سيادتنا بين صهاريج ايران وقاذفات «اسرائيل»
نبيه البرجي-الديار
أن يقول مفكر اسلامي في الاجتماع الدوري للقاء سياسي «ما دامت الحاجة تدعونا الى انتظار المازوت ولو من جهنم، وما دمنا نستقبل صهاريج ايران بالأهازيج والقذائف الصاروخية، لماذا لا ندعو في بياننا الى استدعاء الصهاريج الاسرائيلية ؟ على الأقل، ورثة اسحق (ولم يقل ورثة ابراهيم، وهو من تلقى الوعد الالهي)، يقولون باسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل فقط ورثة قوروش يقولون بايران الكبرى من المحيط الى الخليج» .
حتى وان كنا بعيدين عن المفهوم الايراني للثقافة الدينية أو للسوسيولوجيا الدينية، حتى وان كنا ضد أي ترسبات أمبراطورية، أو قبلية، بالمعنى الجيوسياسي أو بالمعنى الجيوستراتيجي، ألا يعكس كلام مفكر لطالما انتقد نظرية صامويل هانتنغتون حول «صدام الحضارات» (الحضارة اليهومسيحية والحضارة الكونفواسلامية) صدام الكراهيات وصدام الجاهليات، حين نتناسى ما كان دور المساعدات الايرانية في اجتثاث الاحتلال من أرضنا؟
أكثر من مرة قلنا اننا لن نكون ايرانيين ولو زلزلت الدنيا . مثلما نحن أحفاد أبي ذر الغفاري، نحن أحفاد محيي الدين بن عربي . لن نتخلى عن هويتنا، برفضنا الكلي لأي ارتباط لهذه الهوية بالبداوة، أو بالقبلية، أو بأي بلاط لا يزال على تخوم القرون الوسطى…
الرئيس نجيب ميقاتي الذي ندرك ما وراء كلامه، حزين (لا غاضباً) لانتهاك الصهاريج السيادة اللبنانية . صهاريج المازوت الى المستشفيات، والأفران، والمولدات، انتهكت سيادة بلدنا.
القاذفات الاسرائيلية التي تغتصب أجواءنا على مدار الساعة، وترصد حتى دبيب النمل على أرضنا، لا تنتهك السيادة، ولا غرف النوم أهل السيادة.
اذا عدنا الى نظرية عالم السياسة الفرنسي موريس دوفرجيه «سيادة الوطن من سيادة المواطن» أي سيادة للمواطن اللبناني حين يقف، لأيام، في طوابير الذل، وهي طوابير العار، من أجل تنكة البنزين أو من أجل تنكة المازوت؟
وأي سيادة حين تبقى البلاد ثلاثة عقود دون كهرباء، وقد ذهبت أموال الفيول (أكثر من 40 مليار دولار) الى صناديق ملوك المافيات، وملوك الطوائف، دون أن يرف جفن لهؤلاء الذين نهبوا المال العام، وجعلونا ننوء بدين عام (أكثر من 100 مليار دولار) تنوء به الجبال…
وأي سيادة حين تذهب أنهارنا هباء (وهي ذهبنا الأبيض في هذه المنطقة)، ولا ماء في المنازل؟ وأي سيادة حين تتشكل جبال القمامة على أرصفتنا، نحن الذين كنا نراقص القمر، فاذا بنا نراقص الجرذان؟
وأي سيادة حين يتحسر الرعايا على الادارة العثمانية بعدما تحولت الادارة في زمن الجمهورية الثالثة الى مستودع للصوص، وللأزلام، ولشذاذ الآفاق؟
وأي سيادة حين تنتقل بنا المنظومة السياسية من التعليب الطائفي الى التعليب المذهبي، لترتفع المتاريس بين المدينة والمدينة، وبين الشارع والشارع، وحتى بين الغرفة والغرفة، في البلد الذي كان يفترض أن يكون لؤلؤة الشرق الأوسط فاذا به… فضيحة الشرق الأوسط ؟
وأي سيادة حين نزحف على بطوننا، وعلى ظهورنا، بعدما قال البنك الدولي اننا ضحايا احدى ثلاث أزمات كبرى شهدها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، أنتم يا حكام القرن التاسع عشر؟
يا دولة الرئيس، كيف تكون هناك سيادة حين لا تكون هناك دولة . لا شك أنك تشاهد من شرفات منزلك القاذفات الاسرائيلية وهي تختال فوق مدينتنا . هذه المدينة التي رجل واحد منها (خالد علوان) جعل دبابات آرييل شارون تلوذ بالفرار، وهي تستغيث بمكبرات الصوت «لا تطلقوا النار علينا، اننا راحلون» !
هل ثمة من فارق بين الصهاريج التي تحمل الينا المازوت والطائرات الاسرائيلية التي تتوعدنا بالويل والثبور ان لم نطأطئ رؤوسنا، وظهورنا، أمام أولئك الحاخامات الآتين من ليل الأزمنة، ومن ليل الأمم ؟
الصهاريج تنتهك السيادة، القاذفات لا. هذه هي المعادلة . أيها الذين تراهنون على كينيث ماكنزي، أنظروا الآن، الآن تحديداً، ما فعلته أميركا مع فرنسا. لا نقول ما فعلته في أفغانستان، ولا ما فعلته في العراق، ولا ما فعلته في لبنان . الخيانة!!!