خداع القوة
المشهد على السطح في لبنان والمنطقة يغري “حزب الله” بالزهو والإستكبار والإستهتار. الزهو بمئة ألف مقاتل ينتظرون إشارة من السيد حسن نصرالله لـ”طحن الجبال”، أو أقله لترهيب “القوات اللبنانية” في بلد يفقد ثلاثمئة ألف شخص من النخبة خلال عامين بسبب الإنهيار المتسارع. والإستكبار على اللبنانيين بتكرار القول أنه “لولا المقاومة الإسلامية لما بقي لبنان”. والإستهتار بالشركاء في السلطة وتوجيه أمر لهم بـ”قبع” المحقق العدلي طارق البيطار خوفاً من الوصول الى الحقيقة. ولا يبدل في الزهو كون المقاومة الإسلامية في عداد “ستة جيوش أنشأها الحرس الثوري كقوة ردع ودفاع عن إيران”، كما يعترف اللواء علي غلام رشيد قائد “مقر خاتم الأنبياء”.
ولا حدود للإهتمام الإيراني بلبنان والإشتغال به، مقابل “الإنكفاء” السعودي و”تقليص” الإهتمام الأميركي و “إنفتاح” الإهتمام الفرنسي على طهران و”حزب الله”. لا بل مقابل الصمت أو الغمغمة لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة و”النأي بالنفس” عن الدور والقرار عند أول هزة في الشارع وأعلى تهديد للجميع من خلال التركيز على “القوات اللبنانية”، والسعي للهيمنة على القضاء وتوجيه “رسالة” معبّرة الى الجيش. وحسب قواعد اللعبة في قاموس الدهاء الإيراني، فإن ما يساعد الإستكبار هو لعب دور الضحية. فكل حركة في الداخل والخارج هي “مؤامرة” للنيل من المقاومة الإسلامية. حتى الرهان الطبيعي في أية ديمقراطية على تغيير الأكثرية الحالية التي يسيطر عليها “حزب الله” ، فإنه “مؤامرة” يجب مواجهتها بكل الوسائل. لا بل إن الثابت هو المقاومة وسلاحها والمتغير هو لبنان. والمعيار في تصنيف أي حدث هو ما يفيد أو يؤذي المقاومة، وليس لبنان.
لكن دروس التاريخ حاضرة من أيام السلطنة العثمانية الى اليوم. فلا قوة في الداخل أو الخارج تستطيع أن تأخذ لبنان الى خارج مداره الصحيح، إلا إذا كان اللبنانيون ضعفاء. لا سوريا تمكنت من البقاء في لبنان بعد ثلث قرن من السيطرة عليه. ولا الظروف التي دفعت أميركا الى تسليم سوريا إدارة لبنان قابلة للتكرار. ولا الحسابات التي قادت الرئيس أوباما الى التسليم بالنفوذ الإيراني في لبنان وبعض الشرق الأوسط بقيت صامدة أمام المتغيرات. ولا مشروع خارج مشروع الدولة، سواء بالتكبير أو بالتصغير، يمكن أن ينجح في النهاية ولو كان مشروع الدولة في مأزق. ولا قوة تحمي حتى طائفتها قبل الإدعاء بأنها تحمي المسيحيين أو المسلمين.
ذلك أن قوة لبنان في قوة الوفاق الوطني، لا في قوة أية طائفة ولا في قوة الطوائف. وما أخطر خداع القوة.
في خطاب تسلمه جائزة نوبل في الأدب قال المسرحي البريطاني هارولد بنتر: “المشكلة أنه لا فاصل بين الخيال والواقع، بين الحقيقي والمزيف”. ونحن في قلب هذه المشكلة.