي 29 أبريل 2003، تم اعتماد دستور جديد ودائم عن طريق الاستفتاء.

ومع ذلك، دعمت قطر وجود القوات السعودية في البحرين لقمع الاحتجاجات الديمقراطية، على عكس الآراء المعلنة حول رغبتها في التحول إلى الديمقراطية في العالم العربي، والتي تدعمها على نطاق واسع ذراعها الإعلامية القوية أي قناة “الجزيرة”.

كذلك في نوفمبر وديسمبر 1998، نشرت صحيفة “الزمان” التي تتخذ من لندن مقراً لها عدة مقالات تهاجم الإصلاحات في قطر، ووصفتها بأنها سطحية وغير واقعية.

كما تم الكشف عن وثائق توضح كيف أن مكتب الرقابة القطري في مطار الدوحة لم يسمح ببيع صحيفة الزمان في قطر، ما يدل على أنه لا يزال هناك نوع من الرقابة في هذه الدولة تهدف إلى حجب الصحافة الأجنبية.

ولكن يمكن الادعاء بأن المجتمع القطري قد تأقلم مع العملية التدريجية للإصلاح من الأعلى. ولهذا السبب، بينما أفلتت قطر من موجات الربيع العربي التي هزت البحرين على سبيل المثال، لم يكن عليها أيضاً أن تضع قمعاً كبيراً على جدول أعمالها مثل السعوديين.

دور الضغوط الخارجية على الدوحة

تماشياً مع التطورات الداخلية، كان للمتطلبات الخارجية أيضاً تأثير كبير في توجُّه الحكام القطريين نحو الإصلاح. وهناك العديد من الدلائل على اهتمام الحكام القطريين بتقديم صورة أوضح للنظام السياسي في هذا البلد.

ومؤخراً دفعت فضيحة الخطوط الجوية القطرية لمسافات طويلة “إيرويز” في وقت سابق من هذا الشهر، والتي أخضعت النساء الموجودات على متن رحلات الخطوط الجوية القطرية لاختبارات جنسية، بسبب العثور علی طفل في مرحاض المطار، دفعت الحكومة إلى إحالة مسؤولي المطار إلى مكتب المدعي العام الأسبوع الماضي. ويأتي رد الفعل هذا في الوقت الذي تستعد فيه قطر لاستضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، وتحاول تقديم صورة ديمقراطية عن نفسها في وسائل الإعلام الأجنبية.

من ناحية أخرى، بينما استخدمت الدول المقاطعة لقطر دعم الدوحة للإرهاب كذريعة لأفعالها، كانت قطر بحاجة بطبيعة الحال إلى إحباط هذا الخط الدعائي على الساحة الدولية.

وفي هذا الصدد، قال الشيخ تميم إنه “بالرغم من الحصار المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات، فإن الشعب القطري قادر على تعزيز مكانته في المجتمع الدولي”.

وبطبيعة الحال، فإن أحد العوامل المهمة في تعزيز مكانة قطر، هو تقليص المسافة بين الحقائق الداخلية والصورة التي يسعى النظام القطري إلى نشرها، وخاصةً عبر قناة الجزيرة.

وهذا الأمر يمكن تتبُّعه حتى عند أمير قطر السابق. ففي 13 يونيو 1997، عندما سألت شبكة “سي إن إن” الشيخ حمد عما إذا كان لقطر “برلمان” منتخب؟ رغم توخيه الحذر في الرد، قائلاً إن الأمر قد يستغرق عدة سنوات، ولکن في أقل من عام ونصف بعد ذلك، أي في 16 نوفمبر 1998، وفي بيان فاجأ معظم الناس، قرَّر تعديل الدستور المؤقت لدولة قطر ووضع دستور دائم مع وعد بتشكيل برلمان منتخب.

بطبيعة الحال، ستزداد هذه الضغوط مع وصول الديمقراطيين إلى السلطة في البيت الأبيض، فيما يتصل بزيادة دور المرأة في السياسة القطرية على الأقل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى