هل هناك فارق بين المصرف المركزي والطبقة السياسية اللبنانية؟
} د. وفيق إبراهيم-البناء
تولى مصرف لبنان المركزي بنجاح ملحوظ قيادة الدور الاقتصادي المصرفي في لبنان، وبما ان مرحلة السبعينات وحتى التسعينات كانت مرحلة ازدهار النفط العربي، والتطورات السياسية التي امنت فرار مليارات الدولارات السياسية، كناتج طبيعي للصراعات السياسية في العراق والاردن وسورية، ما ادى الى تشكيل قطاع مصرفي من اصول عربية استثمر معظم ودائعه في لبنان فمنح القطاع المصرفي اللبناني ازدهاراً غير مسبوق تمظهر في نجاح لبنان في الاستيراد والتصدير واستقبال رؤوس اموال عربية كانت تستثمر في الداخل اللبناني.
هناك عاملان منحا لبنان اهمية ضخمة في عالم المصارف وهي الاضطرابات السياسية في العالم العربي والاصطياف واستيراد مواد خفيفة واعادة تجميعها في لبنان وتصديرها لاحقاً عبر سورية الى الاردن والعراق ودول الخليج، وهذا ما منح الوضع الاقتصادي اللبناني ازدهاراً كبيراً جمع بين قدرات اقتصادية لبنانية ملحوظة وعلاقات سياسية واسعة مع العالم العربي وخصوصاً الخليجي والسوري والعراقي.
داخليأً سيطرت الطبقة السياسية الداخلية على الاقتصاد المصرفي اللبناني وذلك بربطها بين الولاء السياسي والولاء الاقتصادي ونجحت فيه لان الصراعات السياسية بين الاميركيين والروس والفرنسيين والاوروبيين عموماً أتاحت لرؤوس الأموال فرصة الاستثمار والانتفاع من عائدات موارد نفطية لا تحصى.
هذا الوضع انتج طبقة وسطى لبنانية تخصصت في الاعمال المصرفية واعادة تجميع المواد الاقتصادية بإدارة مصرفية لبنانية فأصبح الوضع اللبناني كالآتي: طبقة مصرفية تسيطر على الوضع المصرفي اللبناني مع ادارة محلية لاعادة تجميع مواد اقتصادية خليجية يعاد انتاجها في لبنان، وهذا ادى الى ازدهار اقتصادي كبير واصبح لبنان الدولة الاولى لانتاج الطبقة الوسطى في المشرق العربي، وذلك استناداً الى استثمارات مصرفية تولت ادارتها هذه الطبقة، اما القاعدة السياسية لهذا التطور فهي الطبقة البورجوازية المصرفية التي أمست بالسياسة والمصارف بشكل مترابط حتى أصبح مصرف لبنان المركزي الادارة الاقتصادية – السياسية للإمساك بالبلاد بأسرها.
هذا الجانب منح رياض سلامة زعامة العلاقات المصرفية في لبنان واوروبا واميركا حتى بدا وكأنه رئيس فعلي للبلاد وليس مجرد رئيس لمصرف قابل للتغيير في كل وقت.
بذلك تمكن رياض سلامة من تنشيط علاقات سياسية مع قيادات الخليج واوروبا والاميركيين واصبح سياسياً – اقتصادياً شديد التمكن يخترق الغرب والشرق عبر مصرف لبنان المركزي من دون اي خذلان.
كما ادى سلامة دور العامل لمصلحة الطبقة السياسية اللبنانية فخدمها بحركته المصرفية وبالتالي السياسية لانه استطاع وضع النظام السياسي اللبناني بخدمتها، لكن الاخطاء المصرفية التي ارتكبها ادت الى وضع حركته العامة في خدمة السفارات الخارجية وبما ان السياسة الاميركية – الفرنسية وصلت في لبنان الى درجة تتطلب وضع حد للادوار الكبيرة لحزب الله، فكان لزاماً وقوف رياض سلامة الى جانب المحور الاميركي والفرنسي.
وسجل خدمات لمصلحتهم ظهرت في تحرير الدعم عن الادوية والطبابة والبنزين والمازوت مع ميل لاعلان افلاس لبنان ووضعه تحت دائرة بطاقات الترشيد التمويلية، وذلك للمزيد من الامساك بإدارته السياسية.
هذه الصورة القاتمة جعلت من رياض سلامة وسيلة لافلاس البلاد حتى ان معظم ادارات الدولة دفعها مصرف لبنان نحو الافلاس ولا يزال يدفعها لاعلان نهاية البلاد.
فمن يراقب حركة انهيار مؤسسات الدولة يدرك على الفور ان هناك سياسة فرنسية اميركية تعمل على تفجير لبنان لاسباب سياسية تتعلق بالصراع الايراني الاميركي والايراني الخليجي وكذلك التناقض السوري مع السعودية والولايات المتحدة الاميركية.
لبنان اذاً في وضعية إفلاس كامل كالمحتضر الذي ينتظر الموت على نار قوية ولا امكانية لانقاذه في ظل هذه الصراعات الاقليمية والدولية والعربية.
وإذا ما أضفنا الإصرار الغربي على منع لبنان من الانفتاح على الخط السوري الإيراني فيتبيّن انّ إنقاذ بلاد الأرز عملية شبه مستحيلة تحتاج لانفتاح مشرقي نحو سورية وايران.
وبانتظار الدعم الالهي والسقوط التدريجي لادارات السلطة في لبنان لن تتأخر الصراعات داخل الطبقة السياسية من تفجير لبنان.