السلطة توقف تحقيقات البيطار: انتصار مؤقت.. المعركة مستمرة
يوم تحقيق عادي
وصل القاضي البيطار إلى مكتبه في قصر العدل اليوم على نحو طبيعي. كان أكثر العالمين بأنه سيتمّ تبليغه بطلب الردّ ليتم توقيفه عن متابعته عمله بملف المرفأ وتحقيقاته. إلا أنه قرّر متابعة عمله وفق المعتاد. حتى يوم الجمعة، يوم تقديم طلب الردّ، بادر من موقعه وتقدّم بطلبين جديدين إلى كل من وزير الداخلية والأمانة العامة لمجلس الوزراء للحصول على إذن بملاحقة كل من اللواء عباس ابراهيم واللواء طوني صليبا. مع العلم أنّ مولوي لن يخرج عن قرار سلفه الوزير محمد فهمي الذي رفض ملاحقة إبراهيم بناءً على جواب الدائرة القانونية في الوزارة. أما الأمانة العامة لمجلس الوزراء، فمن المتوقع أن تلجأ أيضاً إلى مجلس الدفاع الأعلى لمنع ملاحقة صليبا. اليوم تابع البيطار عمله كالمعتاد أيضاً، فاستجوب العميد في مديرية المخابرات سابقاً جودت عويدات. وخلال جلسة استجواب عويدات، حاول المباشر المكلّف الدخول إلى مكتب البيطار، إلا أنّ الأخير رفض إدخاله على اعتبار أنّ التحقيق سري والجلسة سريّة. وبعد الانتهاء من الاستجواب، أذِن البيطار للمباشر بالدخول وتبليغه، فتمّ الأمر وتوقّف عمل المحقق العدلي.. مؤقتاً.
الانتصار المؤقت
انتصرت السلطة على القاضي طارق البيطار مؤقتاً. لا شكّ بذلك. وعلى الرغم من التهليل الإعلامي والسياسي بتوقيفه عن التحقيقات، يغيب عن بال هؤلاء فعلياً بأنه ليس من اختصاص محكمة الاستئناف البتّ بدعوى طلب الردّ المقدّم. وتقول التجارب السابقة إنّ المحكمة تسقط هذه الدعاوى في الشكل قبل النظر في المضمون. فحسب ما أكدت “المفكرة القانونية”، رفضت محكمة الاستئناف في بيروت في العام 2007 طلب ردّ المحقق العدلي إلياس عيد في قضية اغتيال رفيق الحريري لعدم الاختصاص. فالمحقق العدلي، يتبع وظيفياً وهرمياً إلى المجلس العدلي وليس إلى محكمة الاستئناف.
وإن كانت الدعوى ستسقط في الشكل، أين انتصار السلطة؟
هو في أنها تمكّنت من توقيف البيطار عن عمله وجمّدت التحقيقات لبضعة أسابيع.
ما الهدف؟
تمرير ثلاثة أسابيع، حتى 19 تشرين الأول المقبل، موعد بدء انعقاد الدورة العادية لمجلس النواب. لماذا هذا التاريخ؟
لأنه مع دورة الانعقاد البرلماني، تعود إلى النواب المدعى عليهم حصاناتهم، وبالتالي، تصبّح مهمّة استجوابهم بحاجة إلى إسقاط مجلس النواب لهذه الحصانات. وهو الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به أغلب الكتل النيابية التي تحمي أساساً المسؤولين المدعى عليهم.
وكل هذه الأسئلة والأجوبة تجعل من انتصار السلطة على البيطار مؤقتاً، في حين أنه لا بد من التوقّف جدياً عن موقف أهالي ضحايا وشهداء جريمة انفجار المرفأ وكل المتضررين من أداء هذه السلطة والعرقلة والتمييع الناتج عنهما.
المسار الطبيعي
بعد تبلّغ البيطار وتوقفه عن “متابعة النظر في القضية إلى أن يُفصل في الطلب” (المادة 125 من قانون أصول المحاكمات المدنية)، تشير المادة 126 منه إلى أنه يتم تبليغ الخصوم والمعنيين في الملف “ولكل منهم أن يبدي ملاحظاته خلال مهلة ثلاثة أيام”. فتنطلق هذه المهلة بعد تبليغ جميع المعنيين في الملف، ليعمل بعدها رئيس محكمة الاستئناف القاضي نسيب إيليا على دراسة الطلب وإصدار حكمه فيه.
المال مقابل الهرب
ولدى مراجعة النصوص القانونية، تنصّ المادة 127 على أنه “يحكم على من يظهر غير محق في طلب الردّ بغرامة تتراوح بين مايتي ألف وثمانماية ألف ليرة لبنانية. ويمكن أن يحكم عليه بالتعويض للقاضي المطلوب رده وللخصم المتضرر من تأخير المحاكمة”. قد يكون الردّ على طلب الرد غير المحقّ، باهظاً. إذ يمكن لكل متضرّر من هذا الطلب التقدّم بتعويض مالي. وفي هذه الحالة، ليس “المال مقابل الحرية”، بل المال مقابل الإفلات من العقاب والعدالة والتحقيق والاستجواب. المال مقابل شراء وقت إضافي لمحاولة طمس التحقيق وتمييعه. المال مقابل الهرب والتهرّب من العدالة.
يوضح كل هذا أنّ السلطة ربحت جولة على القاضي طارق البيطار. ربحت جولة على التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. ربحت جولة على أهالي الضحايا والشهداء وكل المعنيين في هذه الجريمة. ربحت جولة على العدالة والحقيقة. ربحت نقطة جولة وخسرت عشرات النقاط الإضافية أخلاقياً ومعنوياً وشعبياً وسياسياً. ربحت جولة، لكن جولات كثيرة أخرى بانتظارها، لأنّ التحقيق سيعود بعد أسبوعين أو ثلاثة أو حتى أربعة. والمعركة مستمرّة، وليس من داعي للانغماس في أي موجة إحباط إضافي من إفرازات هذه السلطة المتّهمة والمدعى عليها في جريمة 4 آب وسائر الجرائم الأخرى.