الحدث

آفاق الاتفاق الأميركي ـ الايراني

نبيه البرجي-الديار

أخيراً، هز آية الله خامينئي رأسه بالموافقة: اذهبوا الى مفاوضات فيينا…

لاشك أنه كان يراهن على أن تحترق أعصاب الأميركيين أكثر فأكثر، وان كان هناك داخل الاستبلشمانت من يراهن على أن تحترق أصابع الايرانيين أكثر فأكثر، والى حد فرض الحظر الجوي، والبحري، عليهم.

هذا ما تتفاداه ادارة جو بايدن التي تعتبر أن اي تصعيد عشوائي يفضي الى الانفجار العسكري، وقبل أن تتمكن الولايات المتحدة من أن تغتسل من آثار المستنقع الأفغاني الأقل هولاً بكثير…

الثابت أن المحادثات الأوروبية ـ الايرانية التي جرت، أخيراً، بعيداً من الضوء، توصّلت الى اتفاق مبدئي حول الكثير من التفاصيل الحساسة التي كانت محور التجاذب في الجولات التفاوضية السابقة، وقد توقفت في حزيران الفائت ريثما تبلور ادارة ابراهيم رئيسي تصورها للمسار التفاوضي المعقد، وحيث التشابك الدراماتيكي بين الرؤى وبين المصالح.

الأوروبيون الذي يتحدثون عن «شكل آخر للشرق الأوسط» كانوا يطلعون وزارة الخارجية الأميركية على الحصيلة اليومية للمحادثات، بعدما كان روبرت مالي، الذي شارك في مفاوضات الاتفاق السابق، قد صاغ رؤيته لحدود، ولآفاق، الاتفاق، وان استبقى على المائدة، كاحتياطي تكتيكي، مسألة الرفع الكلي، والتدريجي، للعقوبات.

ما يستشف من المعلومات الأوروبية، وبعضها جاء على شكل تحليلات في الصحف أو على الشاشات، يشير الى أن الجلسات الأولى تمحورت حول بناء مناخ سيكولوجي يمكن أن يحد من هواجس، وشكوك، الايرانيين، وحيث يغلب التفكير الايديولوجي على التفكير البراغماتي، كون اللعب على الوقت لم يعد لمصلحة ايران وانما لمصلحة أعدائها ان في بعض بلدان المنطقة أو في تلة الكابيتول.

ثمة قناعة لدى الأوروبين وهي أن من مصلحة الأميركيين والايرانيين على السواء التخلي عن سياسات حافة الهاوية. لا بد من الخروج من الحلقة المفرغة، الحلقة المقفلة، التي لا تأتي بأية نتائج بالنسبة الى الأمن الاستراتيجي لكلا البلدين.

وحتى على المستوى الاقليمي البحت، باتت الصراعات الجيوسياسية، والجيوستراتيجية، بين البلدان المحورية في المنطقة تأخذ منحى عبثياً، ان لم يكن المنحى الأبوكاليبتي.

هذا من اليمن الذي تحول الى غرنيكا سياسية، وجغرافية، الى سوريا التي بالكاد تستطيع لملمة جراحها بسبب الضغط الأميركي، وغالباً ما يقف «الاسرائيليون» وراءه، على الدول العربية التي أبدت رغبتها في اعادة احياء علاقاتها مع دمشق، وصولاً الى لبنان الذي تساءلت «الفيغارو» الفرنسية عن «الأصابع الجهنمية التي حولته من نسخة عن الجنة الى نسخة عن الجحيم»!

اذ يربط البلاط السعودي تطبيع العلاقات مع نظام آيات الله بما ستؤول اليه المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي، يفكر، اذا ما فشلت هذه المفاوضات، باطلاق برنامج نووي مواز، وهو ينشط في هذا المجال، كما تلقى وعوداً قاطعة بالمساعدة التقنية اللازمة.

الايرانيون على بيّنة من ذلك، حتى اذا ما أبرم اتفاق جديد بين واشنطن وطهران، لا بد أن تحدث تطورات بالغة الأهمية في خارطة العلاقات على مستوى المنطقة باسرها.

الاتفاق يفضي، أوتوماتيكياً، الى وقف التدهور المريع في الوضع الاقتصادي، ان في سوريا، بالثروات الزراعية، والنفطية، والصناعية، أو في لبنان حيث ظهر شيء من المرونة في التعاطي مع ملف ترسيم الحدود البحرية، وهذا ما يسعى اليه الأميركيون الذي يمسكون بالمفاصل الأساسية لصندوق النقد الدولي.

وكان كبار المسؤولين اللبنانيين قد أخذوا علماً بأن تقديمات الصندوق رهن بالتوصل الى عملية الترسيم كبديل عن المراوحة االراهنة التي تعني عدم تمكن لبنان، وكما سبق وذكرنا، من ايجاد ولو مقعد في العربة الأخيرة من القطار.

فريد زكريا، المعلق الأميركي، الهندي الأصل، والذي كان يصف سياسات الادارة السابقة بـ»السياسات العمياء»، ناصحاً الادارة الحالية بأن تكون لها فلسفتها الاستراتيجية الأقل بهلوانية والأقل فوضوية، يرى أن انتهاج القيادة الايرانية «ديبلوماسية الزوايا المقفلة» يعني أن أيات الله يفرشون الورود أمام عودة دونالد ترامب الى البيت الأبيض. هذه المرة بالانتقال من سياسات حافة الهاوية الى سياسات الهاوية.

هذا هو رهان نفتالي بينيت الذي لا يختلف البتة عن رهان بنيامين نتنياهو. «الحاخامات»، كما «الجنرالات»، سيهللون لعودة ترامب ومعه فريق الذئاب.

عودة الى «ديبلوماسية الدانوب الأزرق» على وقع السنفونية الشهيرة ليوهان شتراوس. الكل متعبون، خاسرون، من ديبلوماسية الزوايا (والوجوه) المقفلة…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى