إيران بلغت المراحل النهائية من عملية إنتاج القنبلة النووية
باحثون في مركز القدس للشؤون العامة والسياسة
في بداية آب/أغسطس عقد وزير الدفاع بني غانتس ووزير الخارجية يائير لبيد اجتماعاً مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن في الأمم المتحدة. خلفية الاجتماع كانت الصعود في درجة الهجمات الإرهابية للمسيّرات ضد سفن دولية. وتركز الاهتمام الدولي على تصريح وزير الدفاع غانتس الذي ادّعى فيه أن إيران تنتهك كل التوجيهات التي وُضعت في الاتفاق النووي، ونتيجة ذلك أنها الآن على بعد نحو 10 أسابيع من اتخاذ قرار تخصيب اليورانيوم على درجة عسكرية. لم يكن هذا الكلام عبارة عن تأويلات صادرة عن أحد المعلقين، بل كان كلاماً واضحاً صادراً عن وزير الدفاع شخصياً.
بعد بضعة أسابيع قال وزير الخارجية يائير لبيد لـ”يديعوت أحرونوت” في مقابلة أجرتها معه الصحيفة بمناسبة عيد الغفران إنه يريد تبديد مخاوف القرّاء من أن إيران أصبحت دولة على حافة النووي. واعتمد في حججه على التفريق بين دولة أصبحت على الحافة النووية بكل معنى الكلمة وبين دولة أصبحت على حافة النووي فقط من ناحية كميات اليورانيوم المخصب لديها. لم يُشِر لبيد صراحة إلى الوقت الذي تحتاج إليه إيران لإنتاج القنبلة، لكنه قال إن المقصود أشهر. وعندما سُئل مجدداً إلى أي حد إيران قريبة من القنبلة أجاب “إنها أبعد بكثير عن ذلك”.
وضع إسرائيل في مواجهة إيران يطرح تحدياً دبلوماسياً معقداً. من جهة الدبلوماسية يجب أن تكون موثوقاً بها ودقيقة بعكس الإيرانيين المعروفين بالخداع والمراوغة. لا يمكن لإسرائيل السير في هذا الطريق. في الوقت عينه يجب على إسرائيل بلورة ائتلاف دولي ضد الإصرار الإيراني على الحصول على قوة نووية تعرّض أمن إسرائيل والشرق الأوسط والعالم كله للخطر. ويجب علينا أن نشرح للشركاء المحتملين في الائتلاف مدى إلحاح الموضوع والحاجة إلى العمل معاً.
من المهم أن نفهم ماذا يقصد الخبراء عندما يتحدثون عن مشروع نووي عملاني في إيران. هذا الكلام يتضمن ثلاث نواح: الأولى؛ إيران بحاجة إلى منظومة إطلاق للوصول إلى الهدف. في سنة 1998 أجرت إيران للمرة الأولى تجارب على صاروخ شهاب-3 الذي يعتمد على تكنولوجيا مصدرها كوريا الشمالية. في سنة 2003 تحول صاروخ شهاب-3 إلى صاروخ عملاني لدى الجيش الإيراني. يبلغ مدى هذا الصاروخ 1300 كيلومتر، ويسمح لإيران بضرب أهداف في إسرائيل من قواعد موجودة في داخل الأراضي الإيرانية.
بين السنوات 1998-2017 أجرت إيران 21 تجربة إطلاق لصاروخ شهاب-3. في سنة 2015 عرض الإيرانيون أشرطة فيديو تُظهر للمرة الأولى أن إيران أقامت قواعد صاروخية تحت الأرض يمكن إطلاق صواريخ بواسطتها، وهو ما يعني أن إيران توصلت إلى منظومة لإطلاق سلاح نووي، وأن هذا الهدف قد تحقق.
ثانياً، يكرر المعلقون تشديدهم على أن عملية تطوير كامل السلاح يستغرق وقتاً طويلاً. لكن التقارير الربع سنوية للهيئة الدولية للطاقة النووية تضمنت منذ سنة 2011 معلومات مثيرة للقلق بشأن هذا الموضوع. وعرض التقرير الصادر في أيار/مايو 2011 بحثاً عسكرياً إيرانياً تضمن إزالة عبوة ناسفة تقليدية من رأس صاروخ شهاب -3 وتركيب عبوة نووية مكانها. وتؤكد وثائق إيرانية موجودة لدى الهيئة أن تفجير الرأس يجب أن يحدث على ارتفاع 600 متر، وهذا بالضبط الارتفاع الذي أُلقيَت منه القنبلة النووية الأولى على هيروشيما.
ثالثاً، اليورانيوم الموجود نوعان – U-238 وU-235، وحده U-235 يلائم إنتاج قنبلة نووية. اليورانيوم الطبيعي يحتوي على 0.7% من U-235. تهدف عملية التخصيب إلى رفع هذه النسبة إلى 3.5% لأغراض مدنية، وإلى 90% للحصول على سلاح نووي. الاتفاق مع إيران حدد درجة التخصيب المسموح بها بـ3.5% حتى سنة 2019، لكن طهران وصلت في تخصيب اليورانيوم إلى 4.5%، وبعدها إلى أكثر من 20%، وأعلنت أنها مستعدة للوصول إلى 60%.
تخصيب اليورانيوم هو الخطوة الأكثر تعقيداً بالنسبة إلى الدولة التي تتطلع إلى الحصول على سلاح نووي، من هنا، فإن التوظيف الإيراني الهائل في هذا المجال هو المؤشر الأكثر أهمية إلى الإصرار الإيراني على استكمال العملية حتى الوصول إلى القنبلة…
لقد ارتكبت إسرائيل خطأ عندما اعتقدت أن لديها متسعاً من الوقت، بينما تعمل إيران في وقت واحد وفي آن معاً على مجمل مكونات مشروعها النووي. وكشف معهد الأبحاث ISIS في واشنطن، الذي كان في إمكانه الوصول إلى مواد الأرشيف النووي الإيراني الذي كشفته إسرائيل، أن الإيرانيين عملوا انطلاقاً من الافتراض أنه لا يمكن الفصل بين العمل على مكونات المشروع، بل يجب العمل عليها في آن معاً.
السياسيون في إسرائيل يتهمون بعضهم بعضاً بالمسؤولية عن الوضع الناشىء أمام أعينهم، لكن المتهمين الحقيقيين هم زعماء إيران. فور توقيع الاتفاقات النووية الأولى بين إيران والاتحاد الأوروبي في سنة 2005 أخفت طهران أدلة على نشاطات نووية في عدد من منشآتها التي كان من المفترض أن تكون تحت المراقبة. هذا كان نموذج عمل إيراني منذ ذلك الحين حتى الآن.
للأسف الشديد، الدول الغربية تتصرف بسذاجة من ناحية، ومن ناحية أُخرى انطلاقاً من رغبتها في المحافظة على العلاقة التجارية مع إيران. عدم تحرُّك الغرب هو الذي سمح للمشروع النووي الإيراني بالتطور والتعاظم والنجاح. مسافة قصيرة جداً تفصلنا عن القنبلة الأولى.