الحدث

مخارج التأليف: سُنّي برتقالي مرقّط للداخلية؟

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

تبدو، وعلى الأرجح، الضمانات الخارجية التي تسلّح بها الرئيس نجيب ميقاتي في مستهل تكليفه “بلا فائدة”. الرجل “يترنّح” في بركة من رمال متحرّكة، فأين تلك “الضمانات” لكي تنجده؟ الآن، ولما خاض “الرئيس المدعوم” مسار التأليف “بجد” وانتهت صلاحية “ورشة التدليس” السياسي التي دامت 3 إجتماعات، ثبت أن تلك الضمانات لا تساوي شيئاً في المنهاج اللبناني.

نجيب ميقاتي مُربك. العونيون من أمامه، سحبوا “سلإح الإستقالة” من مجلس النواب ورموه على الطاولة. على الأرجح أرادوه ورقةً للتفاوض دعماً لرئيس الجمهورية وكيل الحصة المسيحية راهناً. ويُحكى في الغرف المغلقة أنهم جاهزون لمباغتة المكلّف فور قطع الشك باليقين من أنه “مدفوع” من قبل “الثلاثي السني” لتمرير “مشروع سعد” السابق. من ورائه “نادي الغولف” المتمثل برؤساء الحكومات السابقين الذي رسم لميقاتي خطوط الطول والعرض وقاله له “سرّ خلفها وفيها”. وبما أن تلك الخطوط “ما بتقطع” عند عون، فمعناه أن حراك ميقاتي بأسره لزوم ما لا يلزم.

في اللقاء الرابع والأخير بين الرئيسين ميقاتي وعون، ثَبت وعلى نحوٍ قاطع أن ميقاتي ثبّت حقيبة الداخلية من الحصة السُنّية وحاول أن “يبيع” عون من كيسه عبر وضع حقيبة “العدلية” ضمن الحصة المسيحية. أبى عون ذلك، وأصرّ على مطلبه بالداخلية والعدلية معاً ورسم أمامها خطاً أحمراً ولهج مراراً بذكر ضرورة المداورة عملاً بمقتضيات المبادرة الفرنسية التي يقول الميقاتي أنه يتحرّك تحت سقفها. في المقابل، أعاد ميقاتي تأكيد المؤكد: “لا مداورة” بمعنى لا تنازل عن الداخلية. وقد أقرّ بأنه “مطوّق” بالتزامات مسبقة مع زملائه في “النادي”. لا تخلٍ للشيعة عن وزارة المال. وقد أقرّ أيضاً بأنه يلتزم بالتوزيعة السابقة، أي المعتمدة في حكومة حسان دياب المستقيلة وتلك التي أنجز الحريري وبري الإتفاق حولها، ثم أنه، وعلى ما يبدو، لا يريد أن يرسل إشارة سلبية نحو “حزب الله” من زاوية نزع المالية من حصة طائفته بعدما سلّف هذا الأخير ميقاتي ما لم يسلّفه لأي رئيس حكومة سابق.

بعيداً عن الوجوم الذي علا وجه ميقاتي وما قاله بلحظة “استفزاز وابتزاز” صحفي من على منبر بعبدا، يرغب “الرئيس المدعوم” في محاولة “تدوير” الخلاف الحاصل مع رئيس الجمهورية، وهو أبلغ إلى من يجب أن يعلم برغبته في حلّ المسألة “بطريقة ما” ومن دون ترتيب أي كلفة قاسية وليس على قاعدة “غالب ومغلوب”، وهو كلام يستبطن محاولةً لـ”القبول بصفقة” شرط توازنها. في غضون ذلك، مرّر رسالةً مفادها أنه لن يقوى على اعتماد الصبر إلى ما لا نهاية، وبصيرته ترى ألا يتجاوز حدود انتظار إنتاج حلّ وتسوية للعقدة السائدة أكثر من 20 يوماً، والبعض وضع التاريخ بين 20 – 25 الجاري موعداً للحسم في حال ترسّخت العقدة وعصت عن الحل، إلاّ إذا دخل طارئ ما فجمّد ما في النفوس.

رغم اشتداد وطيس “الحرب الباردة” بين بعبدا و الروشة حيث مقرّ ميقاتي، المقيّد بإحترام مواقع الطرفين بخلاف ما ركن صوبه دائماً الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري، تجد الإتصالات مجالاً للتحرّك إنسجاماً مع طبيعة ميقاتي المرنة وعلى نية توليد أفكار. يعلم من يتولى ذلك أنه وفي حال انقضى عقد “التكليف” الحالي دون تأليف فمعناه ألا تكليفاً آخر في ما بقي من عهد ميشال عون، وعلى الأعمّ الأغلب لن يجد “أي سُني” نفسه في موقع المكمن/المحرقة، لذلك لا بدّ من “تخريجة”.

في الواقع، يُحكى عن محاولة لـ”تدوير العقدة” بمعنى نيل نسبة 50% تنازل من جانب ميقاتي و 50% مقابلة من جانب عون، على قاعدة التنازل المتوازن. وعملاً بالتوازن ذاته يُسوّق أن يتم اعتماد التوزيعة التي يطرحها ميقاتي، أي التي تمنح الداخلية للسنّة شرط أن يجلس في مقعدها وزير سني – برتقالي بزي مرقّط، على الأغلب يكون من حصة عون ويحفظ الموقع لصالح الطائفة السُنيّة، في مقابل “تركيب” مسيحي في العدلية يتمتّع بجينات “سياسية ميقاتية”، لكن ما يحول دون ذلك عدة أسباب، منها اعتقاد القصر الجمهوري أن فكرةً من هذا النوع لن تمرّ عطفاً على تشديد الرئيس على مبدأ المداورة وهو لن يتزحزح عنه حتى ولو بالمواربة، واعتقاد مراقبين آخرين أن ميقاتي لن يُترك للموافقة على حلّ مماثل، أو عملياً لا قدرة له على السير به عملاً بظنّ مستند إلى وقائع من أنه قد وعد الحريري في مستهل التكليف أن تذهب “حصة الداخلية” لصالحه. وعملاً بمقتضيات الإتفاق يصبح لزاماً عليه التقيّد كي لا يخسر “تغطية الثلاثي السني” التي قد يترتب عليها ما يترتب سنياً على أبواب الإنتخابات النيابية.

بالتوازي مع ذلك، ثمة من استنبط فكرةً وأخذ يحاول تمريرها على نية حل العقدة، تتمثل في “حفظ” ميقاتي لوزارة الداخلية من حصته، بمعنى أن يتولاها شخصياً، رجوعاً عن سابقة أتمّها يوماً الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين جمع ما بين موقع الرئاسة الثالثة ووزارة المالية، وعيّن عليها وزير دولة مكلّف إدارة شأنها. في وضعية الفكرة الجارية، ألاّ يكون وزير دولة يحوز صفة إدارية كي يتمتع بإدارتها على قاعدة أن لا وزراء دولة في التشكيلة الميقاتية، وهذا يعني أن تكون بإدارة ميقاتي ومعاونة من وزير “بحقيبة” يُكلّف فيها. أمرٌ، لا تجده أوساط منطقياً، عملاً بضرورات الوزارة ومهامها الثقيلة في وضعية الإنهيار والإنتخابات وما تمثله أمنياً إلى جانب الوقت التي تحتاجه والذي لا يمكن أن يوفرّه رئيس الحكومة ذات نفسه.

بخلاف كل ذلك، يبقى أن حدثين يجب ترقبهما والتمعن بهما جيداً: طبيعة ما سينتج عن لقاء الخميس المقبل، وخلاصة ما سينتج عن حركة الإتصالات والإقتراحات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى