الحدث

خطة ضرب عكار اتُخذت

“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر

السبت بقّ الحاكم رياض سلامة، “كمشة بحص “ممّا يملكه في كسّارته مؤكداً، بالمختصر المفيد، أننا أصبحنا أبعد من جهنم ، مع صرفنا أكثر من 850 مليون دولار، كفاتورة نفطية عن شهر واحد، بعيداً عن حسابات من يحكم البلد في السياسة… فجر الأحد، وقبل صياح الديك ، التليل العكارية تشتعل بنار جهنم ليترات البنزين “المغيّب” وقداحة ورصاصة، بعد بيروت ونيتراتها ومعلّم التلحيم.

رواياتٌ متعددة وتوزيع مسؤوليات بالجملة حيث يكاد يقول المريب خذوني، ثابتها، أن ما حصل ما كان ليكون، لو أن الدولة المُفترضة، بكل أجهزتها و”عناترها”، قامت بأقلّ واجباتها، هي التي يتبارى مسؤولوها في نفي تهم دعم التهريب وتغطيته. فيما حقيقتها المرّة، سلطة نيترات وميلشيات محروقات، تتحكّم بلبنان واللبنانيين… إنها جهنم بالتراضي وتبويس اللحى، حيث لا قانون ولا مؤسسات، ولا جرأة لمسؤولين بكل مستوياتهم على ضبط الحدود، مع تسليمهم للقرار والسلطة، عن سابق إصرار وتصميم، لأمر الدويلة وميليشياتها الشرعية وغير الشرعية.

وبغضّ النظر عما حُكي ويُحكى عن مؤامرات خارجية، وعن عدو يريد إرجاع اللبنانيين إلى العصر الحجري، وعن دور لعوكر أو غيرها، لعلّ من المفيد التوقف عند الملاحظات الآتية:

أولاً: بات من الواضح أن ثمة مخططٌ مرسومٌ منذ سنوات يهدف إلى ضرب الجيش في عقر داره وخزّانه البشري في عملية منظّمة، تهدف إلى تفكيك الدولة ونشر الفوضى، بعدما كان سبق ونجحت تلك التجربة في فترات سابقة بإخراج “المسيحي” من المؤسسة، نتيجة الصراع الذي قام عام 1990 بين الجيش بقيادة الرئيس ميشال عون و”القوات اللبنانية”، والذي لم تنجح حتى الساعة كل المحاولات في إعادة هذه الفئة من المجتمع للإنخراط في المؤسسة العسكرية. هو المشروع نفسه إذاً، يجري تطبيقه حالياً، بمشاركة الجميع، عن دراية أو عن جهل، بإخراج “السنّي” من الجيش، عبر ضرب بيئته الشمالية الحاضنة وبخاصة العكارية، وهو ما قد يصل في مرحلة من المراحل إلى حدود أن نشهد ظواهر غير سليمة. كل ذلك، خدمةً لمشروع الدويلة التي بادرت إلى تطبيق خططها الإستباقية في ظل اشتداد الخناق حولها، والذي عبّر عنه بطريقة أو بأخرى الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله، في كلامه العاشورائي الأخير، كما تطالعنا به أبواق الممانعة والمقاومة بحلّتها الرسمية، متعمدةً بين الحين والآخر تمرير وضخّ معلومات عن مخططات وخلايا إرهابية تعمل في علم الغيب، لأهداف تتقاطع عندها تغطية التقصير مع الرغبة بانفجار خزان الجيش البشري وانقلابه على جلده.

ثانياً: إصرار المافيا بشقّيها اللبناني والسوري، وبحماية رسمية في البلدين، على عدم السماح بالمساس بمنظومة التهريب القائمة، والتي تُعتبر الشريان الحيوي الذي يمدّ النظام السوري بالأوكسيجين في ظلّ الأزمات التي يعاني منها، حيث تشير المصادر الرسمية إلى أنه رغم كل الحملات والمداهمات التي شهدناها خلال الساعات الماضية، فإن حوالي 40% من الكميات التي تخرج من المصافي والشركات يُصار إلى نقلها إلى سوريا، إمّا مباشرة أو “ترانزيت”، عبر المعابر الشرعية، وعلى عينك يا دولة، وفقاً لنفس الآلية المُتّبعة منذ أكثر من سنة، والتي باتت جهات معنية عديدة، تملك معلومات وصور مفصّلة توثّق تلك العمليات، وما حصل في التليل، ليس سوى أحد النماذج. فكيف للممانعة أن تسمح بتسكير هذا المزراب الذي هو عملٌ مقاوم؟

ثالثاً:واضحٌ أن الطبقة الحاكمة تعمل على حماية نفسها ومصالحها بالتكافل والتضامن فيما بينها، وما كلام الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي العجيب بالأمس، عن “انتحاريته” وتضحيته في تلقّف كرة النار الحكومية لمساعدة الإنتفاضة والثورة على تحقيق التغيير عبر الإنتخابات النيابية، سوى نموذج واضح عن تلك الوقاحة، حيث يعمد الجميع “إلى ترويض الشارع بعد كل أزمة”، رامين في وجه الناس “جرّة عسل” الإنتخابات النيابية، التي باعتراف الجميع وفي ظلّ التوازنات الحالية، لن تقدّم ولن تؤخّر في العملية أو التركيبة السياسية. من هنا كانت الجهود المبذولة لإجهاض أي تحرك في الشارع والعمل على استيعابه بالتي هي أحسن وصولاً للإستحقاق النيابي. ولكن هل كل مرّة ستسلم الجرّة؟

الأسئلة التي تُطرح كثيرة، لن ترحم ولن توفّر أحداً يوم الحساب. ما علاقة ما حصل ذاك الليل الأسود بالإرهاب وملفاته؟ وهل من حاول التفتيش عن العلاقات التي تربط صاحب البضاعة بالأجهزة الأمنية، خصوصاً أن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الداعي إلى إعلان المنطقة عسكرية، قد كشف عن امتلاك صور ومعلومات حول عمليات التهريب المنظمة في تلك المنطقة؟ والسؤال الأهم، لماذا سُمح للأزمة أن تتفاقم إلى هذا الحد، طالما أن الأجهزة الأمنية والعسكرية كانت قادرة على التحرك وتملك المعطيات والمعلومات اللازمة؟ ومن هو الشخص أوالجهة التي أخّرت هذا التحرك، الذي يبقى دون فائدة كونه ليس الحل ولأن توقيته يكشف أهدافه؟

“لأنو العسكري لازم يفهم والمدني لازم يعرف” في ظلّ “العصفورية” التي نعيشُ فيها، المطلوبُ كثيرٌ والموجودُ قليل، و”القلّة بتولّد النقار”، في وقتٍ لا شيئ يدلُ أن الأمورَ ذاهبةٌ نحو الأفضل، أو أقلّه ثابتةٌ على ما وصلت إليه، في حالِ استمرَّ “الستاتيكو” السلبي القائم. نقطةٌ مشتركة واحدة، قوى عسكرية وأمنية، في مقدمتها الجيش، لضبطِ الوضع وتنفيذ “القانون… هو قدر الجيش كما اللبنانيين، وجهاً لوجه أم جنباً الى جنب، ما عاد هناك من فرق… طالما النتيجة واحدة والهدف واحد، “على ما يقول الشاطر حسن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى