الحدث

حكومة التعيينات: من هي الرؤوس القضائية التي “أينعت”؟

 

ملاك عقيل -أساس ميديا

منذ لحظة تشكيل الحكومة، فُتِح باب التعيينات في مواقع أمنيّة وإدارية وقضائية وماليّة على مصراعيه. وقيل الكثير عن أكثر من “ديل” في هذه التعيينات ارتبطت بالحكومة وكانت شرطاً لولادتها، وصولاً إلى حدّ الحديث عن إمكانيّة إقرار تعيينات تطول قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان ورئيس مجلس القضاء الأعلى ومدّعي عامّ التمييز.

لكنّ الأمر بقي أسير الصالونات المُغلقة و”اللقلقة”، خصوصاً في ما يتعلّق بقائد الجيش، إذ لا قرار سياسياً من جانب أيّ طرف بالاستغناء عن خدمات قائد الجيش العماد جوزف عون قبل عام من نهاية ولاية ميشال عون الرئاسية، وأيضاً لجهة إدراجه باكراً على لائحة المرشّحين الطبيعيين لرئاسة الجمهورية.

أمّا حاكم مصرف لبنان فعمليّة “قَبعه” من مكانه تحتاج إلى قرار كبير ينطلق من واشنطن وباريس، وصولاً إلى بيروت و”رضى” المنظومة الحامية له. مع أنّ “حالة” رياض سلامة شكّلت سابقة في تاريخ حكّام المصارف المركزية في العالم. بدايةً من تنصيبه في السنوات الماضية بين أفضل “الحكّام” عالميّاً، إلى اتّهامه بالاحتيال وتهريب الأموال ومراكمة الثروات والتزوير والإثراء غير المشروع، وملاحقته قضائياً عبر دعاوى رُفِعت ضدّه في لبنان وسويسرا وباريس وبريطانيا وهولندا، وصدور قرار قضائي عن رئيس دائرة تنفيذ بيروت القاضي فيصل مكّي بالحجز الاحتياطي على عقاراته وممتلكاته في لبنان، إضافةً إلى طلب رسميّ من القضاء في لبنان بتجميد ممتلكاته في أكثر من دولة، وخضوعه للاستجواب أمام المحامي العامّ التمييزي بالتكليف القاضي جان طنوس.

لكن في سياق مناقض لـ”الاستسلام” السياسي في ما يتعلّق بحاكم مصرف لبنان، خصوصاً من جانب رئيس الجمهورية، لا تزال الشكوك تحوم حول احتمال تعيين رئيس لمجلس القضاء الأعلى يحلّ مكان القاضي سهيل عبود.

في الواقع، ومنذ تعيينه رئيساً لمجلس القضاء الأعلى في 12 أيلول 2019، لم يغيّر عبود في سلوكيّاته المعروف بها في قصر العدل من عفّة قضائية وكفاءة.

هو “الريّس” المعيّن بإجماع السلطة السياسية في أرفع منصب قضائي ماروني، والمتحرّر في الوقت نفسه من قيودها ومن الارتهان الطائفي والسياسي. لكن سريعاً اصطدمت “صفات” سهيل عبود بحاجز قصر بعبدا.

عبّود “خذل” عون؟

التشكيلات القضائية، التي لم ترَ النور، وظَلَمت برأي كثيرين بعض القضاة، كانت سبباً في توتّر العلاقة بين الطرفين، وقادت لاحقاً، بسبب تراكم المآخذ المتبادلة، إلى الإيحاء بوجود رغبة لدى رئيس الجمهورية بتعيين قاضٍ آخر مكانه. ويتقاطع هذا الموقف مع مقاربة سلبيّة لمرجعيّات وأحزاب تجاه عبود الرافض لاحتوائه من قبل أيّ فريق سياسي.

وتقول مصادر مطّلعة في هذا السياق: “من المؤكّد أنّ العلاقة بين عون وعبود مالت تدريجيّاً نحو السلبيّة. وعون اكتشف باكراً أنّ القاضي عبود ليس من ضمن “المكاسب” الرئاسية، ولا يستطيع أن يمون عليه في ما يمكن أن يتعارض مع مساره في العمل وقناعاته. وقد اعترف عون أكثر من مرّة بأنّ القاضي عبود “خذلني”. وبالتأكيد يرغب رئيس الجمهورية باستبداله، لكنّه يحتاج إلى ثلثيْ مجلس الوزراء، وهو نصاب قد لا يتوافر حتّى لو اتّفق مع رئيس الحكومة على ذلك”.

وعلى أبواب نهاية العهد يصعب فعلاً توقّع خوض ميشال عون معارك بهذا الثقل، ولا سيّما أنّ التركيز الرئاسي سينصبّ على تنفيذ بعض الإصلاحات، وخوض انتخابات نيابية مُربحة للتيار الوطني الحر تعيد تعويم النائب جبران باسيل.

لكنّ معركة فرعيّة تلوح في الأفق مرتبطة بهذا الملفّ، وهي تعيينات مجلس القضاء الأعلى لاستكمال الشغور فيه، وتشمل ستة قضاة: تعيين 2 موارنة، 2 شيعة، 1 أرثوذكس. وانتخاب قاضٍ من قبل مجلس القضاء الأعلى.

ويؤكّد وزير العدل هنري خوري، المحسوب على رئيس الجمهورية، أنّه بصدد إعداد مرسوم تعيين القضاة لملء الشغور في المجلس.

يُذكَر أنّ مجلس القضاء الأعلى يتألّف من عشرة أعضاء: 3 أعضاء من الحَكَميّين هم رئيسه (القاضي عبود)، ومدّعي عامّ التمييز (القاضي غسان عويدات الذي يدور الكلام عن سعي الفريق العوني إلى تعيين قاضٍ آخر مكانه)، ورئيس التفتيش القضائي (القاضي بركان سعد).

ومن ضمن الأعضاء السبعة غير الحَكَميّين في مجلس القضاء الأعلى، قاضيان يُنتخبان من رؤساء غرف التمييز، لكن بسبب عدم صدور التشكيلات القضائية ووجود عدد من هؤلاء بالانتداب (في هذه الحالة لا يحقّ لهم الترشّح إلى عضوية مجلس القضاء الأعلى إلا إذا كانوا بالأصالة) فاز القاضي عفيف حكيم (درزي) بالتزكية في 18 أيار الماضي.

ولم يترشّح يومها القاضي جمال الحجّار (سنّيّ) لكون الحصّة السنّيّة في المجلس ممثّلة من خلال مدّعي عامّ التمييز ورئيس التفتيش القضائي. أمّا نصاب المجلس فهو 8 من 10.

وكانت الوزيرة نجم قد وقّعت مرسوم تعيين أربعة أعضاء في مجلس القضاء الأعلى في أيار الماضي، لكنّ رئيس الحكومة السابق حسان دياب رفض توقيعه في مرحلة تصريف الأعمال، ولذا لم يصل إلى رئيس الجمهورية الذي كان موافقاً على الأسماء المقترحة.

لكنّ المفارقة أنّ المعنيّ الأوّل بالتعيين، أي مجلس القضاء الأعلى، لم يوافق عليه، أقلّه اعتراضاً على اسم القاضي سامر يونس. وقد قيل يومها إنّ الأعضاء المعيّنين من قبل نجم يشكّلون “وديعة للعهد” بوجه القاضي سهيل عبود. وهو الأمر الذي نفته الوزيرة السابقة.

وقد تضمّن مرسوم التعيين آنذاك أسماء كلٍّ من: جويل فواز، سامر يونس، رولا الحسيني، ودانيا الدحداح.

وعليه، يعود للوزير خوري تسمية خمسة من أصل القضاة الستّة بموجب مرسوم يصدر بناءً على اقتراحه. لكن في المرحلة الأولى يعدّ مرسوماً يتضمّن أسماء أربعة قضاة فقط. وفي حال سَلَك مرسوم التعيين طريقه إلى التوقيع من قبل رئيسيْ الحكومة والجمهورية، يصبح عدد أعضاء المجلس ثمانية، وهو العدد الذي يوفّر النصاب لانعقاده. عندئذٍ يدعو مجلس القضاء الأعلى إلى انتخاب قاضٍ من بين رؤساء غرف التمييز العشرة (يمكن أن يكون من أيّ مذهب أو طائفة، وهذا ما يتحدّد بناء على الأسماء الأربعة التي طرحها وزير العدل)، لكن على الأرجح بعد إجراء تشكيلات جزئية لملء الشواغر في غرف التمييز، بحيث يكون القضاة في مواقعهم بالأصالة وليس بالانتداب.

وبعد أن يصبح عدد أعضاء مجلس القضاء الأعلى تسعة، يعدّ وزير العدل مرسوماً باسم القاضي العاشر.

ويؤكّد مطّلعون أنّ رئيس الجمهورية ستكون له، عبر وزير العدل، كلمته الحاسمة في اختيار القضاة المسيحيين. وقد يُعاد سيناريو “مرسوم نجم” الذي تضمّن اسماً رفضه مجلس القضاء الأعلى، ولولا تمنّع دياب عن التوقيع لكان “كَبر المشكل” بين بعبدا ومجلس القضاء الأعلى.

الأرجح هذه الأيام أن يتم التوافق على التشكيلات القضائية المجمدة في بعبدا واستكمال إحياء المجلس العدلي بالقوة نفسها التي شكلت الحكومة على أساسها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى