عضوية إيران في “منظمة شنغهاي للتعاون”: المحفزات والتداعيات
نيكول غرايجيوسكي
أفادت بعض وسائل الإعلام بأن زعماء “منظمة شنغهاي للتعاون” صادقوا على منح إيران العضوية الكاملة فيها. ومن غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى إحداث تغييرات ملحوظة على المنظمة بحد ذاتها. يجدر النظر إلى هذه الخطوة في سياق جهود طهران للتخفيف من عزلتها الدولية من خلال توسيع علاقاتها الثنائية والمتعددة الأطراف مع روسيا والصين ودول آسيا الوسطى.
في 16 أيلول/سبتمبر، بدأ الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي في أول رحلة له إلى خارج البلاد لحضور قمة الذكرى العشرين لتأسيس “منظمة شنغهاي للتعاون” في طاجيكستان. وأشار المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون المنظمة بختيار حكيموف إلى أنه سيتم السير قدماً ببند بارز في جدول أعمال القمة في إطار طلب طهران المقدّم منذ فترة طويلة لنيل عضوية كاملة في المنظمة – وقد استمرت هذه المبادرة على الرغم من الغياب الملحوظ للزعيمين فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، بسبب انعزالهما من جراء وباء “كوفيد-19”. ورغم أن المزايا المباشرة لهذا القرار ستكون متواضعة بالنسبة لإيران، إلا أن هذا الخبر لا يزال يمثل انتصاراً دبلوماسياً مهماً لرئيسي في وقت تواجه فيه حكومته أسئلة ملحة بشأن المحادثات النووية المتوقفة في فيينا، وسيطرة حركة “طالبان” على أفغانستان، والتحدي الدائم المتعلق بصمود النظام الإيراني واستمراريته.
طريق إيران الطويل الأمد إلى العضوية
انبثقت “منظمة شنغهاي للتعاون” عن صيغة مجموعة “شنغهاي الخماسية” التي عقدت سلسلة اجتماعات بين عامي 1996 و1997 حول القضايا الحدودية بين الصين والدول المجاورة لها ما بعد الاتحاد السوفيتي، وهي روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. وفي عام 2001، انضمت إليها أوزبكستان لتشكّل معاً بشكل رسمي “منظمة شنغهاي للتعاون”، مما وسّع نطاق عمل التكتل ليشمل التعاون الاقتصادي والثقافي والأمني بهدف محاربة ما تصفه بكين بـ”محاور الشر الثلاثة”: الإرهاب والانفصالية والتطرف.
وأبدت إيران اهتمامها بالمشاركة بعد عام، وتقدمت في النهاية بطلب للحصول على صفة مراقب في عام 2004. وفي قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” التي انعقدت في أستانا في تموز/يوليو 2005، وافقت المنظمة على الطلب، وعَينت إيران مراقباً إلى جانب الهند وباكستان. وفي عام 2008، تقدمت طهران بطلب العضوية الكاملة، لكن الصين وأوزبكستان وكازاخستان كانت تخشى الذهاب إلى هذا الحد في ذلك الوقت، ويرجع ذلك جزئياً إلى التعنت المستمر للنظام الإيراني بشأن برنامجها النووي والضغط الدولي الناتج عن ذلك. وفي قمة طشقند [عاصمة أوزبكستان] في 2010، تبنت “منظمة شنغهاي للتعاون” معايير جديدة تنص على أن أي دولة ترغب في أن تصبح عضواً في المنظمة “لا يجب أن تكون خاضعة لأي عقوبات مفروضة من قبل «مجلس الأمن الدولي»”.
وحالما رُفعت العقوبات المفروضة من قبل الأمم المتحدة في أعقاب «خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015، أُجريت مناقشات مكثفة بشأن قبول عضوية إيران. غير أن التأخير استمر لسنوات بسبب عدة عوامل، من بينها انضمام أعضاء آخرين (الهند وباكستان)، وتراجع العلاقات مع طاجيكستان بسبب تواصل طهران مع المعارضة في تلك البلاد، وتردد بكين المستمر بسبب استغلال إيران لـ “منظمة شنغهاي للتعاون” للترويج ضد السياسات الأمريكية.
ومع ذلك، فإن عدم إحراز تقدم بشأن انضمام إيران لم يعرقل التفاعلات الأساسية – فقد شارك موظفون إيرانيون مراراً وتكراراً في اجتماعات قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” والاجتماعات الوزارية والمؤتمرات وتدريبات مكافحة الإرهاب. فضلاً عن ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى أن الاعتراضات السابقة لم تعد تشكل عقبة أمام العضوية الكاملة. وهذا ما أكده الأمين العام لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني” علي شمخاني في 11 آب/أغسطس، الذي أعلن أنه تم حل “العقبات السياسية” أمام انضمام بلاده بعد حديثه مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف. وبالإضافة إلى تسوية الخلافات مع طاجيكستان، يبدو أن إيران أقنعت الصين أيضاً بدعم انضمامها إلى المنظمة. وعلى الرغم من أن بكين كانت أقل الحاحاً حول هذا الموضوع من روسيا وطاجيكستان، إلّا أن بعض التقارير أفادت أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان شكر نظيره الصيني وانغ يي لدعمه طلب العضوية خلال مكالمة هاتفية أجراها معه في وقت سابق من هذا الشهر.
التداعيات السياسية
غالباً ما يتم تصوير “منظمة شنغهاي للتعاون” على أنها تكتل معادٍ للغرب بطبيعته، حتى أن البعض يصفها بأنها “مناهضة لحلف شمال الأطلسي”. ومع ذلك، أدت الاختلافات بين الدول الأعضاء الفردية إلى تقييد التنسيق في سياسة التكتل واندماجه الإقليمي منذ قيام المنظمة. ويُعزى ذلك جزئياً إلى تصميمها المؤسسي – فـ “منظمة شنغهاي للتعاون” تعمل بنظام الإجماع الذي يحدّ من إمكانية إقامة التعاونات الكبيرة، بينما تفتقر الهيئتين الدائمتين فيها (“الأمانة العامة” في بكين و”الجهاز الإقليمي لمكافحة الإرهاب” في طشقند) إلى الأهلية القانونية لإنفاذ القرارات. وبالتالي، تعمل “منظمة شنغهاي للتعاون” كمنتدى للنقاش والمشاركة أكثر من كونها تحالفاً إقليمياً رسمياً شبيهاً بـ “الاتحاد الأوروبي” أو حلف “الناتو”.
وبالتالي من الناحية العملية، لن يكون لمنح العضوية لإيران سوى تداعيات متواضعة. فسيصبح بإمكان طهران الآن المشاركة في صنع القرار في “منظمة شنغهاي للتعاون”، والذي يشمل إعداد وتوقيع الوثائق. ومع ذلك، على الرغم من اعتماد المنظمة على الإجماع، فمن غير المرجح أن يترتب على منح إيران صوتاً أي تغييرات جوهرية في موقف المنظمة، نظراً لأن الصين وروسيا تبقيان حاسمتين بالنسبة للسياسة الخارجية لطهران، ومن المفترض أنهما ستؤثران على أصواتها في الأمور المهمة.
أما المكانة التي قد تنالها إيران من العضوية فهي أكثر أهمية. فقد كان الانضمام إلى “منظمة شنغهاي للتعاون” هدفاً طويل الأمد لطهران – ليس بقدر ما يمثل جانباً من نهجها السياسي تجاه الشرق الأوسط، ولكن باعتباره امتداداً لجهودها لتعزيز الشرعية الدولية للجمهورية الإسلامية وعلاقاتها مع الشرق. وعموماً تصرّفت إيران كقوة يفرضها الوضع الراهن في آسيا الوسطى، إذ أذعنت لهيمنة موسكو وبكين ودعمت وحدة أراضي دول “منظمة شنغهاي للتعاون”. ويُنظر إلى الحصول على العضوية الكاملة على أنه وسيلة لطهران لتعزيز هذه العلاقات الإقليمية. كما وضع النظام الإيراني نفسه كشريك مرغوب فيه من خلال التزامه بمكافحة “محاور الشر الثلاثة” لبكين (على سبيل المثال، من خلال التأكيد بشكل متكرر على الإجراءات الإيرانية لوقف تهريب المخدرات وتدفقات اللاجئين).
وقد اكتست مثل هذه الجهود أهمية إضافية في ضوء صراع طهران المستمر مع الولايات المتحدة. ويميل المسؤولون الإيرانيون إلى وصف “منظمة شنغهاي للتعاون” على أنّها رمز لتحويل ديناميكيات القوة العالمية بعيداً عن أمريكا ونحو المجموعة غير الغربية. وفي السابق، كانت الصين ودول آسيا الوسطى أكثر استعداداً لاستيعاب مخاوف الولايات المتحدة بشأن السماح لإيران بأن تصبح أكثر انخراطاً في المنظمة، خاصة خلال عهد أحمدي نجاد، عندما سعت طهران إلى استخدام المنظمة كمنصة لتعزيز سياساتها النووية. ومع ذلك، قد لا تتمكّن إدارة بايدن أو ترغب في الحصول على مثل هذه التنازلات نظراً لعلاقاتها المتوترة مع موسكو وبكين، ناهيك عن نقص الاهتمام العام الذي أولته واشنطن لآسيا الوسطى في السنوات الأخيرة.
أفغانستان والأمن الإقليمي. منذ عام 2007، بدأت “منظمة شنغهاي للتعاون” في السماح للدول المشاركة بصفة مراقب المساهمة بشكل أكثر انتظاماً وانخراطاً في الاجتماعات الوزارية، ومجموعات العمل، والهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب – وهو تحول أتاح لإيران الوصول إلى مشاركة محدودة للمعلومات حول الإرهاب والتطرف وتهريب المخدرات. وفي عام 2017، قررت المنظمة إحياء “مجموعة الاتصال بين «منظمة شنغهاي للتعاون» وأفغانستان”، مما يشير إلى رغبتها في الاضطلاع بدور جماعي في ذلك البلد. والآن أصبحت طهران جزءاً من تلك الحسابات – فقد عزز الانسحاب الأمريكي والاستقرار غير المؤكد لحكومة “طالبان” الجديدة موضوع جعل إيران عضواً كامل العضوية، وكانت موسكو تشدد على ضرورة إشراك المسؤولين الإيرانيين في المحادثات الرباعية الروسية – الصينية – الباكستانية – الأمريكية حول أفغانستان.
ومع ذلك، وكما حدث في الماضي، من المرجح أن تحد السياسات المتباينة للدول الأعضاء في “منظمة شنغهاي للتعاون” من قدرة المنظمة على النهوض بحوار هادف بشأن أفغانستان ما بعد الانسحاب. وتبنت طاجيكستان وأوزبكستان المجاورتان مقاربتين متناقضتين مع “طالبان”، حيث عارضت دوشانبي [عاصمة طاجيكستان] علناً الحكومة الجديدة بينما تبنت طشقند لهجة أكثر تحفظاً وتوافقاً. ومن جانبها نددت إيران بدعم باكستان لهجوم “طالبان” ضد حركة المقاومة في ولاية بنجشير ودعت إلى قيام حكومة شاملة في كابول. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، إلا أن أعضاء “منظمة شنغهاي للتعاون” يتشاطرون القلق الشامل بشأن الاستقرار في أفغانستان بسبب مصالحهم المتشابكة بشدة في شؤون الأمن الإقليمي.
صمود النظام. لطالما لاقى نفور “منظمة شنغهاي للتعاون” من الترويج للديمقراطية والتدخل الخارجي صدى لدى النظام الإيراني، وغالباً ما أثر في أساليبه في التمسك بالسلطة في الداخل. ورداً على “الحركة الخضراء” المعارضة التي برزت خلال دورة انتخابات عام 2009، عززت طهران سيطرتها على تقنيات المعلومات باستخدام ممارسات الرقابة على الإنترنت والتكنولوجيا السيبرانية الصينية. وبالمثل، بدأت التشريعات الإيرانية بشأن أمن المعلومات في محاكاة المصطلحات المستخدمة في الوثائق الروسية والصينية وتلك الصادرة عن “منظمة شنغهاي للتعاون”، لا سيما في ربط سيادة الدولة بالسيطرة على الإنترنت.
وكعضو كامل في “منظمة شنغهاي للتعاون”، ستتمكن إيران من دعوة مراقبين للانتخابات من المنظمة لإضفاء مظهر من الشرعية على عمليات الاقتراع التي ستنظمها في المستقبل. كما ستتمكّن من تصنيف بعض الجماعات رسمياً على أنها منظمات “إرهابية أو متطرفة أو انفصالية” ضمن القائمة التي رُفعت عنها السرية والتي يحتفظ بها “الجهاز الإقليمي لمكافحة الإرهاب” – وهي ممارسة تستخدمها العديد من دول “منظمة شنغهاي للتعاون” لتهميش فصائل المعارضة المحلية. باختصار، إن ترويج المنظمة لممارسات الاستقرار الاستبدادي له تداعيات على السياسة الداخلية والخارجية بالنسبة لإيران.
الخاتمة
من غير المرجح أن يؤدي انضمام إيران بعضوية كاملة إلى “منظمة شنغهاي للتعاون” – وهي عملية قد تستغرق ما يصل إلى عامين بمجرد إطلاقها رسمياً – إلى إحداث تغييرات ملحوظة على المنظمة بحد ذاتها. وبدلاً من ذلك، يجدر النظر إلى هذه الخطوة في سياق جهود طهران للتخفيف من عزلتها الدولية من خلال توسيع علاقاتها الثنائية والمتعددة الأطراف مع روسيا والصين ودول آسيا الوسطى. كما ستؤدي العضوية إلى تعزيز دور طهران في إدارة الأمن الإقليمي وتزيد من سعيها لإضافة “موجّه شرقي” لسياستها الخارجية.