الحدث

“المجتمع المدني”: الأداة الأكثر استغلالًا أميركيًا

 

الخنادق

تطبيقًا واقتناعًا من نظرية السفيرة الأمريكية دوروثي شيا في عدم وضع رياض سلامة كبش الفداء وضرورة الوقوف بجانبه ومساعدته لتخطي هذه الأزمة، زار ديفيد هيل رياض سلامة في منزله للدلالة على الودية بينهما وبعدها أصدر تصريح بحقه أنه شخص بريء من أي فساد مالي ويستطيع أن “يمضي قدمًا” أي الاستمرار في عمله بشكل طبيعي وحتى أجل غير مسمى من أجل السماح له باستكمال عمله الذي يخدم استراتيجية الحصار الاقتصادي التي تقوم به على لبنان.

بالعودة الى التوصيات التي أصدرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه) مطلع عام 2021 والتي عرفت باستراتيجية بايدن في لبنان، والقائمة على متغيِّرات مهمة في الساحة اللبنانيّة، سياسياً واقتصادياً، أهمّها كان الفراغ الحكومي المقصود، مترافقاً مع انهيار سريع للعملة، وتدهور اقتصادي غير مسبوق، بالإضافة إلى انهيار المصارف، وحجز أموال المودِعين، كما ازدياد نفوذ السِّفارات، وتحكُّم سفيرتي الولايات المتحدة وفرنسا في المفاصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، نرى من المهم تسليط الضوء على الادوات التي ستستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تحقيق التوصيات التالية:

  1. حماية المصالح الإسرائيلية في سواحل شرقي المتوسط، والتي تشكّل المقاومة تهديداً حقيقيّاً لها.
  2. تعزيز النفوذ الأميركي، نظراً إلى أهميّة موقع لبنان الاستراتيجي.
  3. بذل جميع الجهود الممكنة في مواجهة المقاومة وفكرها.
  4. تفعيل دور السفارة الأميركيّة، التي تُعتبر مركزاً استراتيجيّاً بالنسبة إليه.
  5. إلزام لبنان بالدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
  6. تعزيز التوجّه الغربي للبنان، وترسيخ واشنطن شريكاً مفضَّلاً بين المنافِسين الإقليميِّين والقوى العظمى، بالإضافة إلى خلق بيئة معادية للتوجُّه شرقاً.

فما هي هذه الأدوات؟

المجتمع المدني ومنظماته هو من الأدوات الهامّة والمرنة التي يصب الأميركي التركيز عليها لتحقيق أهدافه داخل لبنان. ويقسّم المجتمع المدني ومنظماته في لبنان الى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى تمثل مجموعة من الأفراد الممولين بشكل مباشر أو غير مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية وهم ينفذون الأجندة الأميركية في لبنان بعضهم على دراية بأنهم يعملون لصالح هذه الأجندة وبعضهم يغفل عن هذا الأمر، المجموعة الثانية هم الأحزاب السياسية الذين لبسوا قناع المجتمع المدني ومنظماته بهدف استعادة التأييد الشعبي وتحريكه بخدمة مصالحهم، والمجموعة الثالثة هم بعض البنوك والمصارف التي تعمل بصورة المجتمع المدني والتي تهدف أيضًا لتحقيق مصالحها.

ومصالح مجموعات المجتمع المدني الثلاث هي موحدة أو شبه موحدة مع المصلحة الأميركية، لذا احتضان اميركا لهذه المجموعات وتحويلها الى أداة يمكن أن يوصل الأميركي الى هدفه بغض النظر عن الأساليب المعتمدة والطرق التي ستسلكها.

اذًا من هذا المنطلق، سنستعرض في هذه الورقة أهم التصريحات والمقتطفات التي تثبت تعاون الولايات المتحدة مع المجتمع المدني ومنظماته بهدف تحقيق المصالح المشتركة والإضاءة على خفاياها والتي بدأنا نلمسها منذ ثورة 17 تشرين حتى يومنا هذا.

أولًا: 22 أيلول 1991 — دايفيد اغناتيوس – “الكثير مما نقوم به الآن كانت تقوم به وكالة المخابرات المركزية قبل 25 عامًا. آلان وينستين، مؤسس الصندوق الوطني للديموقراطية، NED، الذي يدعم الحركات الثورية الديموقراطية حول العالم”.

