هكذا سيُدير “حزب الله” انتخابات 2022
كلير شكر-نداء الوطن
الانتخابات قائمة حكماً، وفق “طقس” رئيس مجلس النواب نبيه بري أي في 27 آذار، أو “طقس” رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أي في الثامن من أيار. لا يهمّ. التوقيت بات تفصيلاً بالنسبة للقوى السياسية، التقليدية والمستجدة، والتي زّيتت ماكيناتها الانتخابية وبدأت تفلش خرائطها التحالفية تحضيراً للمنازلة الكبرى.
ولهذا، لا معنى للصراع الصامت الذي تدور رحاه بين بعبدا وعين التينة حول المواقيت، ولا تأثير لتقريب موعد الاستحقاق ولا لتأخيره، على النتائج. المهم، بالنسبة لحليف الفريقين، أي “حزب الله” هو الاتفاق على إدارة جيدة وسليمة للمعركة الانتخابية والفوز بأكبر عدد من المقاعد.
حتى الآن، كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ الانتخابات ستحصل في الربيع المقبل، من دون أن يعني ذلك أنّ السلطة متحمسة جداً لإجرائها، لا بل هي مرغمة على ذلك لا بطلة في قرارها. فالتنظيمات الجديدة أو تلك الخارجة من رحم “الحراك المدني” أو تلك المعارضة، تريدها من باب اعتقادها أنها قادرة على فرض التغيير، فيما قوى السلطة تريدها لتثبيت شرعيتها الشعبية ونسف حجة المعارضين بانعدام قدرتها التمثيلية أو تراجعها. أمّا القوى الخارجية فتعتبر أنّ الانتخابات هي الممر الإلزامي للحلول الجذرية، فضلاً عن رغبتها الجامحة بسلب المجلس الحالي أي فرصة لانتخاب رئيس للجمهورية.
وعلى هذا الأساس، انطلقت الورش الانتخابية في المقار الحزبية والسياسية، ولو أنّها لا تزال حتى الساعة بطيئة، وتمهيدية، ولكن قطار الاستعدادات الجدية وضع على السكة، وبدأت ترسم كل سيناريوات التحالفات الممكنة، ويتمّ جمع الأرقام والحواصل والأصوات التفضيلية، وضربها وفرزها بحثاً عن كلّ الاحتمالات والنتائج الممكنة.
أمّا الأسئلة المفصلية التي تحسم مسار ومصير الانتخابات، فهي: كيف سيتمكن “حزب الله” من الحفاظ على أغلبيته النيابية؟ وهل خشيته من خسارة هذه الأغلبية ستدفعه إلى الإطاحة بالاستحقاق أو تأجيله؟ ماذا عن حليفه المسيحي، أي “التيار الوطني الحر” الذي يعاني كغيره من الأحزاب تراجعاً شعبياً قد يؤدي إلى خسارة هذه الأغلبية؟
وفق المطلعين على موقف “حزب الله”، لهذه المعادلة جانب مختلف وفق تقديره. لا خشية من بعض التراجع الحاصل في صفوف الأحزاب، خصوصاً وأنّه لا يصب لمصلحة الأطر الجديدة التي تصنّف نفسها في خانة المعارضة، ويمكن برأيه تعويض هذا التراجع من خلال إدارة جيدة للمعركة تجمع أكبر قدر من القوى السياسية الحليفة، فضلاً عن أنّ لعبة الأرقام والاستطلاعات قد تتغيّر حتى موعد الانتخابات.
الأهم من ذلك برأيه، هو أنّ الأكثرية النيابية ليست هدفاً بحدّ ذاته خصوصاً وأنّ التجارب أثبتت أنّه ما من أكثرية حكمت لوحدها وما من أغلبية وضعت على مقاعد المتفرجين. وبالتالي هي لعبة التعطيل الفاعلة لا أكثر، بدليل أنّ أغلبية قوى الثامن من آذار نادراً ما تصرفت كأغلبية ولطالما عانت من خلافات في صفوفها في الكثير من القضايا. وبالتالي هي أغلبية موضعية ولم تتمتع يوماً بالصلابة الكافية لتكون متراصة في خياراتها.
ومع ذلك، فإنّ الاستعدادات للاستحقاق لا تزال في مربعها الأول، بحثاً عن السيناريوات الأكثر انتاجية. ولأنّ ظروف الـ2018 اختلفت عن الـ2022، ولأنّ الخشية من خسائر قد تلحق بهذا الفريق لا سيما في صفوف الحلفاء، يبدو أنّ “حزب الله” يحاول أن يرسم مسبقاً إدارة شاملة للانتخابات تساعد القوى الحليفة على تعويض أي خسائر قد تلحق بها. هي محاولة لا أكثر، لأنّ “الحزب” قد يواجه باعتراضات الحلفاء ومناكفاتهم وخلافاتهم وتناقضاتهم… وقد يسحب يده منهم في نهاية المطاف، فيترك لهم الحرية لخوضها كيفما يشاؤون أسوة بما فعله في الاستحقاق الماضي، حين خاض هؤلاء معاركهم ضمن لوائح تنافسية لاعتقادهم أنّها الطريقة الأفضل لتحقيق نتائج كبيرة.
أمّا اليوم فقد تبدلت الأحوال، وصار لا بدّ من استراتيجية متكاملة تسمح لقوى الثامن من آذار بالفوز بأكبر عدد من المقاعد. كأن يتم مثلاً إعادة لمّ سنّة هذا الفريق، لا سيما الجناح الشمالي، والعمل على تذليل العقبات التي تعترض التحالفات، والاتفاق على كيفية توزيع فائض الأصوات الشيعية في بيروت الثانية، المتن، كسروان جبيل، زحلة، بعبدا، بعلبك الهرمل…
هكذا يتبيّن أنّ الفصل الأول من هذه الاستراتيجية سيطال البيت الشيعي لترتيب التفاهم بين “حزب الله” وحركة “أمل”، للانتقال بعدها إلى الحلفاء المسيحيين، أي “التيار الوطني الحر” و”المردة” بالتزامن مع العمل على تسوية العلاقات بين بقية الحلفاء…
ولهذا، لا بدّ من ايجاد صيغة تسمح بإجراء المصالحة بين جبران باسيل وسليمان فرنجية، والأرجح أنّها مهمة صعبة جداً، مع العلم أنّ الخصومة أو بالأحرى المواجهة المنتظرة مع “القوات” تسهّل هذه المهمة وتجعلها مشروعاً قابلاً للتحقيق. فضلاً عن حاجة “التيار الوطني الحر” لتعويض النقص في الحلفاء بعد خلافه الحاد مع “تيار المستقبل” وانتقال بعض المستقلين الذين خاض واياهم معركة 2018 من ضفّة التحالف إلى ضفة الخصومة… وبلوغ العهد آخر أيامه بعدما كانت معظم أجهزة الدولة تحت تصرف باسيل ما دفعه لخوض الاستحقاق الماضي بشكل “طاووسي”، الأمر الذي لم يعد متوفراً. ما يرفع من فرصة التفاهمات مع قوى الثامن من آذار، بدءاً بـ”المردة” وصولاً إلى “الحزب القومي”… ومع ذلك، فكل هذه السيناريوات لا تزال حبراً على ورق، وحين تنتقل إلى الترجمة، فقد يصعب تنفيذها.