الأمن والحكومة في مهبّ الرِّيح
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
مرّة أخرى يتولّى نادي رؤساء الحكومات السابقين “نسف” الإيجابيات المتجمّعة بين الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، وبالتالي إلحاق الأذى ليس بالتشكيلة الحكومية فقط إنما في العلاقة بين الرئيسين – الشريكين. “نادي الغولف”، وفق توصيف النائب السابق وليد جنبلاط، بالشراكة مع آخرين من أعضاء طبقة الـ1%، يتجاهلون أن التمادي في إلحاق الضربات بإمكانية تشكيل الحكومة، بات ينعكس على نحوٍ سيئ في الشارع، إلى حدّ باتت الإعتداءات وعمليات إطلاق النار تُسجل في الساعات وتُحسب على الدقائق!
كان قد تردّد خلال الساعات الماضية، أي قبل زيارة رئيس الحكومة المكلّف إلى قصر بعبدا الخميس، أن المسودة الأخيرة وشبه النهائية للحكومة أُنجزت، وأن الأمور تسير في اتجاه إصدار المراسيم بعد الظهر. رتّب رئيس الجمهورية أموره على هذا الأساس، ويُقال أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد ألغى مواعيده خلال فترة بعد الظهر، لكن ما الذي حصل؟ ثمة “مستجد” طرأ على ميقاتي صباحاً دفعه إلى التريث و إجراء “تبديلات” قيل إنها “جوهرية” على مضمون التشكيلة التي أتمّ تقريباً التفاهم حول الجزء الأكبر منها مع رئيس الجمهورية قبل أيام، دون أن يُطلع أحداً من خارج دائرة “زملائه” السابقين على ما أجراه من تغييرات. ثم جرى الإتفاق على عقد اجتماع “ليلي” بين أعضاء “الثلاثي السُني” + ميقاتي للتباحث وذلك فور عودته من قصر بعبدا. صعد إلى القصر ونزل دون أن يخرج الدخان الأبيض، لينضمّ إلى اجتماع “إفتراضي” مع شركائه وليخرج بيان بعدها موقّع من الثلاثي + ميقاتي، يتهم فيه أروقة “قصر بعبدا” بإدارة ملف التحقيق العدلي في قضية انفجار المرفأ، وبالتالي توجيه إتهام إلى رئاسة الجمهورية بالوقوف خلف “تسطير” مذكرة جلب بحق رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب و”الإخلال” بالتوازن القائم في البلاد من خلال استهداف موقع الرئاسة الثالثة، وطلب “مساواة” الرئاسة الأولى بالثالثة!
ما الذي أدى إليه ذلك؟ بإختصار طوّق ميقاتي نفسه بحبلِ لا مهمة له سوى نجدة غيره وإغراق نفسه. ثانياً، طيّر إمكانية عقد لقاء الأمس الذي اتفق عليه مع رئيس الجمهورية. بدوره، تفاجأ الرئيس عون بمضمون البيان سيما وأن ميقاتي كان جالساً إلى جانبه ولم ينطق ببنت شفة حول اعتراض ما. مع ذلك، اخذ عون البيان برحابة صدر، وجهّز نفسه لصعود ميقاتي أمس وبتّ أمر الحكومة معه من دون أن يؤثر ما جرى قبل ليلة على ما تمّ التوصل إليه، لكن رئيس الحكومة آثر عدم الاتصال بالقصر لتثبيت موعده، فطار اللقاء إلى أجلٍ غير مسمى وعقّد الأمور.
عملياً، وبعد الذي جرى ويجري وتآكل المهل “غير المفتوحة” التي دأب ميقاتي في الاشارة إليها، بات الخيار في عهدة الأخير للبتّ بأمر حكومة “مطلوبة” محلياً ودولياً بإلحاح. وإذا كان رئيس الحكومة المكلف يعتقد أن ثمة من “يتربّص” به شراً من النادي، وبالتحديد من ثنائي سعد الحريري – فؤاد السنيورة، فعليه أن ينتفض وأن يضع حدّاً لتدخلاتهم بعدما باتت تعكس صورةً سلبيةً عنه. وعلى ذمة قائل: ما على الرئيس المكلّف سوى الإختيار وأن يرتكز إلى واحدة من اثنتين: إما أن يبقى أسيراً لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري وضحيةً لأهوائه ودوافعه الإنتقامية من العهد، أو إعلان السير إلى جانب رئيس الجمهورية بصفته شريكاً دستورياً له.
من الآن وحتى جلاء قرار ميقاتي، يمضي الوضع الأمني إلى مزيدٍ من التدهور. التقارير الصادرة عن مختلف الأجهزة تُعطي صورةً سلبية جداً عن الوضع التي تشهده البلاد، إذ أصبحَ الفلتان واستخدام السلاح المتفشّي بين أيدي الناس، لا يقتصر فقط على الإعتداء أو ممارسة السرقة والسطو، إنما اتُخذَ مُنطلقاً لتأمين الحاجات الأساسية من المحروقات والأدوية..الخ، وتقارير الأجهزة حفلت بذكر الإشكالات التي تحصل عند محطات الوقود مثلاً والتي يُستخدم فيها الرصاص الحي بشكل ملحوظ ولافت وعشوائي، إلى حدّ بلغت هذه الإشكالات النصف أو أكثر منه من جملة الحوادث الأمنية التي شهدها الأسبوع الراهن.
وأظهر تقرير أمني حصل “ليبانون ديبايت” على نسخة منه، إرتفاعاً ملحوظاً في الإشكالات التي يلجأ المواطنون خلالها إلى استخدام السلاح وإطلاق النار، ما يتسبّب بسقوط قتلى وجرحى، إضافة إلى ملاحظة ارتفاع قياسي في الإشكالات التي تحدث عند المحطات وأمام المحال الغذائية وعند مكاتب أصحاب المولدات.
وبيّن التقرير الأول الصادر بين 18/8/2021 و 20/8/2021، أي خلال 48 ساعة ضمناً، أنه شهدَ على 48 حادث إطلاق نار في محافظات لبنانية مختلفة، أي بمعدل حادثة واحدة كل ساعة، وهو رقم يشدّ الإنتباه ولا يمكن العبور عنه وكأنه لم يكن! وقد استحوذت محافظات الشمال على حصة الأسد منه مقابل حلول منطقتي البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت على المركزين الثاني والثالث!
ولم يختلف المعدّل كثيراً عن التقارير اللاحقة التي أظهرت تلازماً واضحاً في الأرقام. فتقرير 24/8/2021، أظهر أن عدد حالات إطلاق النار المُثبتة 17 في غضون 24 ساعة، وهو معدّل لم يختلف كثيراً عن المذكور أعلاه، وهو ما انعكس على آخر تقرير سُجل بتاريخ الـ 25 منه، وسجل ارقاماً مشابهة.
وبحسب مراجع أمنية، فإن الإشكالات ذات الوجه الإجتماعي تحديداً، سجلت ارتفاعاً ملحوظاً خلال الشهور الثلاثة الماضية وعلى نحوٍ لافت، سيما خلال عطل نهاية الأسبوع. واعتبر ان هذا المؤشر “خطير” ويُظهر حالة الفلتان والفوضى التي تعمّ البلاد، ويوحي بأن استخدام السلاح على النحو الذي يحصل، قد يُصبح أمراً طبيعياً وعادياً في ظل الوضع السائد وقد يتحول إلى “عرف خطير” وقد يطغى وينمو في ظلّ الحالة الإقتصادية الحالية السيئة التي نشهدها، وما يعزّزه تداول المعلومات الدائمة حول حالات” سخط” لدى عناصر الأجهزة الأمنية، وهو ما يتيح لمتجاوزي القانون التمادي على قاعدة: “فلتانة وفلتانة”.