أسست وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه) دعمًا وتمويلًا من الكونغرس الأمريكي عام 1983 الصندوق الوطني للديموقراطية، NED والذي يقوم بدعم الحركات الثورية الديموقراطية لأكثر من 100 دولة ومن ضمنهم لبنان. يقوم هذا الصندوق على:

  1. تقديم كل سنة منحًا مباشرة لمئات المنظمات غير الحكومية العاملة في جميع أنحاء العالم ومنهم لبنان من اجل تحقيق أهدافها.
  2. تمويل المنظمات غير الحكومية والتي قد تشمل المنظمات الحقوقية والجمعيات المدنية ووسائل الإعلام المستقلة وغيرها من المنظمات.
  3. دعم الصندوق الوطني للديمقراطية المنظمات المدنية التي تعمل في بيئات تحتوي على “مجموعات إرهابية”.
  4. دعم المنظمات التي تشجع على المساءلة والشفافية

وهذه الأدوار الأربعة كانت تقوم بها وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه) منذ عام 1966 بحسب آلان وينستين، أي أن التدخل الأمريكي في لبنان عبر المجتمع المدني ومنظماته بمجموعاته وأنواعه المختلفة كانت منذ 55 عامًا ولا زالت حتى اليوم، وهذا خير دليل على وجود مؤسسات أمريكية تحت مسميات “تحقيق الديمقراطية” مخصصة لتمويل وتحريك المجتمع المدني في لبنان لتحقيق المصالح المشتركة بينهما والتي أغلبها تخدم الآن استراتيجية بايدن في لبنان.

 ثانيًا: حزيران 2010 — شهادة فيلتمان — تقدم الولايات المتحدة المساعدة والدعم في لبنان الى مؤسساته التي تعمل على إيجاد بدائل للتطرف، وتقليل جاذبية حزب الله لشباب لبنان، وتمكين الناس من خلال احترام أكبر لحقوقهم وزيادة فرص الوصول إلى الفرص. من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي)، ساهمنا بأكثر من 500 مليون دولار في هذا الجهد منذ عام 2006. وتمثل برامج المساعدة القوية هذه جانبًا واحدًا من دعمنا الثابت للشعب اللبناني. منذ عام 2006، تجاوز إجمالي مساعداتنا للبنان المليار دولار. إذا خذلنا ملايين اللبنانيين الذين يتوقون إلى دولة تمثل تطلعات جميع اللبنانيين، فإننا سنخلق الظروف التي يمكن لحزب الله من خلالها، ملء الفراغ، أن يزداد قوة.

في هذا المقتطف هناك تصريح واضح من قبل جفري فيلتمان ‏مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، والذي شغل قبلها منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في لبنان خلال الفترة ما بين 2004 و2008. بأن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم المجتمع المدني ومنظماته بهدف:

  1. محاربة سلاح حزب الله الذي تصفه بالتطرف
  2. تشويه صورة حزب الله لمنع الشاب اللبناني من المدافعة أو حتى تقبل سلاح حزب الله بل تسعى الى جذب هذا الشاب نحو الفكر الأمريكي لتهيئته وإعداده لتقبل فكرة العيش بسلام مع الجار “الإسرائيلي” ونزع سلاح المقاومة.
  3. زيادة فرص الوصول الى الفرص والمقصود به أن أي شاب لبناني لم يؤيّد الفكر الأمريكي ستتعرقل فرصه بالوصول الى الفرص الحقيقة في المجال العلمي وميدان العمل والسفر و…وهذا ما تم تطبيقه فعلًا في لبنان لزيادة الشرخ بين الشعب اللبناني.

وهنا نرى أن الأمريكي دفع أكثر من 500 مليون دولار خلال 45 سنة فقط من أجل محاربة المقاومة تحت مسمى تمكين المجتمع المدني عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي) اللتان تهدفان أيضًا الى تحقيق الاستراتيجية الأمريكية في لبنان. وهذا ليس الدعم الوحيد بل يوجد أساليب وطرق ومبررات أخرى تقدّم فيها أميركا الدعم المادي لتحقيق أهدافها في لبنان كما صرّح فيلتمان.

وفيلتمان أيضًا يصوّب في هذا التصريح على أن المساعدة الأمريكية للمجتمع المدني في لبنان أمر واجب وغير ذلك سيؤدي الى الخذلان وهنا دليل على أن الأمريكي يصوّر نفسه كمخلّص للشعب اللبناني بكامله أو أغلبه الذي يتألم بسبب حزب الله وكأنه المسيطر على لبنان وشعبه وإن عدم التدخل الأمريكي سيزيد من قوة حزب الله في السيطرة على الشعب اللبناني.

وهنا نشير الى أمر هام أن الادارة الأمريكية هي ملزمة أن تشرح أمام مواطنيها أين صرفت الأموال، لهذا كل سنة تعيد تذكير المواطنين التي تدفع الضرائب الباهظة أن كل ما تدفعه في لبنان هو استثمار سياسي بحجة محاربة الارهاب وتعزيز حلفاءها…

ثالثًا: 31 كانون أول 2014 — استراتيجية التنمية في لبنان — تحت عنوان: علاقة استراتيجية التنمية في لبنان بأهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة — تم تصميم مساعدة الولايات المتحدة للبنان ليؤدي إلى لبنان يتمتع بالسيادة، والاستقرار، والديمقراطية، والاستقلال، والازدهار، ويعيش في سلام مع جيرانه.

في هذا المقتطف تم استخدام مصطلح تصميم المساعدات وذلك لتبيين مدى الدقة الكاملة في شكل ومظهر هذه المساعدات المخطط لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق هدف أساسي مبّطن تعمل عليه منذ مئات السنين ألا وهو قبول لبنان لعملية التطبيع مع العدو الصهيوني وهذا ما دلّت عليه عبارة “يعيش في سلام مع جيرانه”. فهي لا تستطيع أن تقول مثلًا هذه 5 مليارات دولار مقابل التطبيع مع العدو لأنها ستقابل بالرفض الشديد وواسع النطاق، أما هندسة هذه المساعدات عبر تقديمها للمجتمع المدني بحجج الاصلاح والاستقرار والعيش الكريم ستلاقي تأييد واسع وكبير يوصلها الى هدفها الاساسي بغض النظر عن حجم الوقت التي ستحتاجه لتحقيق هدفها.

رابعًا: 14 آذار 2019 — ديفيد هيل —  إن “الولايات المتحدة والقوى الممثلة في 14 آذار تتشارك الكثير من القيم والكثير من الاهتمامات، ليس أقلّها الرغبة في دعم الممارسات الدستورية في لبنان والمؤسّسات والتقاليد الديمقراطية وتطبيق اتفاق الطائف”.

في هذا التصريح يبيّن هيل مدى انسجام وتوحد مصالح قوى 14 آذار مع المصالح الامريكية وتشارك الأهداف والإهتمامات التي تصب في معضلة وجود حزب الله في المجلس النيابي، وغيره من المسائل وخصوصًا أن قوى 14 آذار ليس لديها مشكلة في التطبيع مع العدو الصهيوني لا بل هناك علاقات وتعاون بين بعض زعماء من 14 آذار مع شخصيات وزعماء صهاينة مثل سمير جعجع تربطه علاقات جيدة مع رؤساء حكومة الكيان الصهيوني وشخصيات من وكالة المخابرات الاسرائيلية وغيرهم وخصوصًا أثناء الحرب الأهلية اللبنانية على سبيل المثال أرئيل شارون، مناحم بيجن.. وهذا ما يجعل الأمريكي ينظر الى قوى 14 آذار الى أنه الذراع الذي يمكن أن يحرّكه في أي وقت وأي ظرف. وهنا يجب الاشارة الى أمر هام جدًّا أن هذه العلاقات التي تربط بين الامريكي-الاسرائيلي وبين قوى 14 آذار كانت منذ أكثر من  50 عامًا، فالاسرائيلي والامريكي كان يساعد قوى 14 آذار منذ عهد بشير جميل على تهريب المخدرات والتجارة بها  وأيضًا ساعد سمير جعجع في تجارة المخدرات والحشيش قبل الحرب الأهلية، وبالرغم من هذه السنوات الكثيرة الذي مرّت وصولًا لعام 2021 لم يقطع الطرفان علاقتهما ببعض لذلك من المتوقع أن يساعد الطرفان بعضهما بأي طريقة كانت عبر منظمات المجتمع المدني و إثارة الفتن أو أي عمل تخريبي آخر خدمةً لمصالحهما المشتركة. والآن حتى لو استنكر الأمريكي فساد قوى 14 آذار وطالب بالمحاسبة وغيره، فهذا كله كلام إعلامي يخدم أيضًا المصلحة الأمريكية ومصالح قوى 14 آذار.

وهنا نشير الى أمر هام أن أكثر الجمعية وصل لها اموال في لبنان بحسب التقارير هي جمعية ground 0 التي تترأسها مي شدياق أي جمعية سياسية تابعة لقوى 14 آذار، وثاني أكبر جمعية وصل لها أموال هي جمعية دفى التي تترأسها بولا يعقوبيان التابعة أيضًا لقوى 14 آذار.

خامسًا: 19 تشرين الثاني 2019 — شهادة جفري فيلتمان في الكونغرس — أود أن أؤكد في البداية أن الاحتجاجات الحالية في لبنان لا تتعلق بالولايات المتحدة، وعلينا تجنب أي شيء من شأنه أن يغير التركيز نحو الولايات المتحدة. لكن نتائج الاحتجاجات قد تؤثر على المصالح الأمريكية إيجابًا أو سلبًا.

تحليلًا لشهادة فيلتمان إذًا لم تكن اميركا هي مسبب لهذه الاحتجاجات في البداية، فهي من المؤكد أصبحت قائدها، فخلال أيام قليلة ركبت موجة الاحتجاجات وبدأت بتحريك أذرعها من خلال منظمات المجتمع المدني وأذرعها الاخرى وأصبحت تديرها بالطريقة التي تناسب أهدافها، فبالبداية كانت مطالب المحتجين مطالب معيشية، فجأة أصبحت مطالبهم تصب بنزع سلاح حزب الله وانتخابات مبكرة وانتشرت خيمات الدعم النفسي والمعنوي في ساحة الشهداء في بيروت بقيادة الجامعة الأمريكية في بيروت وتوزيع الطعام والمال على كل متظاهر. وهنا يجب الاشارة الى أن دور خيم الدعم النفسي كانت بهدف دراسة تأثير سلاح حزب الله السلبي على نفسية الشاب اللبناني والمساهمة في تخطي مخاوفهم والتصدي لهم. وبالفعل قامت بأي شيء كما صرّح فيلتمان من شأنه غيّر التركيز نحو الولايات المتحدة الأمريكية خوفًا من ان تؤثر هذه الاحتجاجات على المصالح الأمريكية ومصالح حلفاءها التي تخدم الأجندة الأمريكية.

سادسًا: 7 آب 2020 — الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون — فرنسا لن تقدم شيكات على بياض لزعماء البلاد ما لم ينفذوا إصلاحات. أضمن لكم أن هذه المساعدات (لإعادة البناء) لن تذهب إلى الأيدي الفاسدة.

بعد انفجار المرفأ، لم تستطع اميركا وحلفائها أن تظهر أي علاقة تشير الى تعاون بينها وبين الرؤساء والزعماء اللبنانيين ولم تستطع اميركا التدخل مباشرة في هذا الحادث، فلجأت الى خيار ارسال فرنسا بالنيابة عنها لتقوم بتطبيق المسار التي رسمته خدمةً لأهدافها وطبعًا لأن فرنسا لديها أيضًا مصالح في التوجه الى لبنان. ولتحييد المشهد عن تعاون اميركا مع زعماء ورؤساء في الحكومة قام ماكرون بإدلاء تصريح يؤكد على عدم تقديم الأموال لزعماء لبنان ما لم ينفذوا الإصلاحات. فمثلت كارثة المرفأ العصا السحرية لأميركا في الاستثمار في منظمات المجتمع المدني لإطلاق يدها بحرية أكبر في لبنان حيث تفرّدت في توزيع الأموال والمساعدات الخارجية بعد رفض هذا الخارج التعاون مع السلطات الرسمية تحت عنوان ” لن تذهب إلى الأيدي الفاسدة” تمامًا كما أعلن ماكرون. ولكن من قال أن هذه المنظمات أيديها نظيفة؟ فإن أغلب منظمات المجتمع المدني يقودها أحزاب فاسدة والدليل على ذلك أن أغلب المساعدات التي سلمت الى هذه المنظمات تم بيعها وشاهدناها في الأسواق المحلية، حتى الأموال التي تسلّم الى هذه المنظمات يتم صرف أغلبها كرواتب والباقي تجهيزات، والجدير بالذكر أنه لا يوجد جهة رقابية على عمل هذه المنظمات لا من الحكومة اللبنانية ولا من الخارج فلا أحد يعلم أين تذهب هذه الأموال.

 إذا دققنا بالمعاني أكثر نرى أن هذه الدول المستثمرة في لبنان تحاول أن تبدّل الطبقة الحاكمة بهذه المنظمات. وهنا يجب الإشارة الى أن اميركا لا تريد الغاء دور حلفاءها في السلطة طبعًا لأن حلفاءها في السلطة أغلبها تدير هذه المنظمات وتختبأ خلفها.

سابعًا: 9 آب 2020 — مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالوكالة، جون بارسا — سألتقي شركاء الوكالة الذين يستلمون المساعدات الإنسانية والصحية في بيروت. الوكالة قدمت حتى الآن أكثر من 15 مليون دولار كمساعدات إنسانية لدعم جهود الرد على هذه الكارثة، مما يرفع حجم المساعدات الإنسانية الأميركية المقدمة من الشعب الأميركي للبنان إلى 594 مليون دولار منذ سبتمبر 2019. المساعدات الأميركية لن تصل حتما إلى الحكومة اللبنانية، ولكنها ستذهب إلى الشعب اللبناني عبر الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية. مساعداتنا الإنسانية ستصل إلى سكان بيروت والشعب اللبناني الذين هم بحاجة لها، ولن تكون خاضعة لسيطرة الحكومة اللبنانية.

يبيّن هذا التصريح مدى تنسيق التعاون بين منظمات المجتمع المدني وبين الادارة الأمريكية، فبعد انفجار المرفأ سارع جون بارسا المسؤول عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تعنى بإدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين بتنسيق لقاء مع المسؤولين عن جمعيات المجتمع المدني التي سلمت لهم المساعدات والأموال والمصنفة بحسب جون بارسا لـ”دعم جهود الرّد على الكارثة” فكيف كان الردّ على هذ الكارثة؟ حملة دعائية كبيرة تشترك معها محطات تلفزيونية وجرائد مع منظمات المجتمع المدني لإتهام حزب الله وتحميله مسؤولية هذه الكارثة. والجدير بالذكر أنه صرّح ان منذ ثورة 17 تشرين 2020 حتى 9 آب 2021 أي خلال أقل من سنة تم تمويل هذه المنظمات بمبلغ قدره 594 مليون دولار، فأين ذهبت هذه الأموال؟ وفي أي أماكن وظفت؟ وأكدّ على أن هذه المساعدات ستصل الى الشعب اللبناني الذي هم بحاجة. طبعًا هنا المقصود الشعب الذي يغفل أو يتغافل عن دور هذه المنظمات وليس الشعب المتضرر لأن فعليًا لم يصل إلا القليل لهم من مواد غذائية وغيره ومنهم من لم يصله شيء أبدًا. وأشارت أن ستقدم عبر الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية اللذان هما أذرعها في لبنان وتتحركا بحسب الأجندة السياسية الأمريكية

ثامنًا: ايلول 2020 — ديفيد شينكر خلال لقائه مع ممثلي المجتمع المدني في لبنان — نؤكد على ضرورة وحدة مجموعات الثورة، وأعاتب عدم قدرتكم على حشد الناس في الشارع، فهذا دليل على “عدم الفعالية”. فما حقيقة مشروعكم الموحّد؟ لا إمكانية لانتقال السلطة من التركيبة الحالية إلى أخرى من المجموعات الثائرة”.

عندما يعاتب ويحاسب شخصٌ آخر فهذا دليل على مدى سلطته عليه، وهذا التصريح يبيّن مدى سلطة شينكر على ممثلي المجتمع المدني الذي يقوم بمعاتبة ومحاسبة هؤلاء الأشخاص لعدم فعاليتهم بالنسبة لتطلعاته وحجم المهمة المكلفين بها. فهو يدعوهم الى العمل أكثر وحشد جماهير أكبر لتحقيق أهدافها. على سبيل المثال إذا حشدت هذه الجمعيات 20% من الناس وحرّكتهم حسب الأجندة الأمركية مثلًا المطالبة بنزع سلاح حزب الله، فلن تصل الى هدفها وتبقى الأموال المدفوعة تكاليف دون نتائج، ولكن اذا استطاعت حشد 60% من الجماهير فيمكن لهذه أن تحقق الهدف. والمقصود بـ”لا إمكانية لانتقال السلطة من التركيبة الحالية إلى أخرى من المجموعات الثائرة” تصبّ بفكرة أن هذه المجموعات لا تستطيع الادارة الأمريكية أن توصلها الى مكان السلطة الحالية لطالما بقيت ثائرة من دون وحدة في التنظيم والشعار واستقطاب جماهير مؤيدة تدعم ايصال هذا المجتمع المدني ومنظماته الى السلطة في لبنان. وهنا يجب الاشارة الى الهدف الرئيسي من ايصال هذه المجموعات الى السلطة المتمثل باقامة نظام سياسي معادي لحزب الله ويرغب في التطبيع مع العدو الصهيوني بحسب الاستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية الأمريكية في لبنان.

تاسعًا: 26 أيلول 2020 — شهادة ديفيد هيل في الكونغرس — على مر الأعوام، أمنّا للبنان 10 مليارات دولار، للقوى الأمنية من جهة، وعلى منظمات المجتمع المدني من جهة أخرى، من أجل التنمية الاقتصادية والدعم الإنساني. إن المبالغ التي دفعت عقب الانفجار في بيروت قد ذهب جزء معتبر من هذا المبلغ الضخم إلى رؤساء ونشطاء في أحزاب ومتظاهرين وحركات مجتمع مدني لمحاربة الفساد ووسائل إعلام ومواقع إلكترونية ومنصات تواصل اجتماعي.

هيل في هذا التصريح يعترف وبشكل واضح أن مبلغ ضخم قدّم الى رؤساء ونشطاء في أحزاب ومتظاهرين وحركات مجتمع مدني بهدف “علني” يقتصر بـ”محاربة الفساد” ولكن الهدف الحقيقي المبطن هو لتنفيذ الأجندة الأمريكية، فعلى سبيل المثال قدّمت بعض منظمات المجتمع المدني 50.000 ل.ل لكل متظاهر ووجبة طعام لتشجعيه على التظاهر والاحتجاج والتكلم بلغتها. إن النضال والتظاهر الحقيقي لا يؤجر عليه المرء بل يكون نابع من معاناة وقهر ولكن إن أي أجر يؤخده هذا المرء يحوّله من مناضل الى موظف يعمل ضمن برنامج معين وقوانين معينة. ولا ننسى حصّة وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي التي هي أداة لإيصال ودعم نشاط المجتمع المدني مثل محطات mtv – lbc – الجديد وغيره التي كانت ولا زالت بوق للفتنة والتحريض، ولا ننسى الذباب الالكتروني الضخم والواسع من دون هوية والذي يتابعه الآلاف الذين على جهوزية كاملة لنقل ومواكبة نشاط المجتمع المدني.

عاشرًا: 13 تشرين الثاني 2020 — لقاء دوروثي شيا مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية — نرى حاجة للمساعدة في تعزيز المجتمع المدني هنا، وتقوية مؤسسات الدولة، ومكافحة التأثير المدمر للجهات الفاعلة الخبيثة مثل حزب الله.

وضعت دوروثي في نفس الجملة تعزيز المجتمع المدني مقابل ومكافحة التأثير المدمر للجهات الفاعلة الخبيثة مثل حزب الله، لماذا؟ لأن الأمريكي يرى أن الأداة المباشرة التي تستطيع مكافحة تأثير حزب الله هي المجتمع المدني، فبالنسبة لدوروثي العلاقة هنا جدلية تقوية طرف للإطاحة بطرف آخر لا يمكن التأثير على حزب الله الا من خلال المجتمع المدني وهنا أشارت الى الحاجة الملحة والضرورية في دعم المجتمع المدني.

حادي عشر: 28 كانون الثاني 2021  — دوروثي شيا — “الولايات المتحدة عملت بشكل وثيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومن الخطأ شيطنة أي شخص أو مؤسّسة أو جعلهم كبش فداء للانهيار الذي هو نتيجة عقود من الفساد. تعيينات المصرف المركزي قرار يعود للحكومة اللبنانية، وسلامة يحظى بثقة كبيرة في المجتمع المالي الدولي، وإذا لم يكن لدى هذا المجتمع ثقة بقيادة المؤسسات المالية الكبرى في البلاد، فأعتقد أنّه لن يكون هناك أي تدفق للاستثمار أو النقد الذي يحتاج إليه اقتصاد لبنان”.

دوروثي شيا سفيرة الولايات المتحدة في لبنان تدافع عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي قام بتنفيذ الأجندة الأمريكية على مرّ السنين الى أن وصل لبنان الى شبه انهيار اقتصادي. فهي تغلّط حكومتها إذا لم تقف الى جانب شريكها “الوثيق” وتحييد الأنظار عنه لعدم محاسبته وابقاءه في سلطته. ومنظمات المجتمع المدني ساعدت السفارة على تغيير بوصلة الحراك من محاربة الفساد الإقتصادي الذي ترأسه حاكم مصرف لبنان وتوجيهه الى نزع سلاح حزب الله لأنه يعيق عملية انتشال لبنان عبر تنفيذ الاجندة الأمريكية المتمثلة بصندوق النقد الدولي وشروطه. فخلال ايام قليلة لم نعد نسمع هتافات مثل “يسقط حكم المصرف”، بل سرعان ما تبدّل وأصبح “كلّن يعني كلّن نصرالله واحد منن”.وهنا يجب الإشارة الى كلمة من الخطأ “شيطنة” فدوروثي استخدمتها لاستنكار والحد من نشر الصورة التي ملأت جدران بيروت التي تحتوي على صورة رياض سلامة مع وجه شيطاني. وأيضًا أشارت دوروثي الى أمر هام أن الوقوف الى جانب هذا الشريك سيخدم المصلحة والأجندة الأمريكية، كيف؟ سلامة يقوم بأي فعل تطلبه أمريكا فوجوده يحرر اليد الأمريكية للتعامل مع هذه الأزمة وعدم جعله “كبش فداء” يحول دون وقوف المجتمع المالي الدولي ضدّه، أي بمعنى آخر يستطيع بذلك صندوق النقد الدولي أن يناقش رياض سلامة ويضع معه خطط وشروط دون أي أزمة وهذه الخطط والشروط ستخدم بطبيعة الحال الأجندة الأمريكية في ملف النفط وسلاح حزب الله والتطبيع ..

ثاني عشر: 25 شباط 2021 — الإستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الأمريكية — أولويات البعثة الرئيسية – المقدمة، السطر الأول — تقف السفارة الأمريكية في بيروت عند تقاطع المصالح الدائمة للأمن القومي الأمريكي في الشرق الأوسط. تعمل مهمتنا في دولة ذات توجه غربي على الحافة الجيوستراتيجية لشرق البحر المتوسط​​، محصورة بين إسرائيل، التي يجب أن تدافع عن مصالحها الأمنية ضد التهديدات المستمرة التي يشكلها حزب الله والجهات المعادية الأخرى.

تعمل السفارة الأمريكية في بيروت على مبدأ واضح وصريح يتم استنتاجه من الإستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الأمريكية ألا وهو مهمّة تطبيع لبنان مع العدو الصهيوني المجاور لإسرائيل والمؤثر والمهدد الحقيقي لوجود اسرائيل في المنطقة ومحاولة السيطرة ومواجهة أي تهديد مستمر يشكله حزب الله المقاوم لإسرائيل. فطموح امريكا يرمي الى استيلاء على بلد من أجل الضم الكامل لإسرائيل وان لم يتحقق هذا الاستيلاء فإن ارادتها في التلسط ستظل قائمة. وهذا التسلط لم تعد تفرضه بقوة السلاح، وانما بالتحكم الاقتصادي والعسكري وحتى السياسي والاجتماعي-المدني، شبه المباشر والمصرّح به، والفعال على الدوام والتي تعمل به تحت غطاء الاستقلال ومحاربة الفساد بمساعدة أذرعها من منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة.

ثالث عشر: 25 شباط 2021 — الإستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الأمريكية — نجد أنفسنا في شركة جيدة ضمن تحالف عريض من الشركاء الراغبين والقادرين الذين يشاركوننا مصالحنا، بما في ذلك مجموعة واسعة من الحلفاء الدوليين المتشابهين في الرأي، ووسائل الإعلام المستقلة المعتدلة، ووكلاء التغيير الإصلاحيين في المجتمع المدني اللبناني الغني والمتنوع، والمخلصين. أعضاء الشتات ومجتمعات الأعمال، وحتى الموظفين العموميين المتفانين الذين يسعون داخل المؤسسات اللبنانية لجعل الحكومة تعمل بشكل أفضل للشعب اللبناني.

تعتبر امريكا نفسها أنها أسست “شركة مدنية” في لبنان يشارك أصحابها (المؤلفين الحلفاء الدوليين المتشابهين في الرأي- ووسائل الإعلام المستقلة المعتدلة، ووكلاء التغيير الإصلاحيين في المجتمع المدني اللبناني، والمخلصين، أعضاء الشتات ومجتمعات الأعمال، وحتى الموظفين العموميين المتفانين) في توظيفات ماليّة بغية تحقيق هدف مشترك، وهنا يجب الإشارة استخدام مصلحات مثل المخلصين والمتفانين أي أن أصحاب هذه الشركة يتميزون بإتقان العمل أي إنجازه كاملاً مع وجود جهاتٍ رقابيةٍ أو بدونها. بهذا القدر ترى الإدراة الأمريكية أن هذه المجموعات منسجمة ومتجانسة مع المصالح الامريكية ومرتبطة ترابطًا وثيقًا بها، لهذا ستستمر بالعمل معهم.

رابع عشر: 25 شباط 2021 — الإستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الأمريكية — ثانيًا، نهدف إلى تقوية الدولة اللبنانية من خلال تعزيز التنفيذ الفعال للحكومة للإصلاحات الاقتصادية والسياسية، بدعم من وسائل الإعلام المستقلة، وتمكين المجتمع المدني الذي يحاسب القادة ويعطي صوتًا لاحتياجات الناس وهمومهم.

أعطت الإدارة الأمريكية مسؤولية المحاسبة والمراقبة للمجتمع المدني ومنظماته وبالتالي لوسائل الإعلام المستقلة الممولين من قبلها. وعلى مبدأ قل لي من يموّلك أقل لك من أنت، في طبيعة الحال ستكون هذه المنظمات ووسائل الإعلام الواجهة الأساسية التي من خلالها تستطيع اميركا محاسبة من تريد والإضاءة على فساد من تريد وتحييد المسائل التي ليست من مصلحتها أن تسلط الضوء عليها واتهام من تريد دون تلطيخ يدها بشكل مباشر. وهنا يجب الإشارة الى مفهوم التمكين المستخدم في هذه الاستراتيجية أي أن الإدراة الأمريكية ستعمل على زيادة القدرة المعنوية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية لأفراد ومنظمات المجتمع المدني، وزيادة قدرتهم على اتخاذ خيارات وتحويل تلك الخيارات إلى الإجراءات والنتائج المطلوبة.  ويشير مصطلح “التمكين” أيضًا إلى تقديم تدابير أمريكية ترمي إلى زيادة درجة الاستقلال الذاتي لهذه المنظمات وتقرير مصير الناس والمجتمعات المحلية لتمكينهم من تمثيل مصالحهم.  وفي مجال العمل الاجتماعي – المدني، يشكل التمكين بحدّ ذاته نهجًا عملًيا للتدخل الموجه والمباشر والتحكم في الأفراد ومنظمات المجتمع المدني.

خامس عشر: 25 شباط 2021 — الإستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الأمريكية — تعد مشاركة المجتمع المدني اللبناني أمرًا أساسيًا للحكم الديمقراطي لأنها تسهل على المواطنين الاجتماع معًا لمحاسبة قادتهم والتصدي للتحديات التي لا تستطيع الحكومات وحدها مواجهتها. وبالمثل، فإن وسائل الإعلام المستقلة والمعتدلة التي تتماشى بشكل عام مع قيم الولايات المتحدة ومصالحها تمثل فئة أخرى حاسمة لتحقيق أهداف الحكم الرشيد والمساءلة.

تحصر الإستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الأمريكية مسألة الانتقال الى حكم ديمقراطي بمشاركة المجتمع المدني اللبناني ومنظماته، فهي تغلق جميع الأبواب أمام الشعب اللبناني وتقول لهم توجهوا نحو هذا المنفذ الوحيد للنجاة من هذه الأزمة وهو منفذ منظمات المجتمع المدني التي تتكلم باسمكم وتطالب وتحاسب بالنيابة عنكم بمساعدة وسائل الإعلام المستقلة التي تتحدث وتوصل مخاوفكم ومعاناتكم ولك لتستطيع التحكم والسيطرة على أكبر تأييد شعبي يعمل خدمة لمصالحها.

سادس عشر: 3 تموز 2021 – ديفيد هيل — حاكم المصرف المركزي وهو شخصية أساسية للمضيّ قدماً، لا مؤشرات تدينه بما خصّ الفساد المالي والتحقيقات لم تنته بعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى