قرار حاكم مصرف لبنان يحرم المهرّبين من مليارات الدولارات
أصبح واضحاً أنّ سبب التصريح الأوّل، الذي رفعه الوزير السابق جبران باسيل ضد رفع الدعم هو مصلحة خاصة جداً… حيث تبيّـن أنّ الوزير السابق يمارس جميع أعمال الصفقات وعمليات القبض والدفع ابتداء من أكبر شركة للاستيراد وتوزيع المحروقات التي لها علاقة بقصة الـ70 مليون دولار. هذه القضية موجودة لدى القضاء اللبناني. وبقدرة قادر تم دفع 30 مليون دولار من أصل 100 مليون والباقي دخل ضمن قضية كان من المفروض أن يبتّ بها القضاء، لكن تدخل الوزير الصهر أعطاهم الشركة فراحوا يمارسون كل أعمال القرصنة، وأصبح 60% من سوق المحروقات ملكاً لهم، ومن يعارض ذلك وبكل بساطة فإنّ القاضية غادة عون جاهزة لتوجيه كل أنواع التهم إليه… وهنا نتذكّر قصة البواخر التي تحمل بنزيناً وفيولاً مغشوشاً عفواً لقد صار مغشوشاً لأنّ مستورديه ينافسون شركاء الوزير، وهكذا أُصْدرت مذكرات توقيف بحقهم ويبدو أنّ الأمور رُتّبت ترتيباً خاصاً.
نعود إلى تصريح الصهر الحريص كل الحرص على مصالح المواطن والشعب لنسأله:
أولاً: من أهدر 56 مليار دولار في وزارة الكهرباء منذ عام 2015 إلى يومنا هذا؟ ومن تسلم الوزارة من بعده؟ أليْس سكرتيره سيزار أبي خليل ثم بعد سيزار جاءت سكرتيرة الوزير ندى البستاني؟ بالله عليكم هل يصدّق أحد، أنّ وزيراً يعيّـن من بعده سكرتيره والسكرتير يعيّـن أيضاً سكرتيرته؟
المهم أن هذه الوزارة كبّدت الخزينة 56 مليار دولار لعدّة أسباب أهمها: رفض الوزير باسيل الانتقال من الفيول إلى الغاز الذي يَوفّر سنوياً ملياراً وخمسماية مليون دولار أميركي.
ثانياً: ماذا عن البواخر التي بدأت بموقف رافض وعندما تمّت الصفقة أصبحت الباخرة باخرتين، وبدل أن يكون الاستئجار لفترة قصيرة، صار لمدى الحياة… ثم «خلّفت» الباخرة الأولى باخرة ثانية..؟
ثالثاً: لماذا رفض جبران باسيل عرض الصندوق الكويتي الذي أرسله المغفور له أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح رحمه الله، عندما شاهد على شاشة التلفزيون المشاكل التي يتعرّض لها المواطن اللبناني، وعندما جاء الوفد الكويتي لمقابلة الوزير وقدّم عرضه الذي يتمثل ببناء معملين في دير عمار والزهراني بغية إمداد لبنان بالكهرباء 24/24 على أن تكون هناك فترة سماح لمدة خمس سنوات، وتُقَسّط الكلفة على 20 سنة بفائدة 1%. رفض الوزير باسيل الأمر بسبب عدم إعطائه المال كي يقوم «سيادته» بإنشاء المعملين أو أن تكون هناك طريقة ثانية لإرضاء الوزير، وهي طريقة معروفة، وهكذا رفض الوزير العرض الكويتي بحجة أنه ينتقص من السيادة الوطنية.
وهكذا خسر لبنان فرصة تاريخية من دولة الكويت ومن الأمير الراحل الذي كان يعشق لبنان…
رابعاً: منذ اللحظة الأولى لعملية الدعم، أي منذ سنتين وسعادة الحاكم يقول إنّ هناك مشكلة، هي أنه لا يمكن لمصرف لبنان أن يكون المموّل الوحيد للدولة اللبنانية، وكان الحاكم الأستاذ رياض سلامة يعيد تكراراً: يجب تشكيل حكومة فهي الحل الوحيد لوضع خطة إنقاذ…
وهنا نتذكّر الرئيس سعد الحريري الذي استطاع بحكم علاقته المميزة برئيس فرنسا إيمانويل ماكرون أن يعقد مؤتمر سيدر، الذي خصّص أحد عشر ملياراً وخمسماية مليون دولار لإقامة مشاريع تشرف عليها الدول والشركات المانحة بشروط يوافق عليها مجلس النواب اللبناني.
وعودة إلى الحاكم الذي قال منذ اللحظة الأولى إنّه ضد زيادة الرواتب، وبالرغم من تحذيره، لم يسمع أحد، وزيدت الرواتب. هنا بدأت معركة الانهيار، إذ لا يمكن لدولة تصرف أكثر من مدخولها أن تستمر. والمصيبة أنّ الدولة والمسؤولين يريدون أن يحمّلوا حاكم مصرف لبنان ما جنته أياديهم من أخطاء.
هذا إضافة إلى الحديث عن التعطيل فمنذ اغتيال شهيد الوطن الرئيس رفيق الحريري وتعطيل تشكيل الحكومات بات أمراً حتمياً. لقد تم تعطيل انتخاب رئيس جمهورية سنة و3 أشهر إلى أن انتخب الرئيس ميشال سليمان، ولمدة سنتين ونصف السنة بسبب إصرار جماعة الحزب على انتخاب ميشال عون رئيساً.
لقد تمّت زيادة الرواتب مع عجز منذ 20 سنة أو أكثر في كل موازنة. هذه النتيجة لا يمكن تحميل مسؤوليتها لحاكم مصرف لبنان.
فحاكم مصرف لبنان استطاع المحافظة على استقرار سعر صرف الدولار منذ عام 1993 إلى عام 2020، أي 27 سنة بالرغم من الكثير من العجز والمصائب.
خامساً: التهريب إلى سوريا. بسبب أن سعر المازوت والبنزين والدواء في لبنان أرخص بكثير مما هو عليه في سوريا، وأنّ المهرّبين يستفيدون من هذا الدعم ولا يمكن توقيفه حتى تستقيم الأسعار في البلدين.
وهنا جاء دور شركاء الصهر الذين قالوا علناً: لماذا نبيع تنكة البنزين بـ30 ألف ليرة في لبنان مع إمكانية بيعها بخمسة عشر دولاراً أميركياً في سوريا؟ وهنا بيت القصيد… إنّ رفع الدعم سيوقف بيع البنزين والمازوت إلى سوريا، وهكذا فإنّ ملايين الدولارات التي جناها معاليه وشركاؤه توقفت… ومن أوقفها؟
لقد أوقفها قرار حاكم مصرف لبنان..
وأخيراً نتساءل: أين صار النفط العراقي، الذي أُبرمت اتفاقية بشأنه بين لبنان والعراق..؟ ولماذا لم يعمد وزير الطاقة ريمون غجر إلى إجراء مناقصة علنية online، لاختيار الشركة التي ستزوّدنا بالمشتقات النفطية بدل النفط العراقي الخام؟
ألم يحن الوقت بعد لإنهاء هذه المشكلة… وأليْس قرار حاكم مصرف لبنان كان جريئاً ومحقاً؟
*نقلاً عن صحيفة الشرق