الحدث

الحكومة مقابل جورج قرداحي

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

زادت مصائب الرئيس نجيب ميقاتي واحدة. بعد النزاع الذي اعترى مستقبل المحقق العدلي في تفجير المرفأ وما تبعه من أحداث، ها هو “لغم القرداحي” ينفجر في حقل الحكومة ، متسبّباً بأضرار متفاوتة بنسبة الخطورة. ومتى؟ في وقتٍ لم تخرج الحكومة بعد من “كوع العدلية و الطيونة”.

تنوح الدول الخليجية باتجاه مطالبة شبه رسمية من جانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، لحسم أمره ناحية مصير وزير الإعلام جورج قرداحي، المتّهم بـ”ذمّ الخليج” بعدما عبر عن موقفه المستقلّ من “حرب اليمن”: إقالة أم استقالة، وذلك من خلال الإعتماد على سلسلة ضغوط متدرجة. التوطئة للحملة بدأت إعلامياً عبر هجمات منسّقة من الرياض، أديرت في بيروت عبر التركيز على الأضرار الناجمة عن هذه المواقف بالنسبة إلى اللبنانيين المقيمين في الخليج عموماً وعلى مستقبل العلاقات مع هذا البلد خصوصاً. وكانت بمثابة محاولة لإفقاد الطرف الآخر التوازن والتأسيس على قاعدة صلبة، ومن ثم تفعيل تدابير ديبلوماسية عبر قرارات اتُّخذت من جانب بعض الدول وتمضي الآن بالإتجاه السياسي الواضح، عبر التأسيس على النتائج الآنفة الذكر، وضمّها إلى الطلب الرسمي بالإطاحة بقرداحي. ويبدو أن رغبة السعودية لم يتم التعامل معها كما تأمل المملكة، لذلك اتخذت القرار بالشروع في تطبيق المراسيم الاجرائية عبر قطع العلاقات الخليجية مع لبنان واستدعاء وسحب السفراء وطرد السفراء اللبنانيين في سابقة.

وفي المعلومات المتداولة ، مرّر “مجلس التعاون الخليجي” الطلب إلى ميقاتي المتواجد حالياً في روما، بشكل غير رسمي، طالباً وضوح موقفه من القضية. ووضوح الموقف هنا يتجاوز اعتبار النأي بالنفس أو تسطير البيانات وصولاً للأبعاد التقنية، بعدما أضحى ميقاتي مطالباً بـ”فعلٍ” لإثبات جدارته. ويبدو أن دفع قرداحي نحو الاستقالة أو اقالته باتت في صلب هذا التوجه.

ومنذ الأسبوع الطالع ستكون البلاد أمام امتحانٍ جديد، على أن يغدو عنوان الكباش السياسي القادم “مصير القرداحي” الرافض حتى الآن للاستقالة رغم طلب ميقاتي منه ذلك رسمياً تحت عنوان “تقدير المصلحة الوطنية”. والعاصفة الحالية لا بد أن تزيد من أتعاب الحكومة الغارقة أصلاً في “وحول” المحقق العدلي وأحداث الطيونة. وإدراج طلب الإستغناء عن خدمات الوزير قرداحي، سيؤدي حكماً إلى إحالة الحكومة إلى تقاعد مبكر ثانٍ غير معلوم الأجل، دون أن تخرج من مشقّة التقاعد الأول الساري المفعول، تبعاً للتموضعات السياسية الجديدة التي تكوّنت عقب الحملة على قرداحي، وجعلت قوى الثامن من آذار تصطفّ خلف بعضها بشكل متراص، رفضاً لعملية الإبتزاز الحاصلة لوزير سيّد نفسه ونطق عن آراء شخصية قبل توليه المسؤولية.

وبعدما أعلن “حزب الله” دعمه الإعلامي لقرداحي عبر بيان “نوعي وغير مسبوق”، لن ينسحب الحزب إلى الخلف إن طُرح مصير وزير الإعلام على طاولة مجلس الوزراء، إنما سيكون في مقدمة المواجهة إلى جانب تيّار “المردة” الذي رصّ صفوف التحالف مع الضاحية ومتّنها أكثر. وفي معلومات “ليبانون ديبايت” بعثت بنشعي قبل أيام بالنائب طوني فرنجية، موفداً رسمياً لها إلى الضاحية لاستشراف العديد من الملفات والتنسيق فيها. وفي المعلومات أيضاً أن الحزب لن يقبل إستقالة قرداحي أو الاستفراد به وقد ابلغت الرسالة إلى من يعنيهم الأمر، وفهموا أن الحزب في صدد الدخول في مواجهة. وخريطة تموضع الحزب + المردة ستشكل عملياً بوصلة للأطراف الأخرى الحليفة المشاركة في الحكومة. وإن عقدت النية على الإطاحة بقرداحي كما تبتغي دول مجلس التعاون، فإن وزراء الحزب وحركة “أمل” و”المردة”، وعلى الأعم ّالأغلب،”الحزب الديموقراطي اللبناني” وعددهم 8 وزراء، سيقفون “بلوكاً واحداً” دعماً للقرار المستقلّ لوزير الإعلام تحت عنوان: مصير الحكومة رهن مصير قرداحي.

هكذا إذاً، افتعلت أزمة من لا شيء إلاّ رغبة في الإقتصاص من القرداحي، من خلفية تتصل بمواقف ذاتية تتخذها دول الخليج سلفاً منه ومن لبنان ومحال أن يكون ما يفتعل اليوم ناتج عن تصريح وإنما عن تخطيط مسبق. ولا عجب إن قلنا أن ما يطبق الآن قد يكون نابعاً من خشية استراتيجية، أو ربما بناءً لشكوك تساور بعض المتابعين من واقعية تحول “قرداحي” إلى رئيس جمهورية مقبل، نتيجة تقاطعات محددة! فكيف للسعودية مثلاً أن تتحمّل رئيساً قريباً من “حزب الله” سيما بعد ما أفرغه بيان الحزب من نتائج؟ أو كيف للسعودية أن تتعايش مع ميشال عون 2؟

وسواء وُجد ترياق انعقاد الحكومة بعد أزمة التحقيق في انفجار المرفأ وحادثة الطيونة وفق ما يُحكى في بعض المجالس، وكما تبّلغ رئيس الحكومة المتواجد حالياً في روما ليرأس وفد لبنان في مؤتمر المناخ الدولي، فإن إنعقاد مجلس الوزراء لن يكون سهل نظرياً في ضوء “قضية القرداحي”، التي حكماً ستكون منفصلةً عن القضية الأولى المزدوجة، ولو أن البعض في بيروت يُردد نغمة إنجاز مخرج سريع للملفات الثلاثة العالقة معاً.

عملياً وحول مصير الحكومة، فإن ميقاتي الذي التقى رئيس الجمهورية ميشال عون قبل مغادرته بيروت، لاحظ أنه لم يطرأ أي تبديل على وضعية الجمود الحالية. وفي موازاة انهيار مسعى البطريرك بشارة الراعي “التسووي”، يبدو أن مصير الحكومة بات معلّقاً على خشبة بإنتظار عودة رئيسها من روما ومدى تحمله ووزرائه للضغط.

وإلى ذلك الحين، ما برح ميقاتي يتعامل مع ملف “تجميد الحكومة” بصفة مراقب من دون أن يتدخّل بشكلٍ مؤثر. ويبدو أنه ينحو باتجاه ترك العاصفة تمرّ والميلان معها إن لزم الأمر لحماية نفسه وحكومته، والابتعاد عن “دسّ اصبعه” في النزاع الحاصل. ويخشى في حال اتخاذ أي موقف من عواقب ذلك على المسار الإنتخابي الذي افتتحه تيار “العزم” مؤخراً. وجلّ ما يطلبه ميقاتي هو دخول “طرف محايد” لانتشال الحكومة عبر منحها “ضمانات” من أجل العودة إلى الإجتماعات. منذ الآن وحتى ذلك الحين سيبقى تفعيل “خاصية اللجان” قائماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى