برنامج اليوم: رحيل الرئيس أو ترحيله
رضوان السيد -أساس ميديا
بشرٌ يتصارعون منذ شهور وشهور، وفي عكار بالذات، على تنكة البنزين والمازوت، وعلى الدواء والغذاء والخبز، وعلى عملٍ مشروعٍ أو غير مشروع من أجل شراء الحليب لأطفالهم والغذاء لعائلاتهم. يتهافتون بالمئات للحصول على غالون بنزين أو غالونيْن ممّا حصّله الجيش أو غنمه من خزّاناتٍ مُعدَّة من جانب تاجرٍ محميٍّ من نائب عوني للبيع في السوق السوداء والتهريب إلى سورية، فينفجر الخزّان أو الخزّانات بفعل فاعلٍ معروفٍ، فيموت العشرات احتراقاً، ويُجرَح العشرات، وبينهم عشرات من جنود الجيش اللبناني كانوا يحتاجون إلى ليترات بنزين للعودة إلى ثكناتهم، فلا يرى فخامة الرئيس الذي كان قائداً للجيش في ذلك إلاّ أفعال متشدّدين وإرهابيين!
الرئيس ومحازبوه مشهورون بكراهية السنّة والعرب في لبنان وفي كلّ مكان. وله ولهم مواقف مشهورة خلال ثلاثين عاماً وأكثر من أهل السنّة بطرابلس وشمال لبنان. وقد “اقتحم” جبران باسيل طرابلس مرّةً مصحوباً بالمئات من جنود الحرس الجمهوري وأمن الدولة. وشبّه محازبه الوزير السابق الياس بو صعب، وكان وقتها وزيراً للدفاع (!)، مدينة طرابلس بـ”قندهار”، المدينة الأفغانية الشهيرة التي عاد ذكرها هذه الأيام في وسائل الإعلام. وأخيراً وليس آخِراً وزير الخارجية السابق شربل وهبي الذي لا يحبّ البدو، ونحن السنّة، بل والشيعة، معظمنا منهم شاء العونيون أو أَبَوا.
فماذا نفعل؟ هل “نكتب” لعون لكي يحبّنا كما يمزح اللبنانيون؟
ما اعتبر الرئيس انعدام البنزين والمازوت وسائر وسائل الحياة مشكلةً، ولا اعتبر التهريب إلى سورية الذي يقوده محازبوه مع حزب السلاح مشكلةً، بل المشكلة في عقله أو ذهنيّته، كما وصفها عماد الدين أديب في “أساس” في مقالةٍ بديعةٍ قبل أيام.
ولذلك يا فخامة الرئيس ما عاد السنّة الصابرون دائماً يستطيعون الصبر على بقائك رئيساً شهراً واحداً، فكيف بسنةٍ وشهرين، فارحل الآن.
وبالطبع ما كان يوماً عندنا أمل في حسّان دياب رئيس الحكومة المستقيل أن يتّخذ موقفاً يُشعِر بالكرامة. ومع ذلك أيّها الرجل ألم يتحرّك فيك عِرْقٌ من عروق الآباء والأجداد عندما سمعتَ الرئيس الجنرال في مجلس الدفاع الأعلى يشتم مسلمي عكّار؟ ثمّ يا معالي وزير الداخلية، أنت سُنّيٌّ أيضاً، فلماذا لم تردَّ على الجنرال، وهو صديقك منذ أربعين عاماً ونيّف، فتذكِّرهُ بأنّك سنّي ولا ترى في نفسك تشدّداً ولا إرهاباً؟ ثمّ أخيراً أيّها الجنرال محمود الأسمر أمين المجلس الأعلى العظيم للدفاع، أنت بالمصادفة من عكّار، فلماذا لم تقُل شيئاً، أو لماذا لم تستقِل حياءً وكبرياءً؟ هي القشّة التي قصمت ظهر البعير، كما يقال. ما عدنا نحن السنّة، ولا عادت الكثرة الساحقة من اللبنانيين تتحمّلك، فارحل يا فخامة الرئيس.
ولنصلْ إلى الرئيس المكلَّف نجيب ميقاتي. أُصارحُك يا دولة الرئيس أنّني (وأقولها خَجِلاً) شمتُّ بك عندما رأيت عشرات من متظاهري الثورة أو الثوار الأشاوس يتصارخون مساء الأحد في 15 آب أمام منزلك في وسط بيروت. بالطبع لا علاقة لك من قريب أو بعيد بتفجير المرفأ، لكنّهم استوطوا حيطك، كما يقول اللبنانيون. والله لقد أكّد لي عدد من شباب عكار أنّهم رأوا بين “الثوار” العظام على التلفزيون ثلاثة من العكاكرة المعروفين بالتخزين والتهريب وأعمال السطو الأخرى. أمّا الذين أخبروني فقد اعتبروهم من الدخلاء على الثورة، وأمّا أنا فقد أدركتُ فوراً مَن أرسل الجميع للتظاهر أمام منزلك. إنّه الفريق نفسه الذي تتفاوض معه على تشكيل حكومة، والذي فجّر الناس في عكّار.
أمّا شماتتي بك فلسببٍ آخر تماماً. لقد كنتُ أنتظر منك، وأنت الشماليّ العريق، أن تمتطي طائرة هليكوبتر من عند الجيش، وإن لم تمضِ إلى عكار فامضِ إلى مستشفى السلام الذي جلبوا إليه القتلى والجرحى.
ما كنّا نرى نحن أهل المواطنة الرشيدة أن يترشّح أحدٌ لرئاسة الحكومة بعد اعتذار سعد الحريري الذي عذّبنا لتسعة أشهر، بل لسنواتٍ مديدة. وقد قال حضرته يوم الاعتذار الشهير إنّه لن يرشّح أحداً. ثمّ بشكل مفاجئ سمعنا الرئيس السنيورة يُنشد قصيدته العصماء من بيت الوسط في الاشتراط عليك بعد ترشيحك من الأربعة الأشاوس. ولأنّ العالم كلّه يريد حكومةً في لبنان، فقد خالفت العقل والمنطق ورحت أقول لنفسي ومحاوريّ: لعلّ وعسى أن ينجح الميقاتي في ما لم ينجح فيه سعد الحريري وآخرون.
وكتبتُ وقتها في “أساس” أنّ الميقاتي هو فرصة عون الأخيرة. ورحت أذكر ميزاتك للقريب والبعيد. لكنّني نصحتُك أن لا تسمح لهم بجرجرتك مثلما جرجروا غيرك، وقلت إنّ عليك أن لا تنتظر أكثر من عشرة أيّامٍ لتعلن اعتذارك الذي كنتُ على يقينٍ منه إن لم تتشكّل الحكومة سريعاً. ولذلك اقترحت على المسلمين والوطنيين برنامجاً: بعد الاعتذار نذهب إلى دار الفتوى ونمنع أحداً من السنّة من الترشّح بعدك لرئاسة الحكومة ما دام عون رئيساً. ونطلب في البيان نفسه استقالة رئيس الجمهورية الذي يخالف الدستور على الدوام، واتّفق مع حزب السلاح على دعم بشار الأسد على حساب عيش اللبنانيين، وحرم أهل السنّة من ممارسة دورهم الوطني، وارتكب محازبوه وتيّاره من أعمال الفساد والإفساد والفتنة ما لم يرتكبه أحدٌ في تاريخ لبنان منذ قيامه. ونحن في تصميمنا هذا ينبغي أن نمضي باتجاه كل الوطنيين الذين لا يقبلون أن تنهار الجمهورية على يد الرئيس وحزب السلاح.
لسنا من هواة الثوران. ولا من هواة الاستيلاء. ولا من هواة حمل السلاح. ولا من هواة البواخر التركية. ولا من هواة الموت على محطات البنزين أو على شواطئ المغادرة من طرابلس.
الجمهورية في أسوأ أوضاعها، فإن لم يدفعنا التنمّر العوني والسلاح غير الشرعي للتمرّد، فليدفعنا الحسّ الوطني والأمانة لوثيقة الوفاق الوطني والدستور والعيش المشترك، والأمل ببقاء النظام والدولة.
لقد كنت أنتظر اعتذارك يا دولة الرئيس بالفعل بعد حدث عكار المهول، وبعد إهانة الرئيس الجنرال لأهلنا، وبعد اجتماعك به لثماني مرّات أو تسع. عندك هذا الأسبوع، ولا تتأخّر كما تأخّرتَ بعد استشهاد وسام الحسن ومحمد شطح.
ما كان تفجير المرفأ عملاً إجرامياً ضد المسيحيين. ولا كانت نار عكار عملاً إجرامياً ضد السنّة. بل كان هذان الارتكابان جزءاً من الانهيار الوطني الشامل الذي تسبّب فيه أو باشره العهد القوي والحزب المسلَّح.
لذلك يجب أن يذهب الرئيس عاجلاً مشيَّعاً بعكس ما استُقبل به في عام 2016، ومن المسيحيين قبل المسلمين.
يا دولة الرئيس المكلَّف من مجلس النواب وليس من الرئيس، وعلى الرغم من التكرار، أُريد تذكيرك بما لم تنسَهُ فيما أظنّ:
– أنّهم غيّروا طريقة التفاوض معك حتى الآن أربع مرّات لجرجرتك كما فعلوا مع مَن قبلك.
– وأنّ الصهر الباسل دأب على الإزدراء بك وبالشمال وعكار.
– وأنّ الرئيس نفسه أهان منطقتك والطائفة التي تنتمي إليها.
– وأنّهم أرسلوا مَن يتظاهرون أمام منزلك استيطاءً لحيطك واتّهاماً لنا بما ارتكبوه هم.
سمعتُك تتحدّث عن تفاؤلٍ شديدٍ بالتشكيل فاستغربت، إنّما كما قد تُثبت كفايةً غير عادية في التأليف، نريدك إن لم يحصل ذلك خلال الأسبوع أن تُثبت تأهّلاً لدى السنّة والوطنيين بالوفاء للإجماع السنّيّ وللتعهّد بإنقاذ لبنان (الذي سمعتك تتحدّث عنه بعد نار عكار)، ودورك فيه يبدأ ويتصاعد (ومرّةً أخرى إن لم تتشكّل الحكومة هذا الأسبوع)، بالاعتذار عن الاستمرار في العبثيّة، والدوران من حول نواعير حماه.
برنامج اليوم: رحيل الرئيس أو ترحيله لكي يبقى لبنان. واعتذار الرئيس المكلّف إن لم يحصل التشكيل في أقرب الآجال، لكي يبقى الدستور والنظام.