الاستعراض البصريّ يطغى على الشاشات
على مهل، تحضّرت القنوات اللبنانية أمس لمواكبة الذكرى الأولى على تفجير المرفأ قبل عام. بدت الساعات الأولى من الصباح كأيّ يوم عادي، مع اختلاف أن الشاشات بدأت ببثّ مجموعة كليبات وأغنيات تحاكي المناسبة. «اليوم الكبير» الذي حُضّر له قبل أيام قليلة على هذه الشاشات، وعُمل على التحشيد له شعبياً وميدانياً، وأُعلن كيوم حداد وطني، تعاطت معه بعض القنوات اللبنانية، على أنه حدث من خارج رحم المأساة التي ألمّت بآلاف الشهداء والجرحى والمعوقين، فطغت لغة الاستعراض البصري على ما عداه، أكان في الأمكنة التي نُقل منها البث المباشر أو من خلال أزياء المحاورين/ ات. زادت عليها مجموعة من «الأنشطة»، ولا سيما الحزبية منها، وعلى رأسها «القوات» اللبنانية التي وضعت ثقلها في المناسبة، وألصقت جدارية حملت أسماء وصور الشهداء، إلى جانب تعمّدها تغطية الأرض جانب المرفأ بأكياس سوداء عادة ما تُخصص لنقل الموتى إلى المستشفيات، وترداد المناصرين: «هول مش أكياس هول ناس، كان في ناس بتموت فيهن».
دخول «القوات» على خط مناسبة وطنية أعلنت عن نبذها للأحزاب وضرورة محاسبة المرتكبين، لم ترَ فيه قنوات «كلن يعني كلن»، أي مشكلة. راحت تنقل أنشطته وكلمة النائب القواتي أنطوان حبشي (الجديد، وmtv). كذلك، كان لافتاً نقل كل من lbci وmtv، لكلمة رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، بعدما ادّعت إحداهما، أي «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، بأنها اتخذت قراراً منذ عام بوقف نقل تصاريح وخطابات السياسيين، وإذ بها تحلل في هذا الأمر كلام الجميل، وتُقصي خطاب ميشال عون أمس عن شاشتها، ولأشهر كثيرة تغيّب خطابات السيد حسن نصرالله! أما mtv، فقد راحت تبثّ بروباغندا حزبية للكتائب وتكرر الشعارات التي رفعتها في هذا اليوم «جايي الحساب» و«لأنو قتلونا»، في وقت تدعي فيه محاربة ما تسميه «المنظومة السياسية» التي يبدو أن «الكتائب» خارجها!
الاستعراض البصري تجلّى أيضاً في التنافس بين «حسناوات» القنوات في ارتداء «تيشرتات» تحمل شعارات المحطات في ذكرى تفجير المرفأ (انظر الكادر في الصفحة المقابلة). مشهديات يضاف إليها، كيفية تظهير إخراج البث التلفزيوني بعدما استوطنت القنوات داخل حرم المرفأ. بث تعمّدت فيه الأخيرة التي نقلت من أرض المرفأ، تصوير الركام المتراكم هناك، وأَهراءات القمح، على طريقة الاستعراض البصري بعدما تحوّل المشهد الكارثي إلى ديكورات لهذه القنوات. كذلك حوّلت البرامج الصباحية مسار سيرها إلى المرفأ (الجديد وlbci) ، وبدأت تستقبل ذوي الشهداء، وأفراداً من فوج الإطفاء والدفاع المدني، وأيضاً اختصاصيين نفسيين. وكان لافتاً هنا، وضع «الجديد» موسيقى مؤثرة تزامناً مع شهادات أهالي الضحايا، أعادت تذكيرنا بمقابلة سعد الحريري على شاشتها قبل أسابيع بعد دمجها الموسيقى مع كلام الحريري السياسي عن اغتيال والده سعياً نحو شحذ العواطف. بعدها راحت كل قناة تقسم شاشتها إلى نوافذ مختلفة من أماكن متعددة شكّلت محطات تحرك أهالي الضحايا والمحامين وباقي المشاركين في المسيرات الشعبية نحو المرفأ.
لاحقاً بدأت القنوات بإطلاق شعاراتها في المناسبة، فوضعت «الجديد» لائحة أسماء الشهداء على يسار شاشتها تحت عنوان «ما تنسوهم»، وكان لافتاً ما دوّنته nbn، على يمين شاشتها، عن قضية رفع الحصانات عن الشخصيات الأمنية والسياسية التي استدعاها المحقق العدلي طارق بيطار، فأطلقت شعار «#لا_حصانات_الا_دماء_الشهداء»، بما أن هذه القضية مرتبطة بشكل وثيق بالرئاسة الثانية. وركّزت «المنار» في تغطيتها المتقطّعة خلال النهار لهذه الذكرى، على طرح قضايا التعويضات والمساعدات للمناطق المنكوبة جراء التفجير. كذلك، كرّرت مراراً السؤال حول غياب الكشف عن التقرير التقني لتفجير المرفأ، الذي من شأن الإفراج عنه أن يوقف «استغلال» هذه الكارثة. وفي رسائلها الميدانية من المرفأ، كرّرت مسألة ضرورة مقارعة الاستثمار بالدماء، ونقل كلام أهالي الضحايا بأنهم لن يسمحوا بهذا الاستغلال. قناة lbci، التي نقلت من المرفأ أيضاً، وعلى مقربة من أَهراءات القمح، كرّرت مراراً على شاشتها، شعار «المجرم مجهول». ومع ضخّها في الأيام السابقة قصصاً عن شهداء المرفأ، ضمن برمجة «كل يوم 4 آب» في زخم عاطفي غير مسبوق، كانت في المقابل، ترتكب أخطاء مهنية بالجملة أمس، مع توجه فريقها إلى أحد المدافن التي يتواجد فيها جثمان العنصر في الدفاع المدني الخاص الشهيد ثروت حطيط، ووقوف الكاميرا فوق الضريح واستصراح زوجته عما حدث معه في ذاك النهار وأدى إلى استشهاده.
تعمّدت المحطة إشعار هواتف اللبنانيين بضرورة مشاهدة المقابلة! كذلك، توجّهت المحطة إلى «مستشفى بحنس» المتواجدة فيه المصابة لارا الحايك التي ترقد في غيبوبة منذ التفجير المشؤوم. هنا، صوّرت المحطة الحايك وتتبّعت الرسائل المنثورة من أصدقائها حولها في السرير، من دون أي اعتبار لخصوصية المصابة ولخروج صورتها وحالتها الصحية على الهواء مباشرة، وهي التي لا تملك أي قرار بالموافقة أو عدمه على الظهور التلفزيوني. تزامناً، حوّل الحدث الجنوني الأنظار قليلاً عن ذكرى تفجير المرفأ، مع سلسلة الاعتداءات الإسرائيلية التي طاولت الأراضي الجنوبية بعد سقوط قذائف صاروخية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. حدث حجبته القناتان (lbci، mtv) ما خلا «الجديد» التي نقلت ما يحدث في الجنوب، عبر رسائل مباشرة.
مقدمات نشرات الأخبار: انقسام متجدّد
كما حلّت لغة الاستعراض البصري على التغطية النهارية للقنوات المحلية في ذكرى السنوية لتفجير المرفأ، كذلك خيمت مساء على استديوات النشرات الإخبارية. وضعت هذه القنوات ثقلها في هذا المجال. برزت هنا «الجديد» التي غيّرت ديكور استديو الأخبار، وتم تقديم وتلاوة الاستهلالية وقوفاً هذه المرة، بدل الجلوس خلف الطاولة، والاستعانة بشخصين يقومان بقراءة المقدمة بدل المذيع الواحد. إذ شاهدنا كل من جورج صليبي وداليا أحمد يتناوبان على هذه المهمة، فيما عمدت mtv بدورها إلى إفراد شاشة ضخمة متحركة ظهرت خلف المذيعين، تحوي صور شهداء مرفأ بيروت. وفي المضمون، انقسمت مجدداً الشاشات، لا سيما في الشق المتعلق بركوب الأحزاب وتحديداً «الكتائب» و«القوات» موجة الغاضبين في الشارع. في هذا الإطار، أعادت «المنار» التصويب في هذه الذكرى، على ما أسمته «المتاجرة السياسية بالدم»، وتسلق الأحزاب لهذه الذكرى. كذلك فعلت otv، في مقدمة نشرة أخبارها، التي وجهت فيها الاتهام إلى هذه الأحزاب التي تسعى إلى الاستثمار السياسي والانتخابي. وفضّلت lbci لعبة استثارة العواطف، من خلال بثها مقدمة نشرة أخبار عاطفية في الدرجة الأولى تحدثت عن عوائل الشهداء وفقدانهم فلذات أكبادهم. مقدمة تلاها بسام أبو زيد باللهجة العامية، على غرار ما تفعله المحطة في مناسبات مماثلة، وكان لافتاً ما أشارت إليه المحطة من تسلق الأحزاب عينها «ثورة 17 تشرين» كما تفعل اليوم في إشارة واضحة إلى «القوات». أما mtv، فقد كررت خطاباتها السابقة بضرورة محاكمة «المنظومة الفاسدة»، واعتبرت أنّ المؤتمرات الدولية التي عقدت خارج لبنان وجهت «صفعة إلى تلك المنظومة»!