العودة الى الاتفاق النووي بخطوات هادئة
قد يكون التوصيف الأقرب الى واقع لازمة الملف النووي الايراني واتفاق فيينا، ان كلا الطرفين الامريكي والايراني باتا مقتنعين بضرورة العودة الى طاولة التفاوض في اقرب وقت ممكن من اجل الخروج من حالة التعليق التي يمر بها هذا الملف والذي يشكل عائقا امام التفرغ للملفات الاخرى، التي تشغل في غالبيتها مناطق تداخل بينهما.
المواقف التحذيرية التي تصدر عن مسؤولين في الادارة الامريكية، سواء من البيت الابيض او وزارة الخارجية، او المبعوث الخاص للملف الايراني، بان هامش المناورة الايرانية على عامل الوقت بدأ يضيق امام النظام وان عليه حسم قرار عودته الى طاولة المفاوضات باسرع وقت حتى لا تكون واشنطن مجبرة على الذهاب الى خيارات اخرى قد تضطر لاعتمادها نتيجة حرجها السياسي وضغوط حلفائها القلقين من المنحى التصاعدي والمتسارع في انشطة طهران النووية وبلوغ تخصيب اليورانيوم مستويات متقدمة تسمح لها بالانتقال الى التصنيع العسكري باقل وقت ممكن، الامر الذي يخلط المعادلات الاقليمية والدولية ويعقد مسار التعامل مع هذا الملف ويؤدي الى تداعيات لا تريدها واشنطن.
على الرغم من تعقيد المشهد، فان التوقعات لا تبدو متشائمة حول عودة الطرفين الى طاولة التفاوض، مع امكانية ان لا تكون هذه العودة بالسرعة المطلوبة، وقد تستغرق اسابيع حتى يحسم الطرفان مواقفهما ويعملا خلالها على ترتيب اوراقهما وتهذيب شروطهما المتبادلة.
في هذا الاطار، يبدو ان واشنطن استعادت في الايام الاخيرة اوراق الضغط التي استخدمتها في المرحلة السابقة والتي ورثتها عن ادارة الرئيس السابق دونالد ترمب. اذ عاد الحديث في الكواليس عن تمسك الجانب الامريكي بضرورة ان توافق طهران على فتح باب الحوار حول البرنامج الصاروخي ونفوذها الاقليمي التي ما تزال تشكل مصدر قلق لحلفائها، فضلا عن شرط تخلي ايران عن عمليات تخصيب اليورانيوم المتقدمة وما يتعلق بها من مسائل ترتبط بكميات تخزين اليورانيوم المخصب المسموح بها في اتفاق 2015، بالاضافة الى ادخال تعديلات على نصوص الاتفاق القديم المتعلقة بالمدد الزمنية التي تخرج بعض الانشطة الايرانية النووية والتسليح شراء وبيعا من دائرة العقوبات. اي ان واشنطن تتمسك في الظاهر باتفاق عام 2015، الا انها في الواقع تريد تحويلها الى اتفاق جديد (اتفاق +).
المفاوض الايراني اعتبر الرسائل التي نقلها الوسيط الاوروبي بانها عودة امريكية الى المربع الاول بضغوط اسرائيلية، وان اكثر من ثلاثة اشهر على تعطيل التفاوض، لم تعطِ النتيجة المطلوبة التي كانت تريدها طهران، خاصة في تمسكها بشرط فصل مسار الاتفاق النووي عن الملفات الاخرى التي تأخذ طابعا استراتيجيا على علاقة بعقيدة الامن القومي للنظام، وبالتالي فانها لن تقبل باقل من عودة امريكية غير مشروطة الى الاتفاق، وما يعنيه من رفع جميع العقوبات التي سبق ان فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب، الى جانب حصولها على ضمانات من ادارة الرئيس الحالي جو بايدن بعدم العودة الى سياسة العقوبات والتزام واضح وثابت بعدم اللجوء الى سياسة الانسحاب من الاتفاق، وان تقوم واشنطن بخطوة على طريق اثبات حسن نواياها وجديتها في التفاوض وتطلق جزء من الارصدة المالية الايرانية المجمدة في البنوك.
استعادة الشروط المتبادلة، دفعت الشريك الاوروبي الى تفعيل دوره في محاولة لتدوير الزوايا التي بدأت تتحول الى حادة بين الطرفين، ويبدو ان حظوظ الوساطة الاوروبية ليست بقليلة، خاصة وانها تأتي في اللحظة المطلوبة لدى الطرفين اللذين يبحثان عن مخارج تبعدهما عن الطريق المسدود، وتساعد على خفض التوتر والتوصل الى حل وسط يسهل عملية اعادة احياء طاولة التفاوض، مع الاحتفاظ باللهجة العالية والمتشددة في المواقف.
المخرج الاوروبي لعقدة العودة الى التفاوض، قد تأتي بالتوافق مع طهران من خلال التفاهم الذي حصل بين مساعد وزير الخارجية الايرانية ومسؤول ملف التفاوض علي باقري كني خلال استقباله المفاوض الاوروبي انريكي مورا في طهران، بان تعود طهران لتفعيل المسار التفاوضي هذه المرة مع الاتحاد الاوروبي كما سبق ان اشار له مفوض السياسة الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل في مدينة بروكسل مقر الاتحاد، لتكريس تفاهمات واضحة بين الطرفين ذات بعد اقتصادي لا يتأُثر بسياسة العقوبات الامريكية، وذلك قبل العودة الى فيينا وانضمام الطرف الامريكي والشريك البريطاني لهذه المفاوضات، والتي من الممكن ان تشهد تطورا لافتا ومفصليا بجلوس المفاوض الامريكي مباشرة الى طاولة التفاوض.
الجهود الاوروبية التي يقودها مفوض السياسة بوريل ومعه مورا من جهة، ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي من جهة ثانية، تتمحور حول ايجاد المخرج المناسب للطرفين الامريكي والايراني لوضع آليات تطبيق مبدأ الخطوات المتبادلة، اي خطوة مقابل خطوة، وصولا الى اعادة احياء تام للاتفاق، وما يعنيه ذلك من الغاء جميع العقوبات المفروضة ضد ايران مقابل عودة طهران للالتزام بشروط تخصيب اليورانيوم.
وبانتظار معالجة الازمة التي برزت نتيجة مسارعة مساعد وزير الخارجية الايرانية لتحديد موعد لقاء بروكسل ونفي الاتحاد هذا الامر، وتحديد موعد جديد، يدور حديث عن تفاصيل الطرح الاوروبي لحل عقدة العقوبات مقابل التخصيب، بان يتفق الطرفان على تقسيم الخطوات الى مرحلتين. تقوم واشنطن في المرحلة الاولى بالغاء الجزء الاكبر من العقوبات التي سبق ان تم التفاهم حولها في اخر لقاءات فيينا قبل ثلاثة اشهر ونصف الشهر، مقابل ان توقف طهران انشطة تخصيب اليورانيوم بدرجة 60 في المئة وما فوق، وفي المرحلة الثانية يجري فيها الغاء الجزء الباقي من العقوبات، مقابل تقليص حجم تخصيب اليورانيوم بمستوى 20 في المئة. وهو ما قد يشكل مدخلا للاعتراف او التعامل مع ايران كبلد يمتلك العتبة النووية ما قبل التصنيع العسكري.