التغير المناخي حرب ام احتباس حراري (3)
يرى علماء وخبراء غربيون، أن التغير المناخي هو شكل جديد لحرب خفية، يستخدم فيها المناخ كسلاح قادر على إضعاف أية دولة، فيما رأى آخرون أن حرب المناخ وهم من أوهام المتأثرين بنظرية المؤامرة، وبين هؤلاء وهؤلاء تتصاعد الأسئلة وتتزايد القراءات بشأن علاقة التغيرات المناخية بحرب المناخ، وهل هي حقيقة أم خيال؟وتميل القراءة الأولى لكونها دربا من دروب الخيال، إذا ما تم وضع معطيات منظمة الأمم المتحدة في الاعتبار، والتي تؤكد فيها أنه خلال الـ 25 عاما الماضية تضاعفت الحوادث المرتبطة بالتغيرات المناخية ثلاث مرات، ووصلت الانبعاثات الغازية إلى معدلات قياسية وغير مسبوقة، وارتفعت درجات الحرارة في فصل الشتاء في القطب الشمالي بمقدار 3 درجات مئوية منذ عام 1990، وارتفعت مستويات البحار، وباتت آثار التغير المناخي محسوسة في كل مكان على سطح الأرض، وعواقبها حقيقية وملموسة على حياة البشر.
وطبقا لمشروع “هارب” الأمريكي، الذي ترددت الأنباء عن إغلاقه، تكون القراءة الثانية صحيحة، وتكون حرب المناخ قد بدأت منذ أعوام طويلة، خاصة مع اقترانها بمنظومة التقنية المتقدمة التي أنتجت نظريا وعمليا مشروع هارب للتحكم وتغيير المناخ، وذلك لكونه يشكل سخانا عملاقا – أضخم سخان أيوني في التاريخ – يمكنه أن يسبب خللا في الغلاف الأيوني، حيث كان الهدف الرئيسي منه زعزعة الأنظمة الزراعية والبيئية على المستوى الكوني.
ومن خلال إحداث تعديلات في “الغلاف الأيوني” المحيط بكوكب الأرض، يمكن إحداث تغيير في الأنماط المناخية، وهو ما تستند إليه الحرب المناخية، حيث تمتلك الأرض شبكة طبيعية من الموجات الكهربائية ذات التردد المنخفض للغاية، وإذا ما أمكن توليد هذه الموجات بكثافة فإنه يمكن التحكم في الشبكة ككل، وقراءة توارت بعض الشيء، بعدما تم الإعلان عن غلق مشروع هارب، فتوقف علماء الأرصاد والبيئة عن البحث في موضوع حرب المناخ، وبدأوا في التركيز على انبعاثات الغازات الدفيئة، والحد منها بموجب اتفاقية الأمم المتحدة المبدئية بشأن التغير المناخي ، والمعروفة باسم “اتفاقية كيوتو”، والتي وافقت فيها الدول الصناعية على خفض الانبعاث الكلى لهذه الغازات، حسبما ذكرت “الشرق الأوسط”.
والقدرة على توظيف التطورات التكنولوجية في الحروب الحديثة، ربما يكون أشد الأسلحة فتكا بالشعوب، فبالتحكم في التغيرات المناخية وتسخير التطور العلمي والتكنولوجيا العالية، سيكون العالم على موعد مع حروب مدمرة وخطيرة وكوارث طبيعية شديدة من حيث حجم التدمير الواسع لها، والذي يزيد أضعافا عن أفتك الأسلحة من حيث مساحة التدمير، وفى الوقت الذي تشكل فيه الهندسة المناخية أحد أهم استراتيجيات القرن الحادي والعشرين وأحد الوسائل التى يمكن استخدامها في رفع وخفض درجة الحرارة، تكون الهندسة الجيولوجية عامل الردع الذي لديه القدرة على تعديل الطقس عن قصد لأغراض إرهابية أو عسكرية، وبين هذا وذاك يقع العلم الذي يمنح مفتاح القوة والحماية والتقدم للشعوب.
هذا وقد صدر العديد من الروايات التي تتحدث عن التغير المناخي ورسم العديد من السيناريوهات التي ستحدث عند وجود هذا التغير وهذه الروايات عديدة اخترت منها
1_صدرت عام 1889 رواية الأديب الفرنسي جول فيرن “رأسا على عقب” أو “شراء القطب الشمالي”، وهي قصة خيالية لمشروع هندسي طموح لتغيير ميل محور الأرض وجعله عموديا مثل كوكب المشتري، لكن هذا التغيير سيؤدي لإنهاء الفصول الأربعة وتساوي الليل والنهار وثبات المناخ في كل مكان في العالم على مدار السنة.
ومع ذلك كانت الآثار الجانبية لهذه الخطة الطموحة هائلة، إذ كان متوقعا أن تغمر المياه العديد من البلدان الآسيوية، بينما ستكسب بلدان أخرى -مثل أميركا- أراضي يابسة جديدة. وقد أثارت الفكرة حالة من الذعر والغضب، وتم إيقاف المشروع والقبض على القائمين عليه نتيجة الاحتجاجات الشعبية الواسعة.
وفي الواقع فإن المشروع الهندسي الذي تخيله جول فيرن يكاد يكون مستحيلا من الناحية العلمية، لكن الآثار الكارثية لتغير المناخ في القرن الحادي والعشرين وارتفاع سطح الماء واحتمال غمر مدن ساحلية به، ليست قصصا خيالية تنتمي لأدب “التغير المناخي” وإنما باتت واقعا ملموسا.
ويتناول الجنس الأدبي الجديد “الخيال المناخي” -على غرار “الخيال العلمي”- موضوعات التغير المناخي والاحتباس الحراري في المستقبل القريب، ومن الأعمال المبكرة التي تؤسسه كثير من أعمال جول فيرن، وروايات أخرى بينها “الريح من أي مكان” للبريطاني جي بالارد الذي يروي فيها تراجع الحضارة البشرية بسبب ارتفاع منسوب المياه والأعاصير المستمرة.
2_رواية “يوميات الكربون 2015”
بعد تزايد ظاهرة الاحتباس الحراري ، تختار بريطانيا أن تكون أول دولة تقنن استخدام الكربون المسؤول عن الظاهرة بحسب علماء البيئة في رواية الكاتبة البريطانية ساكي ليويد.
وتبلغ لورا براون 16 عاما، وتلتزم بالقيام بدورها لإنقاذ البيئة، وتتعايش مع تقنين استخدام الكربون في نمط حياة شديد الصعوبة، مما يؤدي إلى أعمال شغب ونهب في جميع أنحاء لندن.
ويعاني سكان لندن في الرواية من الجفاف المرير الذي يهدد الحياة ومن تزايد الحرارة والفيضان المدمر على مدار العام، ويؤدي ذلك لفقدان العديد من العلاقات الاجتماعية وضعف المجتمع وتحولات سياسية كبيرة بسبب تغير المناخ جذريا.
تبدو الرواية واقعية رغم خياليتها، فأبطالها يدركون أنهم بحاجة لحرق الوقود بمعدلات أقل بكثير وحتى قيادة السيارة للضرورة فقط، لمكافحة الاحتباس الحراري، ومع ذلك يمتزج الضحك بالرعب في الرواية التي يستخدم أبطالها نظام النقاط لقياس استخدامهم للكربون والطاقة.
تكشف الدراسة التي نُشرت نتائجها مؤخرًا في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم الأمريكية “PNAS”، أن التعرُّض قصير الأمد للطقس الأكثر تطرفًا، وارتفاع درجة الحرارة على مدار عدة أعوام، وكذلك التعرض للأعاصير المدارية يرتبط بتدهور الصحة العقلية.
يقول “نيك أوبرادوفيتش”، الباحث بمعهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا في جامعة كامبريدج، والباحث الرئيسي في الدراسة: إن الكثير من الأشخاص الذين يعانون من أعراض اضطرابات الصحة العقلية نتيجة العوامل المناخية غالبًا لا يسعون للعلاج، أو لا يجدون الاهتمام اللائق بحالتهم إذا كانوا قد عانوا من بعض الأعراض وسعوا للعلاج.
ويضيف “أوبرادوفيتش” في تصريح لـ”للعلم”: “إن الدراسة ركزت في تقصي العلاقة بين تغير المناخ والصحة النفسية على الأحداث المناخية المنفصلة والظواهر الجوية المتطرفة في المقام الأول؛ إذ يرتبط التعرض للأعاصير والفيضانات بأعراض الاكتئاب الحاد بالإضافة إلى حالة الاضطراب التي تصيب الإنسان بعد تعرُّضه للصدمة”.
وأوضح أن ارتفاع درجة الحرارة والجفاف يزيدان من مخاطر الانتحار، كما يزداد معدل الزيارات إلى المستشفيات النفسية خلال فترات ارتفاع درجات الحرارة.
ويتفق “إيهاب الرفاعي”، الأستاذ المشارك بقسم جراحة المخ والأعصاب في جامعتي القاهرة وجامعة غرايفسفالت الألمانية University of Greifswald، مع النتائج التي قدمتها الدراسة، ويربط بينها وبين حالات الاكتئاب الموسمي في الشتاء ببعض الدول الأوروبية القريبة من الدائرة القطبية الشمالية.
ويقول “الرفاعي”: إن بعض الباحثين يربط بين التغيرات المناخية التي حدثت في أوروبا الشمالية وتطور القوة العقلية للإنسان الأول وبداية استخدام النار.
تشير دراسة نُشرت في يوليو الماضي في دورية “ساينتفك ريبورتس” إلى أن إنسان النياندرتال هو أول مَن استخدم النار في أحد الكهوف في فرنسا قبل نحو 50 ألف سنة.
ويشير الرفاعي في تصريح لـ”للعلم” إلى أنه لا يزال هناك تبايُنٌ في كثير من الأطروحات العلمية في هذا الشأن (العلاقة بين المناخ والصحة العقلية).
ويضيف: “كأن الإنتاج العقلي يعتمد على عوامل متعددة، من ضمنها المناخ، للوصول إما إلى حالة مزاجية منتجة أو إلى حالة مزاجية مضطربة. وعلى اتصال بهذه الفكرة طرح الباحثون قاعدة التعود (التكيف)، وهو الذي يغير الحالة العقلية المزاجية للبشر ويجعلهم أكثر ثباتًا، حتى في الظروف المناخية القاسية”.
ولاشك أن الحل الجذري والفعال يتطلب عملا توافقيا على مستوى عدة دول ولكن في الواقع بإمكان كل واحد منا فعل شيء ما مهما بدا صغيرا
انتهى…..
ملك الموسوي