منظمات المجتمع المدني: وجه آخر للاستخبارات الأميركية
المنظمات غير الحكومية أو منظمات المجتمع المدني هي الأداة النموذجية للحراكات المدنية التي جذبت الشعوب والمواطنين في العالم، من كل الشرائح والمستويات الإجتماعية، ولا سيما الشباب وطلاب الجامعات وعملت على استيعابها وتعبئتها بالاعتماد على سلسلة من الأنشطة والبرامج الخاصّة والممولة، يديرها وينفّذها ناشطون متخصصون بهدف تنظيم شأنهم العام، وإصلاحه ومكافحة ظواهر الفساد، واستبداد السلطات، وترهّل النخب السياسية، وجمود الأحزاب الإيديولوجية في نموذج الدولة الحديثة.
ولكن تحوّل عمل هذه المنظمات من عمل “اجتماعي” الى عمل “جاسوسي”. ظهرت الجاسوسية المقنعة لتلك المنظمات بوضوح في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، حيث أصبحت قضية هذه المنظمات هاجسًا للدول والحكومات. الاختراق الأجنبي الذي بات يستهدفها، لتحويلها إلى رأس حربة أو طابور خامس في بلادها، حسبما تقضي مصلحة أنظمة أجنبية، هو الذي جعلها قضية خطيرة وملحة في الألفية الثالثة.
تثير منظمات المجتمع المدني غير الحكومية الكثير من الإشكاليات، وخاصة في دول العالم النامي، لاستهدافها من الخارج على طول الخط، واستخدامها كرأس حربة في برامج تسويق المثال الأمريكي، ومن أخطر الوسائل المعروفة لتحقيق ذلك هو عن طريق ضخ أموال إليها من جانب حكومات أجنبية، أو جماعات تنوب عنها، عادة ما تكون ملوثة سياسياً، وتتستر هذه الأموال تحت دعاوى إنسانية وديمقراطية وتنموية واجتماعية.
تعتبر منظمات المجتمع المدني بشقيها المحلي الوطني أو الدولي احدى أذرع الليبرالية الدولية والرأسمالية والعولمة. ويكشف عن هذا المفهوم نص زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر دعا منذ السبعينيات إلى وجوب اهتمام الولايات المتحدة “باختراق الحركات القومية والأيدولوجية والمثقفين، وحتى المزيّفين منهم في بلدان الأطراف غير الرأسمالية، بهدف انتزاع المثقفين من حركات التحرر الوطني، وبالتالي تفريغها من هؤلاء المثقفين، لتصبح حركة جماهيرية بلا رؤية”.
وبصعود ظاهرة العولمة وسيطرتها على كل المجالات، “تعولم المجتمع المدني” ليؤدي دوراً فعّالاً في “الثورات الملوّنة” التي اجتاحت أوروبا الشرقية أولاً، وبلدان آسيا وأفريقيا ثانيًاً، والعالم العربي ثالثاً، وهكذا زحف مصطلح “المجتمع المدني” والمنظمات غير الحكومية إلى البلدان العربية ومنها بلدان المشرق العربي المواجهة للعدو الصهيوني خاصة لبنان وسوريا وفلسطين والعراق.
أولًا: مفهوم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية
منذ بضعة عقود وعبارة “المجتمع المدني” هي من الأكثر رواجًا في اللغة السياسية والتنموية والسوسيولوجية والإيديولوجية، في شتى مناطق العالم. وهي عبارة يتم استخدامها كيفما اتفق، وبمعانٍ متنوعة وغالبًا ما تكون متناقضة. وعلى العموم، منذ نهاية الحرب الباردة، فرضت عبارة “المجتمع المدني” نفسها في اللغة العامة وفي الخطاب العلمي (الجامعات ومراكز الأبحاث الملحقة بها) وفي التقارير الإعلامية (الصحافة والإعلام) وفي “الأدب الرمادي”، أي ما يصدر من كتابات عن المؤسسات الدولية (الاتحاد الأوروبي، البنك الدولي، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وما إلى ذلك). حدث هذا الرواج لهذه العبارة دون أن يكون مصطلح المجتمع المدني دائمًا ذا مدلول دقيق وموحد.
لنستعرض بعض أشكال تعريف المجتمع المدني. يقدم دومينيك كولا التعريف الآتي: “يشكل المجتمع المدني، وقد أصبح “بطاقة تعريف” لجميع أنماط الجمعيات، أو أحيانًا “علامة” الفراغ، ميدانًا مشتركًا يسمح فيه رواج الحديث بهذا المفهوم بتبادل الكلام دون معرفة المقصود به”.
يصف غوتييه پيرُت في مقاله مفهوم المجتمع المدني في سياسات وممارسات التنمية بأنه “ظرف فارغ يُملأ بمعانٍ معينة تبعًا للجهات التي تستخدمه وسياقات استخدامه الاجتماعية والثقافية”.
ويعتبر في نفس المقال أن المجتمع المدني “مفهوم دائم التكوين”.
اعتبرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID أن المجتمع المدني ” هو منظمات غير حكومية يمكنها أو لديها القدرة على الدفاع عن الإصلاحات الديمقراطية…”. كما أن هذه الوكالة وضعت عام 1991 قائمة بما يمكن إدراجه تحت مفهوم المجتمع المدني من الأحزاب السياسية من خلال المنظمات المهنية الوطنية مثل الجمعيات القانونية أو الطبية أو التجارية…، إلى معاهد البحوث (الجامعات أو الأكاديميات ومراكز الفكر) إلى رابطات المواطنين (منظمات مجتمع الحي أو النقابات العمالية أو المنظمات النسائية أو جمعيات الآباء والمعلمين).
أما البنك الدولي فتبنّى من جهته تعريفًا للمجتمع المدني أعدّه عدد من المراكز البحثية الرائدة: “يشير مصطلح المجتمع المدني إلى مجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجود في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استنادًا إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري”.
أما الكتاب الأبيض في الحوكمة الأوروبية فيعرِّف “المجتمع المدني” بأنه “منظمات نقابية ونقابات أصحاب العمل (شركاء اجتماعيون)، منظمات غير حكومية، جمعيات مهنية، جمعيات خيرية، منظمات شعبية، منظمات لمشاركة المواطنين في الحياة المحلية والبلدية، وبمساهمة محددة من الكنائس والمجتمعات الدينية”.
واضح مما ورد أعلاه أن المجتمع المدني ما يزال مفهومًا ينتظر تعريفه الدقيق. ومع ذلك فإن هذا المفهوم المتعدد المعاني والملتبس والمربك وموضع النقاش العلمي، نجح في تصدّر الخزان المفاهيمي لـ”المجمع التنموي” complexe développeur، وأصبح من عباراته الطنانة buzzwords، منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي. غالباً ما تعتبر العبارات الطنانة أدوات مفيدة للمجمع التنموي الدولي، فاستعمالها يخلق تأثيرًا إيجابيًا لدى عامة الناس. يتم استخدام هذه الكلمات الطنانة، وهي “مفاهيم دارجة” بملامح غامضة ومحتوى غير محدد في كثير من الأحيان، وتوحي بمدلولات مرغوبة: الحد من الفقر، اللامركزية، الشفافية، الديموقراطية… للتغطية على الرؤية النيوليبرالية من مسائل تثير ريبة المواطن: تقليص دور الدولة في سياسات الحماية، الخصخصة، تحرير الأسواق، فتح الأجواء…
المنظمات غير الحكومية
المنظمات غير الحكومية Non-Governmental Organizations هي جمعيات لا تعريف لها في القانون الوطني كفئة قانونية محددة بشكل خاص، وكذلك حالها في القانون الدولي. ونظرًا إلى تنوع هذه الظاهرة وعدم تجانسها يستحيل على أي تعريف لها الحصول على إجماع حوله. يظل مصطلح “المنظمة غير الحكومية”، حتى في سياق الأمم المتحدة، مفهومًا غير معرّف قانونيًا، ويغطّي مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة غير الحكومية، معظمها عابر للقوميات. مؤخرًا، تمّ التوافق على ثلاث معايير، في اجتماعها يتبلور تعريف المنظمة غير الحكومية: استقلالية عن أجهزة الدولة، غاية غير ربحية، بنية تنظيمية مستقرة ومستدامة. واضح غياب مفهوم العمل التطوعي عن هذا التعريف.
وعلى الرغم من الاسم “منظمة غير حكومية” الذي يوحي بعدم وجود علاقة مع الدولة، فإن العديد من الجمعيات التي تحمل هذا الاسم على علاقة معقدة بالدولة. يتم التعبير عن ذلك في تكاثر الاختصارات المثيرة التي تشير إلى “أشكال مختلطة من المنظمات غير الحكومية”. فمنها المعروفة باسم “المنظمات غير الحكومية التي تنظمها الحكومة” (GONGOs /Government-Organized NGOs)، وهي ليست جزءًا رسميًا من جهاز الدولة، ولكنها لأسباب مختلفة أنشأتها الدول لتمثيل مصالحها. يبقى أن نشير إلى أن الاحتراف في المنظمات غير الحكومية غيّر من طبيعة جمعيات “المجتمع المدني”.
ثانيًا: أهداف ووظيفة المنظمات “غير الحكومية”
إن تدخل المؤسسات المالية الدولية من خلال سياسات المساعدات المشروطة، وإعادة تقييم الأنشطة التنموية لأجهزة الدولة في الجنوب، وانتشار الجمعيات الجديدة في الشمال ثم في الجنوب، تحت التسمية الرائجة المنظمات غير الحكومية “الحمّالة الأوجه” mots-valises، وفي موجة إعادة تنشيط أو إعادة بناء نسيج محلي لجمعيات (قروية أو مدينية) مندرجة بانتظام في برامج ومشاريع تنموية، منها برامج مكافحة الفقر مع نهاية الألفية، إن كل ذلك ساهم بربط التنمية بفكرة “مجمع تنموي” فعلي. يشير هذا المصطلح إلى شبكة مترابطة من الوكالات الدولية والوطنية، والمنظمات غير الحكومية المحلية أو متعددة الجنسيات، والخبراء، وجماعات الضغط. هذه الشبكة مسؤولة عن تحديد وتنفيذ وإدارة وتقييم مشاريع وبرامج التنمية. كما ساهم بربط التنمية بدور يوصف بأنه إيجابي، ويكون منوطاً بـ “المجتمع المدني”.
ومن هنا تكون مقولة التنمية حاضنة لـ”صناعة المجتمع المدني”. فبدل أن يصنع “المجتمع المدني” مشاريع التنمية، يكون المجتمع المدني واحداً من مشاريع التنمية لخدمة السياسات النيوليبرالية والطبقة السائدة التي تقود هذه السياسات محلياً وعالمياً. اعتمدت النيوليبرالية في ثمانينيات القرن الماضي نظريات التحديث التي اعتبرت أسباب تأخر التنمية في وجود عقبات داخل المجتمعات “المطلوب تنميتها”. أما العقبة الأساسية فتكمن في “اختلالات اشتغال الدولة”. معالجة هذه “الاختلالات” تستلزم إصلاح الدولة. كيف يكون إصلاح الدولة؟ يكون ذلك بأن تتماشى الدولة مع المعايير العالمية للعولمة النيوليبرالية القاضية بتنفيذ برامج “إعادة الهيكلة”. وفي النتيجة تصبح الدولة “دولة الحد الأدنى” لصالح التوسع في حرية الأسواق والأجواء. أما دور المجتمع المدني فهو ملء بعض الفراغ (قليله أو كثيره) الذي يظهر مع تقليص دور الدولة.
إن دراسات المجمع التنموي، وبصفة خاصة الجهات الفاعلة فيه ومعتقداتها وهوياتها وتصوراتها وتحالفاتها، ساهمت في نشوء مقاربة “التنمية” من خلال التركيز على ما سُمي “البنية التنموية”، أي “هذا الجسم العالمي إلى حد كبير المكوّن من الخبراء والبيروقراطيين وقادة المنظمات غير الحكومية والباحثين والفنيين قادة المشروع والوكلاء الميدانيين، الذين يعيشون بطريقة ما على تنمية الآخرين ويقومون لهذا الغرض بتعبئة أو إدارة موارد مادية ورمزية هائلة”… فالتنمية هي سوق وميدان. إنا سوق يتم فيه التداول بالسلع والخدمات والمهن… هي سوق تتعلق بـ”بيع” المشاريع والسياسات والأجهزة والبرمجيات والوظائف. وغالبًاً ما تتخفى السياسات الكبرى للتنمية خلف “الشعارات – البرامج” (التنمية هي محاربة الفقر) أو الكلمات الطنانة الأكثر غموضاً (الحوكمة الرشيدة، المشاركة، الشفافية، المجتمع المدني…). في هذه السوق للمجتمع المدني دور محفوظ وملحوظ.
بإختصار تقوم المنظمات غير الحكومية على:
-اختراق الشعوب المستضعفة والسيطرة عليها فكريًا وثقافيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.
-تعزيز التكافل الاجتماعي، ودعم الديمقراطية وإعلاء مبادئ حقوق الإنسان من أجل تحقيق الأهداف الخارجية.
-تشويه صورة الواقع الحقوقي.
-تضليل الرأي العام.
-تشويش الرؤية لدى المنظمات الدولية.
-تأمين فرص عمل للشباب ودخلاً مرتفعًا، وبذلك تستطيع أن تسحب منهم روح الانتفاضة رويدًا رويدًا، ثم تخديرهم بأساليب عديدة. (بحسب جريدة “الأخبار اللبنانية” فقد كشفت آخر التقديرات التي نشرها “ديوان الرقابة المالية والإدارية”، وهو الجهاز الأعلى للرقابة في فلسطين، في نهاية 2016 أن عدد المنظمات غير الحكومية بلغ نحو 4010 ينشطون على الأراضي الفلسطينية، فيما تقدر أرقام شبه رسمية أنها توفر للفلسطينيين نحو 41 ألف وظيفة، فيما يصلها تمويل خارجي يزيد عن مليار و500 مليون دولار سنوياً. وتشمل هذه الإحصائية المؤسسات غير الربحية كافة، الممولة محلياً أو أجنبياً، علماً أن الأخيرة تشكل ثلثي العدد المذكور “4010”، ويشمل ذلك المنظمات التي تحظى بتمويل أجنبي كامل، أو يغطي هذا التمويل النسبة الكبرى من مشاريعها. أما في الأردن فيبلغ عدد الجمعيات والشركات غير الربحية المسجلة نحو 4000 جمعية، تشرف وزارة التنمية الاجتماعية على النسبة الأكبر منها بينما تتقاسم وزارة الداخلية والثقافة والتنمية السياسية والزراعة والبيئة ووزارات أخرى الإشراف على باقي الجمعيات، ويتركز أكثر من 60% منها في العاصمة عمان.)
ولذلك يدعو غوتييه پيرُت إلى مقاربة المجتمع المدني “كمشروع”، مقترحًا فهمه باعتباره مشروعًا تتضافر عدة عناصر لخلقه، منها ديناميات خاصة بالمجتمعات التي ينشأ فيها، ومنها ديناميات خارجية، هي اتجاهات عالمية تفضل ظهور بعض المجموعات على الساحة الوطنية والدولية (المنظمات غير الحكومية – المجتمع المدني). ووفقًا لذلك، فإن ظهور جمعيات المجتمع المدني يرجع إلى وجود علاقة بين الديناميات الداخلية للدولة (الإصلاحات الاقتصادية والسياسية على المستوى المحلي، والطفرات الاجتماعية الخاصة بسياقات الانتقال)، والديناميات الخارجية (سياسات دعم بعض الجهات الفاعلة، وجدول أعمال التنمية، ومشاركة الاتجاهات التي يفرضها المجتمع الدولي). لذلك، يتطلب المجتمع المدني تحليله كمشروع دائم التكون والتعريف.
هكذا يكون المجتمع المدني هو الجماعة التي خُلقت في ظروف معيّنة ومراحل معينة لتقوم بمهام محددة من الجهات الفاعلة دوليًا ومحليًا.
على سبيل المثال، الدور المشبوه لمنظمات “الغونغوز” في البحرين:
تعتمد السلطات البحرينية سياسة خنق منظمات المجتمع المدني، وذلك عبر سن تشريعات محلية تقوّض نشاط هذه المنظمات، أو الملاحقات القضائية والأمنية كما حدث لرئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان نبيل رجب وللحقوقية البارزة ابتسام الصائغ.
وبالموازاة مع ذلك، يبرز دور منظمات “الغونغوز” GONGOS التي تعرّف عادة بأنها منظمات غير حكومية تمولها وتديرها الحكومات، وهي تبدو كأنها مؤسسات مجتمع مدني غير حكومية، ولكنها أنشئت من قبل حكومات مثل البحرين للتشويش على المنظمات غير الحكومية الفاعلة، والتي تسعى إلى تعزيز الحريات العامة والديمقراطية في بلدانها.
وفي هذا الإطار، تؤدي منظمات “الغونغوز” الممولة من الحكومة البحرينية أدوارًا متعددة في تشويه صورة الواقع الحقوقي في البحرين، وهي تعمل ضمن إطار مجتمع مدني وهمي تم تشكيله لمواجهة العمل الحقوقي المستقل داخليًا وخارجيًا.
فمن أهداف إنشاء “الغونغوز” البحرينية: تضليل الرأي العام، وتشويش الرؤية لدى المنظمات الدولية بشأن ما يجري في البحرين، عبر فبركة الأحداث الحقوقية لاتهام شيعة البحرين بارتكاب انتهاكات، وتشويه سمعة الناشطين أو المؤسسات الحقوقية المحلية، ومحاولة اختراقها لتقييد عملها.
وكذلك رصد نشاط المؤسسات الحقوقية المحلية، وإصدار بيانات وتقارير مضادة للوقائع الحقوقية عبر مراسلة البعثات الدبلوماسية والإجراءات الخاصة في الأمم المتحدة، وإطلاق مواقف إعلامية تمتدح السجل الحقوقي للسلطة، بالإضافة إلى كتابة تقارير تجسسية خاصة ترسل إلى وزارة الداخلية أو وزير المتابعة في الديوان الملكي.
هذا إضافة إلى اتخاذ شكاوى الضحايا مادة للابتزاز لدى الأجهزة الأمنية، وتبرير ارتكاب التجاوزات كما فعلت المؤسسة الوطنية في امتداحها الإجراءات القضائية والتحريض على أحكام الإعدام مثلًا؛ حيث نفذت أحكام الإعدام (في 15 يناير/كانون الثاني 2018) بحق ثلاثة مواطنين، وقد اعتبرت مقررة الأمم المتحدة أجنيس كالامارد أحكام الإعدام هذه قتلا خارج إطار القانون.
وقد كشف “تقرير البندر”، الذي أصدره مركز الخليج للتنمية والديمقراطية في أيلول 2006- دور وزير المتابعة في الديوان الملكي أحمد عطية الله آل خليفة في قيادة مجموعة التأزيم، التي تقف وراء مؤامرة سياسية كبيرة، جرى تفصيلها في 240 صفحة بالوثائق لتغيير التركيبة السكانية والقضاء على المجتمع المدني، عبر عدة وسائل منها دعم منظمات وهمية لها أهداف خطيرة.
ورغم ذلك، فإنَّ نشاط منظمات “الغونغوز” استمر في خط تصاعدي، ولم تلجأ السلطة إلى التحقيق فيما ورد من معلومات في “تقرير البندر”، وإنَّما أصدرت تعميمًا على الصحافة بمنع تداول هذا الموضوع، ليشار إليه -في تقارير إعلامية محدودة- تحت عنوان: “التقرير المثير”. ويشار إلى أنَّ التقرير نشر مجموعة من الوثائق منها الشيكات المالية المصروفة لأعضاء هذه المؤسسات في بنك التمويل الكويتي.
ثالثًا: أشكال المنظمات غير الحكومية ومراحل تمظهرها
أبرز جمعيات “المجتمع المدني” العالمية: “المنظمات غير الحكومية” Non-Governmental Organizations. وتأتي بعدها “المنظمات غير الحكومية التي تنظمها الحكومة” GONGOs /Government-Organized NGOs، وهي ليست جزءًا رسميًا من جهاز الدولة، ولكنها لأسباب مختلفة أنشأتها الدول لتمثيل مصالحها… في قطاع التنمية، تُجبَر الدول غالباً على استخدام المنظمات غير الحكومية للوصول إلى أموال المساعدات الدولية، والتي لا يمكن توزيعها محلياً إلا من خلال المنظمات غير الحكومية المحلية. كما يتم تمويل ما يسمى QUANGOs شبه المنظمات غير الحكومية /Quasi NGOs إما بالكامل أو إلى حد كبير بفضل الأموال العامة. إنها لا تفقد بالضرورة استقلاليتها في العمل، طالما أنها تنوع مصادر تمويلها بما فيه الكفاية ولا تعتمد بالكامل على دولة واحدة.
هناك أيضاً أنواع أخرى، مثل “المنظمات غير الحكومية التي تنظمها الجهات المانحة” Donor-Organized NGOs /DONGOs يشير هذا المصطلح إلى المنظمات غير الحكومية المكلفة من قِبل منظمات مانحة دولية بإعداد برامج المساعدة الإنمائية. فالبنك الدولي، على سبيل المثال، يعمل على نطاق واسع منذ سبعينيات القرن الماضي مع منظمات DONGOs، المسؤولة عن تنفيذ المشاريع التي يمولها كمزوّدة للخدمات. أظهرت بعض الدراسات أن العديد من المنظمات غير الحكومية DONGOs العاملة في مجال المساعدات التنموية فقدت استقلالها التشغيلي والسياسي نتيجة لاعتمادها على المانحين على مستوى الدول، وأصبحت وكالات لتنفيذ سياسات هذه الدول. خلال الحرب الباردة، اتبع الاستخدام السياسي للمنظمات غير الحكومية DONGOs، خط النزاع الشرق/ الغرب.
يبقى أن نشير إلى أن الاحتراف في المنظمات غير الحكومية غيّر من طبيعة جمعيات “المجتمع المدني”. لقد تحولت إلى الاحتراف الذي يستلزم البحث الدائم والسعي المستمر لتوفير الدعم المالي المطلوب لتأمين رواتب المحترفين. هكذا بعد أن كانت هذه المنظمات تقوم على العمل التطوعي، تطورت بسرعة نحو العمالة المأجورة (لوجستيون، إعلاميون، إداريون، أطباء، مهندسون، مدرسون، محامون…)، وباتت بالتالي خاضعة في عملها لمنطق: “من يَدفع يُشَغِّل”.
رابعًا: أشكال الاختراق الاستخباراتي الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني في العالم
أشار كتاب “داخل الشركة Inside the company” للكاتب الأمريكي فيليب آجي الذي كان ضابطًا في المخابرات الأمريكية خلال الستينيات عن اختراق الاستخبارات الأمريكية للعديد من منظمات المجتمع المدني في عشرات الدول حول العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة ومع تجسد الطموحات الإمبراطورية الأمريكية. ويتخذ الاختراق الأمريكي لمنظمات المجتمع المدني، كما يتضح من كتاب ف. آجي، الأشكال التالية:
الشكل الأول: التجنيد الاستخباراتي لعدد من رموز النخبة السياسية في البلد المستهدفة وتمويلهم لاصطناع منظمات مدنية من الصفر تقوم بالتسويق للرؤى والسياسات الأمريكية في البلد.
الشكل الثاني: تمويل المنظمات القائمة بالفعل ماديًا لاتخاذ مواقف سياسية محددة سلفًا تفيد سياسات ومصالح الولايات المتحدة في البلد المستهدف.
الشكل الثالث: الدعم السياسي والمعنوي لمنظمات حقوق الإنسان – وهي أحد أكثر منظمات المجتمع المدني فاعلية – عن طريق دعوة القائمين عليها لمؤتمرات دولية، وتوظيفهم كمستشارين وأكاديميين في هيئات أمريكية ودولية بهدف ترقيتهم سياسياً واعلامياً في البلد المستهدف حتي يصبحوا مؤثرين في الرأي العام بشكل أو بآخر. وفي الشكل الأخير من أشكال الاختراق الاستخباراتي لمنظمات المجتمع المدني لا تعرف المنظمة المخترقة أنها توجه لصالح سياسات الولايات المتحدة علي وجه الحقيقة، بل تستغل الاستخبارات الأمريكية القناعات الشخصية لدي القائمين علي تلك المنظمة بالسياسات الأمريكية لكي تدفعهم دفعاً لدعم سياساتها المستقبلية والنظر إلي خطط التنمية والتطوير في بلادهم من خلال عدسات أمريكية.
خامسًا: الارتباط المخابراتي تاريخيًا مع منظمات المجتمع المدني
يؤكد الباحث المتخصص وليام ديمارس في دراسة له نشرت في الفصلية المتخصصة للإستخبارات أن: “التعاون بين المنظمات غير الحكومية والأجهزة الإستخباراتية الأمريكية له تاريخ طويل من التطور، فمنذ تأسيس وكالة الإستخبارات المركزية عام 1947 قامت ببناء خطوط اتصال مع عدد كبير من المؤسسات الأمريكية خارج البلاد، من ضمنها المؤسسات التجارية، الكنائس، المؤسسات الإعلامية، والمؤسسات الرعائية والخدماتية. بعض تلك الخطوط تمت الإستفادة منها لتمويل بعض المؤسسات بشكل سري. وتلك المؤسسات كانت تدعم وتمول المنظمات غير الحكومية. حركة هذه المؤسسات تمت الاستفادة منها في جمع المعلومات الاستخباراتية، وكذلك شكلت جزءاً من البنية التحتية للأفراد الذين يمكن تجنيدهم للعمل السري”.
إذن هي جزء من عملية تهيئة بيئة سياسية واجتماعية لنقلها من حالة العداء مع المستعمر إلى حالة التعاون “الديموقراطي” معه مرورًا بحالة انكسار الحواجز النفسية المختلفة بالتدريج. ويؤكد الباحث في نفس الدراسة أن ” المنظمات غير الحكومية المتنوعة ومختلف الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية تجد نفسها بشكل متزايد جنباً إلى جنب على خطوط الجبهات في مواجهة الحروب الصغيرة وحركات التمرد في العالم الثالث والدول السوفياتية السابقة”، مرجعاً تعويل أجهزة الاستخبارات الأمريكية على المنظمات غير الحكومية إلى أن” المنظمات غير الحكومية والعاملين فيها يحصلون على معلومات لا تستطيع أجهزة الاستخبارات الحصول عليها من طرق أخرى”، حيث “تشكل الشبكة العالمية من المنظمات غير الحكومية مصدراً هاماً للمعلومات بالنسبة لأجهزة الاستخبارات الأمريكية” وفي كثير من الأحيان “يتم إرسال المعلومات التي تحصل عليها المنظمات غير الحكومية بشكل مباشر إلى قيادة وكالة الاستخبارات المركزية لتحليلها”.
سادسًا: إطار التعاون العسكري بين الاستخبارات الأمريكية مع المنظمات غير الحكومية
قدّم الكاتب جلين ب.بينر تحليلًا مطولًا يكشف فيه عن إطار التعاون العسكري مع المنظمات غير الحكومية، حيث كشف أن:
الوثيقة المشتركة الرئيسية للقوات المسلحة الأمريكية JP1، تكلّف القوات وقادة المقاتلين والموظفين المشتركين بإجراء التنسيق مع المنظمات غير الحكومية. وتؤكد على القادة المقاتلين وقادة القوات المشتركة المرؤوسين الآخرين بأخذ الاعتبار المتطلبات المحتملة للتنسيق بين الوكالات والمنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية كجزء من أنشطتهم عبر نطاق العمليات العسكرية داخل وخارج مناطق عملياتهم”. (هيئة الأركان المشتركة 2013، 58). يتوسع التعاون في وثيقة JP 3-08 عند التفاعل المحتمل بين المنظمات غير الحكومية والعسكرية. ويلاحظ الاختلافات المؤسسية بين المنظمات غير الحكومية والجيش، ويخوض في مزيد من التفاصيل حول الحاجة إلى تعاون وزارة الدفاع مع المنظمات غير الحكومية. تنص العقيدة الأمريكية المشتركة والجيش على أن الفكرة المركزية للعمل الموحد هي “التزامن والتنسيق و/أو تكامل أنشطة الكيانات الحكومية وغير الحكومية مع العمليات العسكرية لتحقيق وحدة الجهد” (هيئة الأركان المشتركة 2013؛ وزارة الجيش 2012).
تنص عقيدة الأمم المتحدة على أنه “يتعين على عملية حفظ السلام الاجتماع بانتظام وتبادل المعلومات مع جميع الجهات الفاعلة، ومواءمة الأنشطة، إلى أقصى حد ممكن، من خلال البحث عن مساهماتهم في عملية التخطيط للبعثة والاستجابة بفعالية وبشكل موضوعي لطلبات التعاون (Guéhenno 2008، 73). تذكر عقيدة الأمم المتحدة على وجه التحديد اللجنة الدولية للصليب الأحمر كشريك محتمل. كما تحدد أن المنظمات غير الحكومية الإنسانية من المحتمل أن تكون موجودة أثناء العمليات. تُظهر مقارنة الولايات المتحدة بالعقيدة العسكرية للأمم المتحدة أن عقيدة الأمم المتحدة أكثر إلزامية قليلاً من العقيدة الأمريكية من حيث الاعتراف بخصوصية المنظمات غير الحكومية، لكن كلاهما يفتقرا إلى التفاصيل الدقيقة للمنظمات غير الحكومية.
وفقًا لتحليل كريس سيبل، هناك العديد من جوانب التعاون العسكري بين المنظمات غير الحكومية أثناء الأزمات الإنسانية:
-كان التعاون العسكري بين المنظمات غير الحكومية إلى حد كبير مخصصًا.
-تطلبت المنظمات غير الحكومية دعمًا لوجستيًا للعمليات كبيرة، وغالبًا ما قدم الجيش البنية التحتية اللوجستية للمنظمات غير الحكومية.
-قدمت المنظمات غير الحكومية للجيش معلومات دقيقة عن المناطق المضطربة.
-تدرك المنظمات غير الحكومية بشدة كيف تؤثر أعمالها على دعم المانحين.
-المنظمات غير الحكومية هي أقل توجهاً نحو الأمن من الجيش.
-تعمل العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والعسكرية بشكل أفضل عندما يكون لدى كل منهما ما يقدمه للآخر.
هذه القواسم المشتركة المستقاة من عمل “سيبل” مفيدة لفهم كيفية حدوث التفاعل بين المنظمات غير الحكومية والعسكرية في المستقبل، والأهم من ذلك كيف يمكن تحسين العلاقة التعاونية.
يردد ديفيد بيمان الكثير من أعمال سيبل ويضيف: “غالبًا ما تتساءل المنظمات غير الحكومية عن سبب تركيز الوحدات العسكرية الأمريكية جيدة التسليح على حماية القوة أثناء العمل في المناطق التي تعمل فيها المنظمات غير الحكومية منذ فترة طويلة دون حماية. وبسبب هذه الاختلافات الثقافية، غالبًا ما لا يفهم المسؤولون العسكريون والمنظمات غير الحكومية أولويات أو إجراءات بعضهم البعض ويستاءون مما يرون أنه لامبالاة من الجانب الآخر “(2001، 104). يشير بيمان أيضًا إلى أن العديد من المنظمات غير الحكومية قلقة من أن العمل مع الجيش سيضر بمفهوم الحياد وعدم التحيز الذي يعتقدون أنه ضروري لعملهم.
ويكتب Rietjens و Van Fenema و Essens عن دمج الجيش والمنظمات غير الحكومية وغيرها خلال الجهد المشترك، وهو تدريب عسكري كبير متعدد الجنسيات استضافته ألمانيا للجيوش الالمانية والهولندية في سبتمبر 2011. وقد ضم الجهد المشترك العديد من المنظمات المدنية ذات الصلة المشاركة في HADR، والصراع، وعمليات ما بعد الصراع. كان الجهد المشترك هو محاولة لتعريف المنظمات غير الحكومية والمنظمات الحكومية الدولية والجيوش بممارسات وإجراءات بعضهم البعض بقصد أن تكون جهودهم التعاونية أكثر سلاسة أثناء الإجراءات الواقعية.
اعتبر أعضاء الجيوش الأمريكية والألمانية والهولندية التمرين مفيدًا جزئيًا بسبب وجود منظمات غير حكومية فعلية. في كثير من الأحيان، تمارين التدريب التي تشارك فيها “المنظمات غير الحكومية” هي في الواقع موظفين تم التعاقد معهم للعب دور منظمة غير حكومية أثناء التمرين. في بعض الحالات، قد يكون لدى “الممثل” الذي تم تعيينه للعب دور منظمة غير حكومية أثناء مناورة عسكرية خبرة مع إحدى المنظمات غير الحكومية أو لا. ذكرت جميع الأطراف المشاركة في الجهود المشتركة أن العمل مع النظراء في العالم الحقيقي كان مفيدًا لسببين. أولاً، استفاد من التمرين العمل مع محترفين حقيقيين من مجالات أخرى وساهم في الشعور بالواقعية. ثانيًا، تم إجراء العديد من الصداقات عبر الحقول والاتصالات المهنية أثناء التمرين. هذه الاتصالات السابقة للتشغيل، كما أشار Byman 2001، 109، هي ما تشعر العديد من المنظمات غير الحكومية أنه شرط للنجاح خلال العمليات التعاونية.
ويجادل هالدون يالجينكايا بأن “ابتكار ANSO مكتب سلامة المنظمات غير الحكومية الأفغانية، قد خلق بُعدًا جديدًا لأمن المنظمات غير الحكومية في البيئات غير الآمنة، وبالتحديد كتعاون أمني بين المنظمات غير الحكومية والعسكرية بدلاً من التعاون أو التنسيق” (Yalcinkaya 2012، 490). تعمل ANSO مع إيساف لتلقي آخر التحديثات الأمنية التي تنقلها إلى المنظمات غير الحكومية في الميدان. تحافظ ANSO على اتصال مع المنظمات غير الحكومية أثناء العمليات وتطلب الدعم في الحالات القصوى من القوة الدولية للمساعدة الأمنية عند الضرورة للعاملين في المنظمات غير الحكومية المعرضين للخطر. بالنسبة للمنظمات غير الحكومية، في الحالات القصوى، يمكن أن يكون الدعم العسكري هو الفرق بين الحياة والموت. في علاقة المقايضة، يمكال ن نظر إلى الإعداد العسكري وإحداث الدعم المتطرف للمنظمات غير الحكومية على أنه قيام الجيش بدوره في دعم عمليات المنظمات غير الحكومية. وهذا يمثل فرصة لآلية تعاونية عسكرية بين المنظمات غير الحكومية.
اللوجستيات والأمن هما من أهم وأشهر القدرات التي يمكن للجيوش توفيرها للمنظمات غير الحكومية في مناطق الصراع. ومع ذلك، يحتاج الممارسون العسكريون إلى فهم القدرات الهامة التي تقدمها المنظمات غير الحكومية إلى مناطق الصراع، مثل – الخبرة المحلية والوطنية والإقليمية، والانتشار السريع، والالتزام الدائم ببرامجها.
هناك ثلاث قدرات مفيدة يمكن للمنظمات غير الحكومية توفيرها: المرونة في العمل مع جميع الجهات الفاعلة، التواجد المادي طويل الأمد في مناطق النزاع، و القدرة على التعامل مع جوانب أكثر ذاتية للنزاع لا تستطيع العمليات الرسمية القيام بها (تشيجاس 2007، 553).
لا يُحظر على المنظمات غير الحكومية التعامل مع المنظمات غير الشرعية بنفس الطريقة التي تتعامل بها الوكالات الحكومية. وبسبب هذه المرونة، يشير شيغاس إلى أن المنظمات غير الحكومية هي آلية فعالة لإشراك المنظمات غير الشرعية على مستوى القاعدة الشعبية (2007، 561).
يمكن استخدام صفة المنظمات غير الحكومية غير الرسمية من قبل الجيش لإشراك المنظمات غير الشرعية بشكل غير مباشر. لا يُحظر على المنظمات غير الحكومية التعامل مع المنظمات غير الشرعية بنفس الطريقة التي تتعامل بها الوكالات الحكومية. وبسبب هذه المرون، يلاحظ شيغاس أن المنظمات غير الحكومية هي آلية فعالة لإشراك المنظمات غير الشرعية على مستوى القاعدة الشعبية (2007، 561). يمكن للممارسين العسكريين الذين أداروا علاقات راسخة مع المنظمات غير الحكومية الاستفادة إذا أتيحت لهم إمكانية الوصول إلى المعلومات التي تم الحصول عليها من المنظمات غير الشرعية. ومع ذلك، لا ينبغي معاملة المنظمات غير الحكومية كأصول تحصيل إذا كان القصد هو المشاركة في علاقة تعاونية. إن الحاجة إلى إشراك بعضنا البعض باحترام متبادل في علاقة مقايضة أمر حيوي.
ويذكر جلين ب.بينر في تحليله:
آليات التعاون
الآليات التعاونية هي التي تجمع المنظمات غير الحكومية والجيش معًا لتحقيق نتيجة مفيدة لم تكن لتحدث لولا ذلك. النقاط السبع التالية هي الآليات التعاونية العسكرية بين المنظمات غير الحكومية:
1.هيئات التنسيق التي تحركها المنظمات غير الحكومية مثل NCCNI في العراق.
2.هيئات التنسيق التي يقودها الجيش مثل CMOC.
3.مراكز تنسيق الأمم المتحدة مثل HOC في الصومال.
4.الدعم العسكري المتطرف للمنظمات غير الحكومية.
5.وحدات الشؤون المدنية العسكرية الأمريكية.
6.تمارين مدنية – عسكرية مثل الجهد المشترك.
7.التنسيق العسكري بين المنظمات غير الحكومية وعبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أو مكتب المساعدة في حالات الكوارث التابع لها وما يماثلها.
معوقات التعاون
تشمل عقبات التعاون بين المنظمات غير الحكومية والجيش الافتقار العام للثقة فيما يتعلق بالاختلافات الثقافية. هناك عقبة أخرى تتمثل في حاجة المنظمات غير الحكومية إلى الحياد السياسي مقابل الطبيعة السياسية الكامنة في العمليات العسكرية. كان الاختلاف في تصورات المتطلبات الأمنية مشكلة أخرى تؤثر على التعاون. بالنسبة للأمن العسكري، غالبًا ما يكون مصدر قلق بالغ، لا سيما في الكيانات التشغيلية الجديدة. قد تكون المنظمات غير الحكومية أكثر دراية بمنطقة ما وتستاء من قيام الجيش بعمليات موازية باستخدام المدرعات والأسلحة بينما لا تتخذ المنظمة غير الحكومية أي احتياطات أمنية. العقبة الأخيرة هي أن المنظمات غير الحكومية تجد محاذير وطنية مختلفة للجيوش أثناء العمليات متعددة الجنسيات تجعل من الصعب التنسيق مع الجيش.
المنهجية
أن النتائج العملياتية للجيش تختلف باختلاف نوع العملية التي ينخرط فيها الجيش وما إذا كان الجيش يتعاون مع المنظمات غير الحكومية المحلية أو الدولية. ويحلل جلين ب.بينر في تحليله الجهود التعاونية بين المنظمات الدولية غير الحكومية والعسكرية والمنظمات غير الحكومية الدولية والعسكرية أثناء عمليات الكوارث وما بعد الصراع والنزاع.
المتغيرات المستقلة هي:
1.نوع التفاعل العسكري بين المنظمات غير الحكومية
2.نوع العملية – كارثة أو صراع أو ما بعد الصراع.
أن الجيش يمكن أن يتوقع حدوث تعاون مع المنظمات غير الحكومية الدولية أثناء عمليات الاستجابة للكوارث ومع المنظمات غير الحكومية أثناء عمليات الصراع. أثناء عمليات الكوارث، من المتوقع أن تعمل المنظمات LNGOs والجيش في مجالات منفصلة. تشير الدلائل إلى أن LNGOs قد تشارك في عمليات الاستجابة للكوارث، لكن مدى الكارثة وطبيعة الاستجابات العسكرية لا يولد عمليات تعاونية. بعبارة أخرى، إذا قامت المنظمات غير الحكومية بعمليات إغاثة في حالات الكوارث، يتم ذلك بشكل منفصل عن المؤسسة العسكرية. خلال عمليات ما بعد الصراع، يمكن للجيش أن يتوقع تعاونًا محدودًا مع LNGOs وتعايشًا ضمنيًا مع المنظمات الدولية غير الحكومية. لا تنفر المنظمات غير الحكومية من العمل مع الجيش، لكن طبيعة عمليات ما بعد الصراع لا تشير إلى احتمال حدوث علاقة تعاون كاملة. من المحتمل أن يكون هناك تعايش ضمني بين المنظمات غير الحكومية الدولية والجيش خلال عمليات ما بعد الصراع لأن كلا المنظمتين تؤديان وظائف حاسمة بالتوازي. ومع ذلك، فإن التزام المنظمات غير الحكومية الدولية بالحياد يحد من الجهود التعاونية. يؤثر هذا الالتزام بالحياد أيضًا على العلاقة العسكرية بين المنظمات غير الحكومية الدولية أثناء عمليات الصراع. عادة ما تفعل الجيوش التحيز خلال عمليات الصراع السياسي بطبيعتها. هذه لعنة بالنسبة للمنظمات غير الحكومية الدولية، وبالتالي فإن لديها صدام أيديولوجي عميق مع الجيش.
سابعًا: ويكيليكس: الاستثمار الأمريكي في المنظمات غير الحكومية في العالم
وثيقة رفعت عنها السرية لـ سي آي إيه، تسربت مؤخرًا، وتحمل تصنيفًا سريًا جدًا حول خطة عمل محددة لتمويل هيئات المجتمع المدني في يوغوسلافيا السابقة (قبل تفكيكها) للتعجيل بإسقاط نظامها، ليس كما ادعوا من أجل الإنسانية…
الوثيقة تحمل عنوان: “دولة صربية ديموقراطية”. وتحمل ختم مؤسسة البلقان/ المخابرات المركزية الأمريكية، صدرت بتاريخ 16 ديسمبر 1998، كجزء من الحملة المعلنة والمستترة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في منطقة البلقان … الوثيقة تقدم نموذجًا كلاسيكيًا لاستخدام التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني في عملية التفكيك والاختراق، وفيما يلي نص الوثيقة مترجمة عن النص الأمريكي بالإنجليزية:
يتوجب على حكومة الولايات المتحدة أن تزيد من دعمها للديموقراطية في يوغوسلافيا، من المستوى الحالي البالغ 15 مليون دولار إلى 35 مليون دولار في السنة المالية الحالية. وهذا الدعم يجب أن يصبح جزءًاً من مبادرة ديبلوماسية واسعة تهدف لتوسيع نطاق الاتصالات التي يقوم بها الغرب، ولتطوير بدائل للنظام المتسلط في بلغراد…. يتوجب أيضًا تشجيع المنظمات غير الحكومية الأمريكية والأوروبية على زيادة حضورها في جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، وعلى الحكومة الأمريكية أن تشجع مواطني جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية على المشاركة المتزايدة في البرامج الإقليمية…. ويجب أن نركز بشكل أساسي هنا على تنمية جيل جديد من القادة الذين يحترمون التعددية السياسية، وتحرير الاقتصاد، وحكم القانون، والتسامح…. وهذا الجهد يجب أن يتضمن موقفًا نشطاً في القضايا العامة، وهو أن شعب يوغوسلافيا يستحق ما هو أفضل من النظام المتسلط الحالي…. والولايات المتحدة يجب أن تقود حلفائها بسياسة قوية، لا عودة عنها، تهدف لقيام دولة صربية ديموقراطية، كما حصل في بقية أوروبا الوسطى والشرقية….
أولاً: التركيز على المؤسسات الديموقراطية:
أ-الإعلام المفتوح، ويخصص له 10 ملايين دولار بهدف:
-زيادة حجم الجمهور عن طريق تزويد وسائل الإعلام بالتحسينات اللازمة في البنية التحتية، وبرامج الترفيه النوعية، والبرامج الإخبارية.
-تقديم النصح، والإرشاد التقني والثقافة المهنية.
-تمويل الدفاع القانوني وصناديق الدفاع عن النفس لوسائل الإعلام والصحافيين المضطهدين.
-إذاعة وتعميم أخبار حالات القمع.
ب-المنظمات غير الحكومية المحلية، يخصص لها 5 ملايين دولار بهدف:
-التجاوب مع الاحتياجات المحلية لتدريب المنظمات غير الحكومية.
-تمويل شبكات بلقانية إقليمية للمؤسسات البحثية والمنظمات الإعلامية.
-تشكيل فرق قانونية مستعدة وقادرة أن تدافع عن المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام التي يتم تحديها في محكمة.
-زرع منظمات غير حكومية متعددة الاثنيات للتركيز على القضايا التي تتجاوز أي إثنية بمفردها، مثل حقوق الإنسان والبيئة والتنمية الاقتصادية.
-الترويج لتكتلات بين المنظمات غير الحكومية للدفاع عن النفس ضد القمع، ومن أجل الاضطلاع بنشاط انتخابي ملائم، ومن أجل التطوير المهني للمحامين والصحافيين والمعلمين والأكاديميين.
ج-النقابات العمالية يخصص لها مليون دولار بهدف:
-الترويج للعضوية في النقابات، حتى من بين المتقاعدين والعاطلين عن العمل.
-تسهيل الصلات بينها وبين منظمات الاتحاد الأوروبي ومنظمات الطلبة اليوغوسلاف.
-تقديم الإعانات للقادة النقابيين المضطهدين من خلال صناديق الدفاع الذاتي وغيرها من الأعمال.
د-قطاع التعليم يخصص له 5 ملايين دولار بهدف:
-المساعدة في إنشاء شبكات التعليم البديلة.
-تقديم الإعانات للأساتذة الجامعيين الذين يفصلون أو يرفضون توقيع عقود جديدة.
-تطوير مواد تعليم بديلة تركز على التثقيف بالديموقراطية وحل النزاعات.
القضاء المستقل يخصص له مليون دولار بهدف:
-تدريب القضاة على الإجراءات القانونية المتوافقة مع المقاييس الدولية.
-تقديم الإعانات للقضاة الذين يفصلون من عملهم أو يتعرضون لضغوط سياسية.
-دعم برنامج رقابة مشترك محلي-دولي للمحاكمات.
ه-الأحزاب السياسية يخصص لها 10 ملايين دولار بهدف:
-توسيع تدريب الأحزاب السياسية على استقطاب قواعد جماهيرية.
-الترويج لبناء جبهة معارضة سياسية موحدة.
-تشجيع تكتلات الأحزاب السياسية مع المنظمات غير الحكومية، من أجل القيام بمهمات موازية غير حزبية مثل تفعيل المشاركة الشبابية وتثقيف الناخبين ومراقبة وسائل الإعلام.
-تطوير كوادر الصف الثاني من القيادة الحزبية من الأقاليم، وعلى مستوى البلديات، ومن القطاعات التي لم تكن تنشط سابقاً، ونشاط الأجيال اللاحقة.
-تقديم الإعانات للحكومات المحلية المسيطرة على معارضة مسؤولة.
و-اللجان الانتخابية يخصص لها مليون دولار بهدف:
-تدريب أعضائها على الشفافية في الإجراءات الإدارية.
-تمويل تقنيات انتخابية مضادة للتزوير.
-تقديم الإعانات لإجراءات تسجيل وإحصاء الناخبين.
ز-المنظمات الشبابية يخصص لها مليونا دولار بهدف:
-الترويج لمنظمات طلابية ديموقراطية.
– تمويل سفر القيادات الطلابية إلى الخارج.
-تقديم الإعانات للبرامج الدراسية والتدريبية في أوروبا والولايات المتحدة.
ثانياً: تأسيس مجموعات دعم دولية:
-عقد لقاءات لمجموعة متبرعين (دولية) يمكن أن تلتقي دورياً لبحث الأولويات.
-دعوة المنظمات غير الحكومية اليوغسلافية للمشاركة في هذه المجموعة، والتعليق على البرامج الدولية.
-تأسيس شبكة مشورة دولية لدعم التطور الديموقراطي في يوغوسلافيا.
وکشف موقع “ويكيليكس” عن 3 برقيات مسربة بشأن تمويل منظمات المجتمع المدني في مصر، نقلًا عن اتصالات دبلوماسية أمريكية رفيعة المستوى، إن برنامجين في وزارة الخارجية: الأول بمكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، والثاني في مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، اتفقا على دعم أطروحة جديدة لتمويل المجتمع المدني، وطلب كلاهما ما لا يقل عن 6.2 مليون دولار لمنحها إلى منظمات مجتمع مدني غير مسجلة في مصر.
وقالت البرقية الأولى، التي كتبتها وزيرة الخارجية الأمريكية، هیلاري کلینتون، في 18 أبريل عام 2009، وصنفها كوثيقة سرية القائم بأعمال مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان، وتحمل رقم “CAIRO353“، إن الظروف السياسية الآن أصبحت تقتضي نقل التمويل الأمريكي للجمعيات المصرية عبر منظمات غير حكومية أمريكية أو دولية في شكل “منح من الباطن”. وأكدت الوثيقة أن واشنطن اتخذت فجة جديدة لتمويل المنظمات غير الحكومية غير المسجلة عام 2009 دون إلغاء البرنامج الحالي، وفي عام 2010 قررت الإدارة الأمريكية النظر في خيارات أخرى، موضحة أن هذا النهج الجديد يعد استجابة لقلق الحكومة المصرية بشأن الدعم الاقتصادي.
وأوضحت الوثيقة أن النهج الجديد للتمويل كان عبر مبادرة الشراكة الشرق أوسطية ومكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل اللذين وافقا مسبقًا على دعم هذا النهج الذي نص على تقديم مبادرة الشراكة مبلغ بقيمة 1.3 مليون دولار على هيئة منح مباشرة إلى منظمات وجماعات المجتمع المدني المصري. أما “مکتب الديمقراطية وحقوق الإنسان”، فقد اقترحت “کلینتون”، وفقا للوثيقة، تقديم المكتب “التماسًا” لواشنطن، وفقًا لإجراءات صندوق تنمية الموارد البشرية، لتخصيص 1.3 مليون دولار لتقديمها كعطاءات من المنظمات غير الحكومية الأمريكية والدولية للعمل في مصر. وتقول الوثيقة إن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان وافق على أن يكون جزء من تمويله على هيئة “منح من الباطن من منظمات دولية أو أمريكية إلى منظمات محلية في مصر”، مضيفة أن هيئة المعونة الأمريكية وافقت على دفع 9.8 مليون دولار إلى منظمة “فريدوم هاوس” على مدى ثلاث سنوات في نوفمبر 2008.
وأكدت الوثيقة المسربة أن الولايات المتحدة أعتزمت مواصلة تمويل المنظمات غير الحكومية، رغم عدم تسجيل معظمها بشكل قانوني في تلك الفترة، وأضافت کلینتون: “مازلنا ملتزمين بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر”..
وكشف موقع ويكيليكس عبر برقية أخرى بتاريخ 26 فبراير 2009 وتحمل رقم CAIRO353 تفيد بأنه قبل موافقة كلينتون بستة أسابيع، اقترحت السفيرة الأمريكية لدى مصر حينها، مارجريت سكوبي، تغيير واشنطن مسار نقل أموال الحكومة الأمريكية المخصصة للسياسيين المصريين “غير المسجلين”، بحيث تمر عبر “منظمات واجهة” لإخفاء التمويل، وذلك بعد انتقام السلطات المصرية واشنطن بالتدخل في الشؤون السياسية الداخلية للبلاد، وعبروا عن استيائهم للبعثة الأمريكية عن تلك القضية. وتابعت “سكوبي”: “لسنوات عديدة، تم استخدام برنامج (صندوق الدعم الاقتصادي) لتقديم منح مباشرة لبرامج الديمقراطية والحكم الرشيد بموافقة من الكونجرس، لكن ذلك تسبب في استياء عميق مع الحكومة المصرية”. . وأكدت سكوبي، أن الحكومة المصرية كانت على حق عندما اعتقدت أن واشنطن تجاوزت بنود الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2004 حول كيفية عمل برنامج (الديمقراطية والحكم الرشيد)، وقالت إن نصف المعونة الأمريكية لعام 2008، والتي بلغت قيمتها 54 .6 مليون دولار، قد تم استخدامه كـ”منح مباشرة”، واعترفت سكوبي بأن البعثة الأمريكية لدى السفارة تتفق على أن مستويات التمويل الأمريكي قد تجاوزت القدرة الاستيعابية للمؤسسات القائمة في مصر.
وكتبت السفيرة سكوبي في البرقية السرية: “نود إيجاد سبيل أفضل وأقل صدامة لدعمهم، ونقترح بدلًا من تمويل هذه المنظمات بشكل مباشر باستخدام صندوق الدعم الاقتصادي المصري ونقدم بدلًا من ذلك التمويل من خلال مصادر أخرى، على سبيل المثال من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، أو مبادرة الشراكة الشرق أوسطية أو من مخصص مباشر جديد من الكونجرس”.. وقالت سكوبي في البرقية السرية: “ينبغي أن تذهب الأموال إلى منظمة خارجية مهنية، مثل الوقف الوطني للديمقراطية، الذي يمتلك رؤية بعيدة المدى عن تشجيع الديمقراطية، وفي نفس الوقت، لم تتحمل تلك المنظمة نفس الأعباء السياسية إذا استخدمت أموال صندوق الدعم الاقتصادي”… وقالت “سكوبي”، وفقا للبرقية، إنه بتطبيق ذلك الأسلوب وعدم اللجوء إلى صندوق الدعم الاقتصادي سنتمكن من تحقيق هدفين مهمين في مصر: الأول هو العمل على تخفيف حدة الفقر وتعزيز تنمية المجتمع المدني والديمقراطية، والثاني هو جعل معدلات التمويل الأمريكي “أكثر تواضعًا” لتخفيف العبء عن إدارة المنظمات غير الحكومية المحلية، مما يقلل من استدعاء الأجهزة الأمنية في الحكومة المصرية لتلك المنظمات، حسب الوثيقة.
وتظهر برقيات أخرى، تلت موافقة كلينتون، أن السياسة التي اعتمدتها دخلت حيز التنفيذ على الفور، فقد ذكرت برقية صادرة من السفارة الأمريكية في مصر بتاريخ 30 أبريل 2009 وتحمل تصنیف “سري”، أن واحدة من كبرى المنظمات المصرية المدعومة من واشنطن تتلقى تمويلًا مستتر عن طريق منظمة في المغرب ممولة أمريكية، وأضافت البرقية، التي حملت توقيع السفيرة مارجريت سكوبي، أن “المنظمة المصرية لحقوق الإنسان” تلقت تمويلًا من منظمة مغربية لعقد مؤتمر في القاهرة عن حرية الصحافة.
ثامًنا: نماذج لعمل المنظمات غير الحكومية في بعض الدول
تمارس المنظمات غير الحكومية أدوارًا مشبوهة في سوريا حيث جاء في صحيفة “واشنطن بوست” أن الإدارة الأمريكية سترسل مساعدات نقدية إلى بعض المجموعات المعارضة السورية في الداخل عن طريق المنظمات غير الحكومية. حيث أن تلك المنظمات التابعة للاستخبارات الأمريكية تتخفى تحت شعارات المجتمع المدني فإن قدرتها ستكون أكبر على المساهمة في تنفيذ الأجندات الأمريكية غير المعلنة مما يستدعي ضرورة ملاحقة تلك المنظمات ومراقبتها وطردها مما يشكل ضربات قاضية لاستراتيجية صناعة المجتمعات العربية على الطريقة الأمريكية.
ومن هذه المؤسسات، مؤسسة فريدوم هاوس المتهمة بإدارة برامج لزعزعة الاستقرار في نظم الدول المعادية للولايات المتحدة، حيث كشفت مجلة فايننشال تايمز أنها كانت واحدة من عدة منظمات مختارة من الدولة للحصول على تمويل الأنشطة السرية داخل إيران بما في ذلك تمويل وتدريب الجماعات التي تسعى الى تغيير النظام.
وفي الأردن تقوم السفارة الأمريكية ببرنامج تعليمي متكامل مدعوم منها يجري تعميمه على المنطقة بالإضافة لتقديمها خطة ترجمة للعديد من الكتب من دور النشر تتراوح قيمة الدعم ما بين مليون دولار إلى 2 مليون دولار، وهي كتب تهتم بالديمقراطية والمجتمع المدني والتسامح ومحاربة الإرهاب وتحسين الصورة الأميركية.
في مصر قدمت الولايات المتحدة في مصر عام 2009، حوالي 1.419.426 دولار من المنح دفعت لمنظمات المجتمع المدني، وفي عام 2010 ارتفع المبلغ بشكل كبير، حيث بلغ 2.497.457.11 دولار تقريباً وخصص نصف هذا المبلغ لإقامة ورشات عمل حول جذب منظمات المجتمع المدني وتمكينها من المشاركة في العملية الديمقراطية من خلال تعزيز قدرتها في الترويج لسياسة الإصلاح وتحرير الأسواق، كما تلقت مؤسسة فريدوم هاوس مبلغ 89.000 دولار لإدارة التنسيق وإدارة التعاون التعاون بين النشطاء على شبكات الانترنت والمدونين المحليين.
في فلسطين، وتحت شعار المانح الأكبر للمساعدات الاقتصادية والتنموية للفلسطينيين تتخذ الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID من التنمية الاجتماعية أداة ناجعة لتفكيك حركات المقاومة الفلسطينية، وكسب عقول وأفئدة المجتمع الفلسطيني كونه يشكل الحاضنة الأقوى لمجموعات المقاومة سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة. تقوم برامجها على ربط أي مساعدة تنموية بالتخلي عن فكرة المقاومة والتحرر من العقل الفلسطيني والاستسلام للاحتلال ومشاريعه، والتصالح مع اسرائيل واسقاطها كعدوّ.
أطلقت السفارة الأمريكية بــتونس برنامج “ميبي”، المحلي تحت عنوان المبادرة للتحول في تونس. يقع المكتب الإقليمي في السفارة الأمريكية بتونس وتشمل مسؤولياته إدارة برامج المبادرة في كل من الجزائر ومصر ولبنان وليبيا والمغرب وتونس وإسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن والتي تفوق الاعتمادات المخصصة لها سنويا أكثر من 50 مليون دولار. ويعمل بالمكتب الإقليمي بتونس عشرة موظفين يشملون ديبلوماسيين أمريكيين وموظفين من المنطقة لهم تجارب في مجالات الإصلاح الديمقراطي وأنشطة المجتمع المدني وإدارة المنح والمساعدات المالية. وبالإضافة إلى التنسيق مع سفارات الولايات المتحدة بالمنطقة.
هذا و قد موّلت “ميبي” منظمة مغربية تسمى منتدى المواطنة في برنامج شراكة مع نادي اليونسكو بباردو في برنامج تكوين القيادات الشبابية بمنظور أمريكي و تم خلال هذا البرنامج التسويق للأجندات الصهيوأمريكية و الحديث عن حلول التسوية المذلة للكثير من قضايا الصراع العربي الإسرائيلي و قالت مسؤولة البرنامج في معرض حديثها عن أهدافه المعلنة يعتزم مكتب المبادرة تخصيص 20 مليون دولار لدعم التحول في تونس وهو أمر من شأنه أن يساعد في ترسيخ المكتسبات التي تحققت في تونس في حقبة ما بعد الرئيس بن علي ومساعدة التونسيين وهم يحققون تقدما نحو التطور الديمقراطي والرخاء الاقتصادي المستدامين. وينوي مكتب المبادرة إقامة شراكات مع منظمات محلية ودولية بهدف دعم مجهود التحول الحاصل.
كذلك في لبنان، شارك حوالي 60 منظمة لبنانية غير حكومية ممولة أمريكيًّا في الحراك اللبناني 2019، هذه المنظمات تضم 12 ألف موظفًا متفرغًا و20 ألف متطوعًا وعضوًا ناشطًا ونصف ناشط، وهي تضخ ما مجموعه حوالي المليار دولار سنويًا. وهكذا يتضح رقم 10 مليار دولار الذي تحدّث عنه ديفيد هيل أمام الكونغرس. في 24 آذار 2016 حضر القائم بالأعمال السفير ريتشارد جونز حفلة إطلاق مشروع “المنظمات غير الحكومية أقوى معًاً – NST“، وهي مبادرة تجمع 60 منظمة غير حكومية لبنانية لتعزيز التنسيق والتواصل والتعاون بشكل أقوى بينهم بهدف صياغة رؤية مشتركة حول المجتمع المدني ولإبتكار استراتيجية انخراط واضحة…